تُعدّ الطفولة مرحلة حاسمة في بناء الإنسان وصقل قدراته ومواهبه، وهي الفترة التي تحتاج فيها النفس البشرية إلى أكبر قدر من العناية والاحتضان والتوجيه. غير أن فئة من الأطفال، وهم المصابون باضطراب التوحد أو فرط الحركة وقلة التركيز، يعيشون واقعاً صعباً ومؤلماً في غياب الرعاية الكافية، سواء على مستوى التشخيص المبكر أو التكفل النفسي والتربوي والطبي والاجتماعي.
إن هؤلاء الأطفال لا يختلفون في إنسانيتهم وطاقاتهم الكامنة عن غيرهم، بل إن كثيراً منهم يمتلك قدرات متميزة في مجالات التفكير، والرياضيات، والفن، والملاحظة الدقيقة، لكن غياب الدعم والتأطير المناسب يجعل تلك القدرات تُهمَل وتذبل في صمت.
إن وزارة الصحة مطالبة اليوم بإحداث مراكز جهوية مختصة في تشخيص وعلاج اضطرابات التوحد وفرط الحركة، مع تكوين أطباء نفسيين وأخصائيين في النطق والعلاج السلوكي. فالتشخيص المبكر هو مفتاح التدخل الفعّال الذي يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في مستقبل الطفل وحياته.
أما وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، فعليها أن تدمج هذه الفئة في المنظومة التعليمية عبر مدارس دامجة مجهزة بطواقم بيداغوجية مدربة على التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. فبدل أن يعيش الطفل المعاق نفسياً أو سلوكياً عزلة داخل جدران بيته، يجب أن يجد مكاناً آمناً وسط زملائه، يتعلم، ويشارك، ويُقدَّر كغيره.
أما وزارة الأسرة والتضامن والإدماج الاجتماعي، فعليها أن تواكب الأسر التي تعاني في صمت، بتوفير الدعم المادي والمعنوي، وإنشاء شبكات مساندة للأمهات والآباء، وتسهيل الولوج إلى المراكز المختصة بأسعار في متناول الجميع. فكثير من الأسر تضطر اليوم إلى بيع ممتلكاتها أو السفر لمسافات طويلة من أجل حصة علاج واحدة لأطفالها، في غياب أي دعم من الدولة.
لا يخفى أن المغرب قد قطع خطوات مهمة في مجال الاهتمام بالأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال القوانين والإستراتيجيات الوطنية، لكن الفئة المصابة بالتوحد وفرط الحركة لا تزال تعاني من ضعف الاعتراف الاجتماعي وغياب التجهيزات المناسبة.
فالمراكز المتخصصة قليلة جداً، وغالباً ما توجد في المدن الكبرى فقط، فيما يبقى أطفال القرى والمناطق الهامشية خارج أي تغطية أو رعاية.
التوصيات والمقترحات
1. إحداث سجل وطني للأطفال المصابين بالتوحد وفرط الحركة، لتتبع الحالات والتخطيط للبرامج الوطنية بناءً على معطيات دقيقة.
2. تعميم التكوين الإجباري لفائدة الأساتذة والمربين حول طرق التعامل مع الأطفال ذوي الاضطرابات العصبية والنفسية.
3. تخصيص منح دعم شهرية للأسر المعوزة التي تتحمل مصاريف العلاج الباهظة.
4. إشراك الجماعات الترابية في تمويل وإنشاء مراكز جهوية ومراكز قريبة من الأحياء السكنية.
5. تحفيز المجتمع المدني عبر دعم الجمعيات النشيطة في هذا المجال، وتمكينها من الموارد البشرية والمالية الكافية.
6. إطلاق حملات توعوية وطنية لرفع الوعي المجتمعي حول التوحد وفرط الحركة، ولتشجيع الأسر على التشخيص المبكر دون خجل أو تردد.
إن الاهتمام بالأطفال المصابين بالتوحد وفرط الحركة ليس إحساناً ولا عملاً خيرياً، بل هو واجب وطني وإنساني، لأنه يعكس مستوى نضج المجتمع ودرجة تحضّره. هؤلاء الأطفال ليسوا عبئاً على الوطن، بل طاقات كامنة تحتاج فقط إلى من يمدّ لها اليد ويؤمن بقدرتها على النمو والنجاح.