قبل سبعين عاماً، كانت مدغشقر منفىً للملك محمد الخامس ومحطة اختبرت صبر المغاربة الذين حوّلوا النفي إلى عودة مجيدة وولادة وطن كان على مفترق طرق. هناك حاول الاستعمار طيّ صفحة الملك والشعب معاً، لكن المغاربة أعادوها بمداد الوحدة والمقاومة، فيما عُرفت لاحقاً بـ”ثورة الملك والشعب” التي أنهت نفوذ المستعمر.
اليوم، ومع تجدد المظاهرات في مدغشقر وامتداد صداها، يعود السؤال: هل يعيد التاريخ نفسه؟
فبينما تُستَخدم موجات الغضب لتأجيج الشارع المغربي أو توظيفه خارجياً وتأزيمه، تبدو التجربة التاريخية ماثلة أمام الجميع. الإيجابي لا يأتي خارج الحدود، بل في الداخل، حين اتحد الشعب وملكه واستعادا كرامة الجميع، في تحول لا يزال مضرب المثل في التضحية من الجانبين والوفاء.
في المشهد الراهن، يبدي الملك محمد السادس استجابة واضحة لمطالب الإصلاح، ويؤكد التزامه بردم الفجوة بين مناطق البلاد، فيما يتمسك المتظاهرون بالسلمية والحوار. غير أن «الطابور الخامس» ما يزال حاضراً، يروّج لرواية المستعمر بالأمس، واليوم ينافح ضد مطالب الشعب بذريعة الواقعية والعقلانية أو يدعو للعنف والصراع باسم الضغط.
لكن الرهان المغربي الحقيقي يظل في الثقة المتراكمة بين “المؤسسة الملكية” والشعب، على نحوٍ ينضج معه الحراك والاستجابة الحكومية معاً، وفق مقاربة «رابح–رابح» التي تبناها الملك في ملفات أخرى، حيث لا غالب ولا مغلوب، بل مكاسب متبادلة.
وهي فلسفة باتت اليوم نهجًا عربيًا ممتداً، إذ اتجهت الدول المشارقية إلى استثمار لغة التنمية والاستقرار بدل الميليشيات والعنف، بعدما دفع العالم العربي جميعه ثمنًا باهظًا منذ حرب تحرير الكويت.
أما منطقة المغرب العربي، بأزماتها وتعقيداتها، فهي اليوم أحوج ما تكون إلى إطفاء نيرانها بالتنمية والاستقرار وتكافؤ الفرص، عوض العنف والشقاق، إنما ليس على حساب كرامة الشعوب، بل تكريسًا لحقوقها المضمونة في كل دساتير الأرض والسماء.
تلك هي رياح مدغشقر حين تهبّ من جديد ليست نذير عاصفة كما يرجو بعض راكبي موجة “جيل زد”، بل تذكيراً بأن المغرب، كما نهض بالأمس من المنفى إلى الاستقلال، قادر اليوم أن ينهض من التوتر إلى الإصلاح، إذا ما ظلّ متّحداً في وجه العواصف، مؤمناً بأن طريق الكرامة يُعبّد بالشراكة والتواضع لا بالصدام والفوقية.