وجهة نظر

الخطاب الملكي لافتتاح دورة البرلمان واحتضان مطالب “جيلZ” استجابة لـ”رسالة وطن”

قراءة تحليلية تنبؤية

مقدمة: الخطاب الملكي في لحظة التحول الاجتماعي

يُنتظرمن الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان غدا الجمعة 10 أكتوبر 2025، وفي ظرفية استثنائية، تتسم بـحراك شبابي واسع تقوده حركة “جيلZ” هذا الاحتجاج، الذي اتسم بطابع وطني وسلمي رصين رغم بعض الحوادث، رفع سقف المطالب إلى قضايا جوهرية تتعلق بـالعدالة الاجتماعية، والصحة، والتعليم، ومحاربة الفساد. وباعتبار المؤسسة الملكية بمقتضى الدستور المغربي هي الحكّم الأسمى والضامن لاستقرار الدولة والمُطلق للأوراش الكبرى، يُتوقع أن يشكل الخطاب المرتقب ليس مجرد توجيهاً، بل رداً مؤسسياً مباشراً على ما أسماه الشباب بـ”رسالة وطن”، والتي عكست وعياً بضرورة الإصلاح الشامل.

تهدف هذه الورقة التحليلية إلى التنبؤ بالمضامين والإجراءات التي من المرجح أن يتضمنها الخطاب الملكي السامي لافتتاح البرلمان، وذلك من خلال تحليل عميق للسياق السياسي والدستوري الراهن، وتجاوباً مع المطالب المعلنة لـ”جيلZ”.

وينقسم هذا التحليل إلى ثلاثة محاور رئيسية ومتكاملة تضيء مسارات الاستجابة الملكية المتوقعة: المحور الأول: التأكيد على الأجندة الاجتماعية كإجابة للمطالب الأساسية، حيث يتم فيه تثبيت القضايا الاجتماعية الكبرى (الصحة والتعليم ومحاربة الفساد) كأولويات وطنية غير قابلة للتراجع، المحور الثاني: إصلاح الفضاء السياسي واحتضان “جيلZ، الذي يركز على ضرورة تجديد النخب وفتح المجال أمام الشباب لكسر أزمة الثقة مع المؤسسات الوسيطة، ثم المحور الثالث: الخطاب الملكي كإجراء سياسي حاسم، والذي يتناول الإجراءات المباشرة التي سيتخذها الخطاب لكسر حالة الجمود وفقدان الثقة، مؤكداً على طابع “القرار” لا “التوجيه”.

المحور الأول: التأكيد على الأجندة الاجتماعية كإجابة للمطالب الأساسية

من المتوقع أن يضع الخطاب الملكي المطالب الاجتماعية في صدارة الأولويات الوطنية، مؤكداً أن قضايا الشباب هي في صميم الأوراش الملكية، وهو ما ينسجم مع الطابع الوطني الذي اتسم به الحراك. هذا المحور الحاسم يمكن تناوله عبر شقين متكاملين: المضامين التنبؤية التي تؤكد الثوابت، والإجراءات المتوقعة التي تضمن التنفيذ.

أولاً: المضامين التنبؤية (Confirmation of Agenda)
من المتوقع أن يركز الخطاب الملكي على ترسيخ أجندة إصلاحية واضحة تستجيب مباشرة للمطالب الأساسية لـ جيل Z، عبر تأكيد ثلاثة مضامين مركزية:
تعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح الصحة: سيتم التأكيد على الطبيعة اللا-رجعية لورش الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية. وستنصب التوجيهات على ضرورة الإسراع العاجل في تفعيل آليات التمويل وتجهيز المستشفيات المُنشأة حديثاً، باعتبار حق المواطن في الصحة أولوية قصوى غير قابلة للتأجيل.

إصلاح التعليم العمومي وربطه بالشغل: سيشيد الخطاب بأهمية ورش “مدرسة الريادة” كمدخل لضمان الجودة والإنصاف. كما سيتم التشديد على ضرورة ربط مخرجات التعليم بسوق الشغل، لتمكين الشباب من فرص العمل اللائق وتلبية مطلبهم في المستقبل الاقتصادي الآمن.

محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة: سيكون هناك تأكيد حازم بأن محاربة الفساد ونهب المال العام تشكل شرطاً أساسياً وغير قابل للتفاوض لنجاح التنمية الاجتماعية. هذا المضمون يمثل استجابة مباشرة للمطلب الجماهيري بإصلاح القضاء ومحاسبة كل من أخل بالمسؤولية، وكسر مظاهر الريع.

ثانياً: الإجراءات المتوقعة (Implementation Procedures)
لضمان تحويل هذه المضامين إلى واقع ميداني وتجاوز البيروقراطية التي تفاقم الاحتقان، يُتوقع أن يتضمن الخطاب توجيهاً لـإجراءات تنفيذية ورقابية ذات أثر مباشر:
تفعيل المساءلة وتحديد الخرائط الزمنية: سيتم توجيه الحكومة والقطاعات المعنية بشكل مباشر لـتقديم حصيلة مفصلة ومحددة بآجال زمنية (Roadmap) حول تقدم المشاريع الاجتماعية الكبرى. هذا التوجيه سيكون مصحوباً بـتحذير مباشر من أي تقاعس أو تهاون بيروقراطي قد يعيق تحقيق هذه الأوراش.

آلية تتبع عليا: من الممكن أن يلمح الخطاب إلى إحداث آلية تتبع خاصة تابعة للمؤسسات العليا للدولة، مهمتها مراقبة فعالية الأداء الحكومي في القطاعات الاجتماعية بشكل مباشر ودوري، بهدف تجاوز ثقل البيروقراطية الوزارية والحرص على نجاعة التنفيذ.

توجيه القضاء لمكافحة الإثراء غير المشروع: سيتم توجيه القضاء، صراحة أو ضمناً، بـتفعيل الآليات القضائية لمكافحة الإثراء غير المشروع واسترداد الأموال المنهوبة. هذا الإجراء ضروري لتهدئة الشارع الغاضب من النماذج الريعية، ويعكس جدية الدولة في تطبيق القانون على الجميع.

المحور الثاني: إصلاح الفضاء السياسي واحتضان “جيل Z “

سيتجاوز الخطاب معالجة القضايا الاجتماعية ليركز على الأزمة السياسية والثقة التي أفرزت هذا الحراك الشبابي، والذي يرى الأحزاب والمؤسسات المنتخبة كمشكلة لا كحل.
تجديد النخب السياسية: توجيه نقد لاذع وغير مباشر لـالنخبة السياسية التقليدية والأحزاب، ودعوة هذه الأخيرة لـفتح أبوابها أمام الشباب الواعي المنظم، وتبني أساليب تواصل جديدة ومباشرة تتناسب مع “جيل Z.”

الحوار المؤسساتي: الترحيب بـ”رسالة وطن” وتصنيفها كـ”تعبير مشروع ووطني”، مع التأكيد على أن مكان الحوار والإصلاح هو داخل المؤسسات الدستورية (البرلمان والحكومة)، لقطع الطريق على أي محاولة لجر الحراك إلى مربع الفوضى أو التخريب.

إعادة تعريف الوظيفة الحكومية: الإشارة بوضوح إلى أن مهمة الحكومة ليست مجرد تنفيذ البرامج، بل الإصغاء الفعال والتفاعل بذكاء مع تطلعات الشباب، والتأكيد على أن شرعية الأداء تفوق شرعية التصويت في ظل هذه الظروف الاستثنائية.

المحور الثالث: الخطاب الملكي كإجراء سياسي حاسم

إن السياق الاستثنائي الذي أفرز حراك “جيلZ” يفترض أن يتجاوز الخطاب الملكي السامي منطق “التوجيه” العام وتقديم الملاحظات الروتينية، ليتخذ طابع “القرار” المباشر والحاسم. هذا التحول يجد جذوره في تقاليد الملكية المغربية وخصوصيتها الفريدة كـمؤسسة تحكيم ومرجعية عليا تربطها بالشعب بيعة تاريخية مباشرة تتجاوز الأطر الحزبية والحكومية.

في هذا الإطار، لا يُنظر إلى الملك كـرأس للسلطة التنفيذية بقدر ما يُنظر إليه كـضامن للعهد الاجتماعي والمنقذ عند تعثر المؤسسات الوسيطة (الحكومة والبرلمان). ولذلك، فإن الخطاب سيكون بمثابة “استدعاء للمسؤولية” موجه للمؤسسات المنتخبة، ويتمتع بقوة كسر حالة الجمود وفقدان الثقة الحادة التي يعاني منها الشارع. وفي سياق التنبؤ بالإجراءات ذات الأثر المباشر، من المرجح أن الخطاب سيتخذ طابع “القرار” أكثر من طابع “التوجيه”، لكسر حالة الجمود وفقدان الثقة.

رفع سقف المساءلة: الخطاب سيكون بمثابة “الفرصة الأخيرة” للحكومة للتعامل بجدية وفعالية مع الأوراش والأجندات المحددة. سيضع الخطاب الحكومة أمام استحقاق زمني محدد لتصحيح المسار، مع التلويح بوضوح بإمكانية اتخاذ الإجراءات الدستورية اللازمة إذا استمر التقاعس (دون الإعلان الفوري عن حل الحكومة).

استراتيجية “الاحتواء الإصلاحي”: الخطاب سيعمل على احتواء غضب الشارع من خلال تأكيد أن الملك هو مع المطالب الشعبية، وأن الأزمة تكمن في تنفيذ السياسات من طرف الأجهزة الحكومية والإدارية، وبذلك يتم سحب فتيل الاحتقان وتوجيه طاقة الاحتجاج نحو المطالبة بالإصلاح المؤسسي بدلاً من المطالبة بإسقاط النظام.

دعوة للحوار الوطني الشامل: دعوة القوى الحية والمؤسسات الفكرية إلى إطلاق حوار وطني شامل حول إدماج الشباب ومستقبلهم الاقتصادي والسياسي، على أن تتولى الأجهزة الملكية العليا (مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو المجلس الأعلى للتربية والتكوين) تأطير هذا الحوار.

خاتمة: الخطاب المنتظر والعهد الجديد للثقة

من المتوقع أن يشكل الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان إعلاناً عن عهد جديد من التزامات التنفيذ والمساءلة، حيث سيتم تحويل الطاقة الاحتجاجية لـ”جيل Z ” إلى قوة اقتراحية تحت مظلة الدستور والمؤسسات. إن الإجراءات والمضامين المرتقبة ستكون موجهة لـإنقاذ العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن الشاب، عبر التأكيد على أن المطالب الأساسية (الصحة والتعليم) هي أولوية ملكية لا تقبل التأجيل أو التهاون الإداري، مما يعيد ثقة الشباب في قدرة الدولة العليا على التجاوب مع “رسالة وطن” بجدية وحزم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *