انتظارات ووعي كبير ويأس أكبر وخوف على البلاد من أعدائها

تحرك شباب بلادي وحملوا رسائل تهم العدل الاجتماعي، وتحمل أيضًا رغبة في محاربة حقيقية للفساد. تحركوا بوسائلهم في ما يسمى “بالعالم الأزرق”، وبعثوا برسائل لا زالت تنتظر أجوبة حقيقية وذات ثقل إصلاحي عميق، من طرف من يتحملون مسؤولية التدبير والتشريع ومن يحتلون الأحزاب السياسية. أضم صوتي وحيرتي إلى ذلك الصوت الآتي من المستقبل للحفاظ على البلاد. أعرف قبل أن يولد شباب “زيد 212” أن قوى الظلم والظلام والفساد تسيطر على مؤسسات بلادي الغالية. لم يصبح من الصعب التدليل على قوة إفساد الحياة العمومية، وعلى تدبير الشأن المحلي والوطني ببلادنا من طرف من لا علاقة لهم بـ “قول مأثور يقر بأن محبة الأوطان من الإيمان”.
لا أنكر على أحد حبه، بالشكل الخاص به، للوطن. ولكنني أغضب بسخاء وطني وعاطفي حين تصبح السياسة ممارسة للاغتناء. وأتمنى أن يتدخل القضاء باستقلالية دائمة، وأن تتوحد كل السلطات لحماية المملكة المغربية من تسلط البعض على المال العام، وألا نضيع الوقت، وحتى لا أكون كثير من ممتهني السياسة، أود أن أؤكد على عدم ثقتي في هذا الواقع، وفي تتالي النكسات بما يسمى بالمحاسبة السياسية. مللنا من تقليص مفهوم هذه المحاسبة في الفور بالكرسي أو خسارته. وجب التذكير بالمبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذه الأخيرة تعني الوقوف أمام القضاء في المقام الأول.
تتبعت النقل المباشر للخطاب الملكي، وتتبعت التعليق عليه من طرف من نصبوا أنفسهم خبراء، لاستنباط رسائل لا توجد في الخطاب رغم وضوح مضامينه. خاب ظني فيهم. أجمعوا على أن الأمر يتعلق بضرورة تفعيل ثقل المسؤولية السياسية الموكلة للحكومة والبرلمان. كنت أتمنى، كغيري من المواطنين، أن يفهم المسؤولون أن الوقت قد حان لإخضاع أنفسهم للمحاسبة أولًا، وقبل أن يبدؤوا حملتهم الانتخابية للرجوع، دون محاسبة شعبية لانتفاخ ثرواتهم على حساب الشعب.
خرج أحد البرلمانيين مباشرة بعد الخطاب الملكي ليرقص أمام البرلمان، مرددًا “موت أيها العدو… الملك عندو شعبو”. الأمر يتعلق بأحد البرلمانيين الذين وقفوا أمام العدالة قبل شهرين، وبكى لأنه لا يفهم ما ورد في الوثائق التي وقع عليها، واستغل نشاطًا ملكيًا لرفع صوته، مع “مناصريه” الذين أحاطوا به، لتصفية حساباته مع خصومه، والذي صنفهم ضمن أعداء الوطن والملك. وسأله أحد الصحافيين هل سيترك مكانه للشباب، فكان جوابه يوحي بأنه سيقوم بتوريث المنصب لأحد أبنائه، وعلل الأمر بكونه يحظى بشعبية في منطقته. وسأل أحد أصحاب المواقع، ذو الحضور الشعبي، أحد أصدقاءه البرلمانيين بعد عانقه وقبله عن رأيه في الخطاب الملكي، فما كان من هذا الأخير إلا دفع الميكروفون. علق أحدهم أنه كان نائمًا، والأجدر بالقول أنه لم يتمكن من فهم ما قيل تحت قبة البرلمان. وكم هم كثر أولئك الذين يمتلكون مفاتيح استدامة الحضور في البرلمان، وأهمها استغلال النفوذ والمال ونيل الرضا ممن يرسمون الخريطة.
قال الملك إن البلاد تحتاج إلى استثمار عمومي منتج للثروات. وقال أيضًا إن التفاوتات المجالية تغفل المناطق الجبلية والواحات التي تشكل 30% من مساحة المغرب. وصلت رسائل جيل “زيد 212″، والتي ستتواصل أشكال إيصالها لرئيس الدولة أولًا وأخيرًا بطرق مواطَنة، وفي احترام تام للدستور. وسيظل من يخيفون المواطنين بقدرتهم الهائلة على مراكمة الثروات، وعدم الاكتراث بتضارب المصالح، وتغييب المحاسبة، وإضعاف السلطة القضائية عبر تغييب الجمعيات وربط تحرك النيابة العامة بتقارير ثقيلة إيقاع الإصدار، وخالية من تفاصيل الأفعال التي يحاسب عليها القانون. وينتظر الشباب رسالة قوية تحميهم ممن يسيطرون على الشأن العام، وأولئك الذين يضعفون أملهم في إصلاح المؤسسات وتقويم السياسات.
لن يستقيم أمر حكامة الشأن العام ببلادنا دون محاسبة من يستغل سوق اللحوم، وسوق الطاقة البترولية، وكذلك سوق الصفقات العمومية. ثم يستمر في غيه للسيطرة على العملية الانتخابية بكثير من الوسائل التي تحبط رغبة المواطنين، شبابًا كانوا أم كهولا وشيبا، في المشاركة في حماية بلادهم من مفسدين من الداخل، ومن أعداء من الخارج. يحز في نفس المواطن المغربي الحريص على استقرار بلاده استمرار المفسدين وذوي الثروات غير المبررة في الجلوس على مقاعد القرار. يحب المغاربة ملكهم وتاريخ دولتهم، ويريدون أن يتم تفعيل دستور بلادهم لمحاسبة من يستغلون ثروات الوطن لأغراضهم الخاصة. لقد أصبح أمر الإصلاح مستعجلاً أكثر من أي وقت مضى، ولا زال الشباب ينتظر الفعل الذي يصنع التغيير. ينتظر الإشارات التي تضمن المشاركة السياسية المؤدية إلى الشفافية وحماية ثروات البلاد، وصيانة التعامل مع المال العام.
ولا يريد ذو عقل رصين مظاهرات غير سلمية، كما لا يريد خلط حاملي خطاب الإصلاح السلمي بالمجرمين الذين يصعب تحديد مصدر تنظيمهم، كعصابات تسيء لشباب يرفعون شعار السلمية. لقد تطورت سلوكات منحرفة لدى بعض الأحزاب قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. تراكم الثروات يذهب بالعقول، ويضعف التعامل مع الأزمات الاجتماعية من طرف الفاعلين “الحزبيين”. وأتمنى أن يعم السلم بلادي، وأن يتخلى مفسدو الشأن عن أدوارهم التي تهدد الوطن.
تواترت لغة الخشب لدى الكثير من “السياساويين” أن المحاسبة تتم عن طريق المشاركة في الانتخابات، ولم يشيروا إلى المحاسبة القضائية والإدارية عن الأخطاء التدبيرية وعن الاغتناء غير المشروع. تتمنى الأحزاب أن تكون مشاركة الشباب ضعيفة لكي يحصلوا على المقاعد في المؤسسات بقليل من الأصوات، وسيختفي أغلبهم خلال الأزمات الاجتماعية.
ذكرني أحد الأصدقاء أن جيل “زيد” له من يدعمه، أو حتى من ينافسه من جيل “ما بعد الستين” الذي يمتلك التجارب، وفي كثير من الأحيان أساليب النقد العميق بالإضافة إلى سهولة الانخراط في حركات مطلبية. والأخطر في الموضوع أن يتحالف جيل “زيد” مع آبائهم من جيل “ما بعد الستين” الذي يعاني من نفس ما عبر عنه الأحفاد في مجال الصحة وتفاقم الفساد. حل الأزمات بالإرادة وبالمحاسبة وبتغيير المنهج الإصلاحي خير من تركها تتفاقم وتلبس شكل كرات الثلج المتدحرجة…
اترك تعليقاً