مجتمع

“آخر مرة نشوفك هنا”.. مصورون بمراكش يشتكون “تضييقا أمنيا” يعرقل توثيقهم لمعالم المدينة

يشتكي عدد من المصورين الفوتوغرافيين، سواء من زوار مدينة مراكش أو من سكانها، من تدخلات متكررة لعناصر الأمن أثناء تصوير عدساتهم لمباني وأسوار المدينة القديمة، أو حتى أثناء حملهم لكاميراتهم في الفضاءات العامة.

ويؤكد هؤلاء المصورون أن هذه التدخلات تولد لديهم شعورا بالارتباك والقلق، خاصة في ظل غياب توضيحات رسمية تحدد بشكل صريح الحدود القانونية للتصوير في الأماكن العمومية.

رشيد، مصور فوتوغرافي مقيم بمراكش، قال في تصريح لجريدة “العمق المغربي”:”أصبح حمل الكاميرا أشبه بحمل سلاح، نضطر للتصوير في الخفاء. أوقفني رجال الأمن أكثر من مرة، وأحدهم قال لي: “آخر مرة نشوفك هنا”. أنا فنان، وأسعى لتقديم صورة جميلة لمراكش من خلال عدستي، ومن المؤسف أن تتم معاملتي بهذه الطريقة.”

وبحسب ما عاينته الجريدة، يلتقط رشيد صورا لأسوار المدينة العتيقة ومعالمها التاريخية، إضافة إلى لقطات لأشخاص مغاربة وأجانب في أزقة مراكش، مبرزا من خلالها جمال التفاصيل المعمارية وخصوصية الحياة اليومية داخل المدينة. ويحرص على مشاركة هذه الأعمال في صفحته على موقع “أنستغرام”، حيث يتابعها المئات من المهتمين بالتصوير والسياح، الذين يجدون في صوره زاوية مختلفة للتعرف على مراكش خارج القوالب السياحية النمطية.

في السياق ذاته، تقاسم أيمن، مصور يعشق فن تصوير الشارع (Street Photography)، مع الجريدة تجاربه مع التدخلات الأمنية، قائلا: “السؤال الذي يطرح نفسه دائما: ما الفرق بين من يلتقط الصور بالكاميرا ومن يفعل الشيء نفسه بالهاتف؟ لماذا نحن مستهدفون؟ التصوير هوايتي، وكلما حاولت ممارستها للهروب من روتين العمل، أجد نفسي أمام استجواب من الشرطي الذي قد ينتهي بإنذار.”

سارة أيضا، شابة هاوية للتصوير وتقطن بمدينة مراكش، عبرت بدورها عن انزعاجها من هذه الوضعية، وقالت:”أحيانا يكفي أن أخرج بالكاميرا في ساحة جامع الفنا؛ أو قرب الأسوار حتى أتعرض لاستجواب أمني. في البداية كنت أشعر بخوف كبير، والآن صرت أتجنب حمل الكاميرا في بعض الأماكن. أنا لا أصور لأغراض تجارية أو أمنية، بل لأنني أحب توثيق اللحظات، ومن حقي أن أمارس هوايتي بلا قيود”.

وفي توضيح قانوني، قال خليل مرزوق، أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، في تصريح “للعمق المغربي”، إن الأصل في المغرب هو أن التصوير في الشارع أو في الساحات العمومية حق مشروع ولا يقتضي أي ترخيص، سواء تعلّق الأمر بالصور الفوتوغرافية أو مقاطع فيديو قصيرة لتوثيق اللحظة، مادام الغرض منها شخصيا أو فنيا غير تجاري.

غير أن المتحدث أوضح أن هناك استثناءات تستوجب الحصول على تراخيص خاصة، منها تصوير المآثر التاريخية والمعالم الأثرية التي تخضع للقانون 22.80، حيث يلزم الإذن المسبق من وزارة الثقافة، إضافة إلى تصوير الأفلام الوثائقية أو المشاهد السينمائية، حتى لو كان أصحابها أشخاصا عاديين ليست لهم صفة مهنية، إذ يتعين عليهم المرور عبر مساطر ترخيص محددة. كما شدد على أن تصوير المنشآت العسكرية أو الأمنية يظل محظورا بشكل مطلق إلا بترخيص من الجهات المختصة، نظرا لحساسية الموضوع.

وبخصوص الحق في الصورة، أبرز الأستاذ مرزوق أن القانون المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي يعتبر الصورة والصوت من المعطيات المحمية، ما يعني أن نشر صور أشخاص في فضاءات خاصة دون إذنهم يعد خرقا للقانون. أما في الفضاءات العامة، فالأصل هو الإباحة، شريطة ألا يتم استغلال الصور في التشهير أو التنمر أو المساس بكرامة الغير، وفي هذه الحالات يمكن للمتضرر اللجوء إلى القضاء.

وختم تصريحه بالقول إن “العديد من النزاعات المرتبطة بالتصوير تظل خاضعة للسلطة التقديرية للقضاء، الذي يوازن بين الحق في الصورة من جهة، وحرية التعبير والإبداع الفني من جهة أخرى”.

وأجمع المصورون على أن شغفهم بممارسة التصوير كهواية لا يقل أهمية عن احترام القوانين، مؤكدين استعدادهم للالتزام بأي تنظيم قانوني ينظم نشاطهم، شريطة أن يظل حقهم في توثيق المدينة وعدستهم في الشارع العام محفوظا.