وجهة نظر

جيل Z في المغرب.. أصوات الاحتجاج وصناعة الحلول قبل الانفجار

جيل Z احتجاج يومي يبحث عن معنى وحلول

 

تعيش الساحة المغربية منذ أواخر شتنبر 2025 على وقع احتجاجات غير مسبوقة يقودها شباب ينتمون إلى ما يعرف بجيل Z وهو جيل نشأ في فضاء رقمي مفتوح، بعيد عن التنظيمات السياسية التقليدية، لكنه شديد الحساسية تجاه قضايا العدالة الاجتماعية والفرص الاقتصادية، هذه الاحتجاجات التي انطلقت بدعوات على منصات مثل تيك توك وديسكورد من طرف حركة تحمل اسم GenZ ، تحولت في ظرف وجيز من مطالب اجتماعية إلى مواجهات دامية مع قوات الأمن في مدن مختلفة ، مما أدى الى سقوط قتلى وجرحى واعتقالات بالمئات.

لم يعد الاحتجاج في المغرب محصورا في الشارع أو الساحات الكبرى كما كان في الماضي، بل صار فعلا متنقلا يظهر في فضاءات متعددة ويتخذ أشكالا متجددة، جيل Z يعبر عن قضاياه من خلال حركات متفرقة في الواقع والمواقع، ما يميز هذا الجيل أنه لا يبحث بالضرورة عن إصلاحات دستورية أو شعارات سياسية كبرى، بل يركز أساسا على قضايا معيشية ملموسة، التشغيل، الصحة، التعليم الجيد، فرص العمل، الحق في السكن.

هذه المطالب الاجتماعية تشكل قلب حراكه، وهي انعكاس مباشر للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشباب، معدلات بطالة مرتفعة، تفشي الهشاشة في العالم القروي، وانسحاب مئات الآلاف من التلاميذ سنويا من المدرسة دون كفايات أساسية.

جيل Z ملامح جيل جديد

يمثل جيل Z شريحة ولدت بين منتصف التسعينات وبداية الألفية الثالثة.

خصائصه تتجلى في:

التشبع بالرقمنة: يعيش على الايقاع السريع للمعلومة، ويعتمد في تواصله وتنظيمه على الوسائط الاجتماعية.

القطيعة مع الأطر التقليدية: ضعف الانتماء الحزبي والنقابي، مقابل حضور قوي في الفضاء الافتراضي.

الوعي بالحقوق: رغم محدودية المشاركة السياسية، فإن مطالبهم تتركز حول قضايا الصحة، التعليم، الشغل، والسكن.

أسباب الاحتجاجات الراهنة:

الأوضاع الاقتصادية: نسبة بطالة الشباب مرتفعة مع غلاء معيشي وضعف الأجور مما يضغط على الأسر.

الأولويات الحكومية:

تركيز الدولة على مشاريع البنية التحتية المرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030 أثار حفيظة المحتجين الذين يرون أن الاولوية يجب أن تعطى للصحة والتعليم والتشغيل.

أزمة الثقة:

الخطاب الرسمي لا يخترق قنوات تواصل الشباب، مما يعمق الفجوة بين الدولة والمجتمع.

 

غياب الوساطة:

مع تراجع دور الاحزاب والنقابات، يجد الشباب أنفسهم بلا منصات مؤسساتية للتعبير عن مطالبهم.

أشكال الاحتجاج

فضاءات افتراضية: تعبئة وتنظيم عبر تيك توك وديسكورد.

ميدانية متفرقة: احتجاجات ليلية، أحيانا سلمية وأحيانا عنيفة.

منطق اللامركزية في الاحتجاج: جيل Z لا يقوده زعيم ولا يتبنى مرجعية واحدة، غياب قيادة واضحة يجعلها حركة مفتوحة وصعبة الاحتواء، وعيه يتشكل من شبكات مفتوحة من التفاعلات اليومية ، كل فضاء يتحول مؤقتا الى مركز احتجاجي أو وقفة عابرة أمام مؤسسة عمومية، لكن رغم هذا التشتت الظاهري، فإن خيطا ناظما يوحد هذه التعبيرات، الرغبة في العدالة الاجتماعية والمجالية، تكافؤ الفرص، هذه اللامركزية تجعل التعامل مع احتجاجات الجيل الجديد أكثر صعوبة من الماضي، حيث لم يعد يكفي الحوار مع نقابة أو حزب لإخماذ الاحتقان.

كيف يمكن امتصاص هذا الغضب ؟ الحلول لا يمكن أن تكون أمنية أو ظرفية، بل تحتاج إلى رؤية استراتيجية تستحضر طبيعة هذا الجيل، سريع التفاعل، ناقد للمؤسسات ، ومتشبث بالكرامة قبل كل شيء.

المخاطر المترتبة:

تصاعد العنف: سقوط قتلى وجرحى واعتقال المئات ينذر باتساع الهوة بين الشباب والدولة.

تآكل شرعية المؤسسات: استمرار العجز في الاستجابة قد يعمق أزمة الثقة السياسية.

الانزلاق الامني: إذا لم يفتح حوار جدي، قد تتحول الاحتجاجات إلى موجات أكبر يصعب التحكم فيها.

الحلول الممكنة لإخماد الغضب

  • حوار مباشر: اعتماد لغة تواصل شبابية استشارية.
  • إصلاحات اجتماعية عاجلة:
  • تخفيض كلفة المعيشة عبر دعم الموارد الأساسية.
  • إطلاق عملية تشغيل الشباب المعطلين مع إسقاط شرط السن،
  • الزيادة في الأجور،
  • إصلاح التعليم والصحة بكل جرأة،
  • توفير خدمات صحية لائقة بالمدن الكبرى والقرى مع توزيع مجالي عادل مما يخفف الشعور بالتهميش،
  • بناء مستشفيات عمومية بخدمات مجانية جيدة تتيح الولوج لجميع المواطنين “الصحة للجميع”.
  • التعليم: تقليص الهدر المدرسي عبر برامج دعم مالي مشروط بالتعليم،
  • إدماج مناهج جديدة مرتبطة بسوق الشغل والمهارات الرقمية،
  • تشغيل الشباب بآليات مبتكرة،
  • إطلاق حوافز ضريبية قوية للمقاولات الناشئة التي توظف الشباب،
  • تشجيع المقاولات الاجتماعية والمشاريع الصغرى في القرى والمدن الصغيرة،
  • الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والرقمي كأفق لاستيعاب طاقات جديدة،
  • تقوية العدالة المجالية: تسريع مشاريع البنية التحتية في المناطق النائية،
  • توفير برامج سكن للشباب بأسعار ميسرة.
  • فتح أوراش شغل مرتبطة بالاقتصاد الرقمي والطاقات المتجددة.
  • فضاءات الشباب: إحداث مراكز شبابية حديثة للثقافة والفن والرياضة، تعطي للشباب منصة للتعبير بدل تركه في فراغ قاتل،

إعادة بناء الثقة:

خطاب سياسي صادق يعترف بالمشاكل بدل تبريرها.

شفافية في تدبير الموارد العمومية، خصوصا المرتبطة بالبطولات الدولية .

تمكين الشباب:

  • إشراكهم في السياسات العمومية، ليس فقط كمستفيدين، بل كفاعلين في صياغة القرار.
  • تجديد آليات الحوار: اعتماد منصات رقمية رسمية تمكن الشباب من إيصال مقترحاتهم وشكواهم بشكل مباشر وشفاف،
  • إشراك المؤثرين والفاعلين الرقميين في صياغة السياسات الموجهة للشباب،

جيل Z ليس خصما للدولة، بل هو مرآة لواقع اجتماعي واقتصادي يحتاج إلى حلول جذرية، قدرته على الاحتجاج السريع واللامركزي لا تعني بالضرورة تهديدا دائما، بل تعكس تعطشه للإنصات، لتفتح أبواب الأمل عبر الشغل الكريم والتعليم والصحة الجيدين، حينها فقط يمكن تحويل هذه الطاقة الاحتجاجية المتناثرة إلى قوة بناء واستقرار.

إن احتجاجات جيل Z في المغرب هي مؤشر على تحولات عميقة في علاقة الشباب بالدولة والمجتمع، فإما أن تقرأ هذه الأصوات باعتبارها جرس إنذار لتصحيح المسار التنموي والسياسي، وإما أن يتعامل معها كتهديد أمني محض، بما يحمله ذلك من مخاطر الانفجار الاجتماعي، الطريق الأمثل اليوم يمر عبر الاعتراف، الحوار، والجرأة في الإصلاح، لأن جيل Z لا يطلب سوى أن يكون شريكا في صناعة المستقبل، لا مجرد متفرج على وعود مؤجلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *