وجهة نظر

استقالة حقيقية أم حملة انتخابية؟!

في سابقة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ المؤسسة التشريعية بالمغرب، والمغاربة على بعد أقل من سنة عن نهاية الولاية التشريعية الحالية وإجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها سنة 2026، اختار أحد نواب الأمة التعبير عن تضامنه مع حركة “جيل Z” التي تقود احتجاجات صاخبة منذ يوم السبت 27 شتنبر 2025، للمطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية وتجويد الخدمات في قطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد وتوفير مناصب الشغل للعاطلين، أن يقدم استقالته من عضوية مجلس النواب في إطار الولاية التشريعية الحادية عشرة (2021/2026).

ويتعلق الأمر هنا بالمسمى محمد التويمي بنجلون النائب البرلماني عن دائرة الفداء مرس السلطان والمحسوب حاليا على حزب “الأصالة والمعاصرة”، القوة السياسية الثانية في التحالف الحكومي الثلاثي. وهو واحد من بين أبرز “الكائنات الانتخابية” التي باتت معروفة على صعيد العاصمة الاقتصادية في المجالين السياسي والرياضي، حيث بدأ مشواره السياسي ضمن صفوف حزب القيادي الراحل التهامي الخياري “جبهة القوى الديمقراطية”، قبل أن ينتقل إلى حزب “التجمع الوطني للأحرار”، ومن ثم إلى حزب “الأصالة والمعاصرة”، الذي انتخب رئيسا لمجلس مقاطعة مرس السلطان، خلفا للنائب البرلماني “التجمعي” محمد بودريقة الموجود رهن الاعتقال داخل أسوار السجن المحلي بعين السبع “عكاشة”.

ففي خضم الحراك الشبابي الذي تشهده عدة مدن مغربية تحت قيادة حركة “جيل Z”، وبعيدا عن أي طموح شخصي أو رغبة في الحصول على أي منصب، كما يدعي البرلماني السالف الذكر الذي اختار بشكل تلقائي تقديم استقالته لرئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي يوم الاثنين 6 أكتوبر 2025، مبررا قراره بما اعتبره تأخر الحكومة في التفاعل الإيجابي مع تظاهرات الشباب وتلبية مطالبهم العادلة، ومعترفا أمام المواطنين وخاصة فئة الشباب، الذين عبروا بحس عال من المسؤولية والرقي عن مطالب تلامس جوهر اختصاصات الحكومة وتنسجم مع التوجيهات الملكية السامية، التي حدد الملك محمد السادس آليات تفعيلها بمنهجية ورؤية استراتيجية واضحة، غير أن الحكومة أخفقت في تنزيلها على أرض الواقع. وزاد مؤكدا بأن الاستقالة لم تأت من فراغ، وإنما أملاها عليه إلى جانب عدم إيجاد جواب ملائم ومقنع للأسئلة المطروحة بحدة، الإحساس بالمسؤولية تجاه أولئك الذين نقلوا احتجاجاتهم من الفضاء الرقمي إلى الشارع، للتعبير عن مطالبهم المشروعة.

ولم يقف عند هذا الحد، بل زاد موضحا في ذات الرسالة بأنه منذ أن انتخب عضوا في مجلس النواب خلال الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021، وهو جد حريص على أداء مهامه النيابية بأمانة ومسؤولية، سواء على مستوى التشريع، أو مراقبة العمل الحكومي، أو المشاركة في الأنشطة المرتبطة بالدبلوماسية البرلمانية. لكن الذي يأسف له كثيرا، ويعد من بين دواعي تقديم استقالته، هو أن يرى العمل البرلماني داخل الأغلبية يتحول إلى تصويت ميكانيكي ولا يأخذ بعين الاعتبار نبض الشارع، مما أدى إلى إفراغ الممارسة النيابية من مضمونها الحقيقي…

وهي المبادرة التي نالت استحسان شريحة عريضة من المواطنات والمواطنين وأثارت عدة ردود فعل إيجابية، لكونها جاءت من طرف برلماني ينتمي لأحد فرق الأغلبية الحكومية، مما ساهم في إلهاب حماس الشباب المتظاهرين ولاسيما في تراب دائرته الانتخابية بدرب السلطان وزادتهم جميعا إصرارا على مواصلة مسلسلهم الاحتجاجي بهمة وعزيمة، لا يفتران.

بيد أن الانتشاء بهذه الخطوة “الجريئة” لم يدم طويلا، إذ عاد ذات البرلماني بعد ساعات قليلة ليتراجع عن قراره ويؤكد استمراره في مهامه التمثيلية، مدعيا تدخل عدد من زملائه في حزب الأصالة والمعاصرة، الذين قدموا له ضمانات حقيقية بفتح حوار جاد داخل الحكومة قصد معالجة الأوضاع الاجتماعية الراهنة، والقيام بإجراءات عاجلة في اتجاه تلبية مطالب المحتجين المشروعة. فكيف لمن ربط قرار استقالته بالاعتراف بعدم نجاح الحكومة في تقديم أجوبة كافية لمطالب الشباب، معتبرا أن الأمر نابع عن موقف صادق وغيرة وطنية وليس سعيا وراء منصب أو مصلحة، أن يعود في وقت وجيز للعدول عنها؟

فمن الممكن أن يرى بعض المواطنين عن حسن نية أن الرجل كان صادقا في قراره وأن إعلانه عن الانحياز لمطالب حركة “جيل Z” التي هي في الواقع مطالب عموم الشعب المغربي، جاء من منطلق الإحساس بالمسؤولية بدون خلفيات سياسية وبعيدا عن أي طموحات شخصية كما ورد في نص رسالته، وأنه ربما يكون خضع لضغوطات من قبل بعض الجهات الخفية، تفاديا لانتقال “العدوى” إلى برلمانيين آخرين من أحزاب التحالف الحكومي الثلاثي.

بيد أننا وخلافا لذلك نرى من وجهة نظرنا المتواضعة أن الأمر لا يعكس حقيقة ما ورد في استقالة البرلماني محمد التويمي بنجلون من مبررات، وأن الأمر لا يعدو أن يكون “خبطة إعلامية” أو تمهيدا لإعادة ترشحه في الانتخابات القادمة، إذ حتى “المرأة الحديدية” في الحزب فاطمة الزهراء المنصوري، هي نفسها تقر بفشل الحكومة في الإصلاح، معلنة بشكل أو آخر عن مباركتها لاحتجاجات “جيل Z”، حيث أكدت عدم قدرة الحكومة على حل مشاكل الصحة بالكامل، كما لا يمكن لها هي شخصيا أن تكذب على المغاربة، وإذا ما وجدت نفسها مضطرة إلى القيام بذلك، فإنها لن تتردد لحظة في مغادرة الحكومة. ألا تدخل مثل هكذا تصريحات وغيرها كثير، في إطار القيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها؟