وجهة نظر

المجلس الوزاري يتفاعل مع مطالب جيل Z بطريقة مؤسساتية

المجلس الوزاري الذي انعقد يومه الأحد 19 أكتوبر 2025 م، الموافق 26 ربيع الثاني 1447 هـ، برئاسة جلالة الملك محمد السادس خصص للتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية برسم سنة 2026،

ويمكن قراءة المشروع بوصفه تفاعلاً مؤسساتيًا هادئًا مع الدينامية الاحتجاجية التي عبر عنها جيل z ، وذلك بتخصيص المطالب الاجتماعية باعتمادات مالية مهمة وإجراءات تدبيرية مستعجلة.

1. التشغيل والإدماج الاقتصادي:

اعتبار التشغيل في صدارة الأولويات، وتحفيز الاستثمارات الخاصة وتفعيل ميثاق الاستثمار، مع عناية خاصة بالمقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تُعد المصدر الرئيس لخلق فرص الشغل، هذه المقاربة تعكس التفاعل مع مطلب التشغيل الذي رفعته احتجاجات جيل z.

كما يشير البلاغ إلى تقليص آثار الجفاف على التشغيل القروي، ما يؤشر على فهم موسع للعدالة المجالية في توزيع فرص العمل. وهو ما يعني محاولة تحويل مطلب “الحق في الشغل” من شعار احتجاجي إلى سياسة اقتصادية ملموسة.

2. الرفع من ميزانية إصلاح التعليم والصحة

رفع الغلاف المالي المخصص لهذين القطاعين إلى 140 مليار درهم، وإحداث 27 ألف منصب مالي جديد، يمثلان تحوّلًا نوعيًا في سلم أولويات الدولة. كما أن توسيع التعليم الأولي وتحسين جودة التمدرس يعكسان إدراكًا بأن أزمة التعليم هي في جوهرها أزمة مستقبل.

أما في الصحة، فإن بناء مراكز استشفائية جديدة وتأهيل 90 مستشفى يترجمان سعي الدولة نحو عدالة صحية ترابية، بما يعيد الاعتبار للمواطن في الأطراف كما في المراكز الحضرية، وهي إشارات واضحة للتجاوب مع مطالب جيل z.

3. تصحيح اختلالات الحماية الاجتماعية

الاستمرار في تنزيل الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، مع اعتماد التصحيحات الضرورية وذلك بتوسيع التعويض عن فقدان الشغل، ورفع الإعانات الخاصة بالأطفال. وهي رسالة واضحة بأن الدولة تحاول الانتقال من منطق الدعم الظرفي إلى منطق الحماية المستدامة.

4. الحكامة والإصلاح المؤسساتي:

إن إدراج إصلاح القانون التنظيمي للمالية في جدول أعمال المجلس الوزاري يبعث برسالة مهمة في اتجاه حكامة قائمة على النتائج والمساءلة، ومواصلة إعادة هيكلة المؤسسات العمومية. هذا المسار يعبّر عن استيعاب رسمي لجوهر مطالب جيل Z، الذي لا يطالب فقط بفرص الشغل، بل أيضًا بدولة أكثر شفافية وفعالية.

– والخلاصة الأساسية أن الكرة الآن في ملعب الحكومة:

من الواضح أن المؤسسة الملكية نأت بنفسها عن التفاعل المباشر مع مطالب المحتجين الشباب، ولكنها لم تتجاهل مطالبهم وإنما عبرت عن تفاعلها بطريقة مؤسساتية سلسة من خلال مراعاة المطالب المعنية في قانون المالية، وهو ما يرتب مسؤولية المتابعة والتنفيذ على عاتق الحكومة ( مع الأسف لم تعط أي إشارات جدية على تحمل المسؤولية).

ورغم الطابع الطموح لتوجهات مشروع قانون مالية 2026، يظل التحدي الحقيقي في مستوى التنفيذ. فالتاريخ القريب أظهر أن جزءًا من البرامج الاجتماعية والاقتصادية السابقة اصطدم بإكراهات البيروقراطية وضعف التنسيق بين القطاعات، وضعف الحكامة وتضارب المصالح ..كما أن غياب آليات دقيقة لتتبع الأثر الاجتماعي للسياسات قد يحدّ من فاعلية هذا التحول في بنية الميزانية.

إضافة إلى ذلك، يبقى الرهان على القطاع الخاص مرهونًا بمدى استعادته للثقة في مناخ الاستثمار، وتبسيط المساطر الإدارية، وضمان العدالة الضريبية. أما في التعليم والصحة، فإن رفع الميزانيات يظل خطوة أولى تحتاج إلى إصلاحات مؤسساتية ومهنية لضمان الجودة والنجاعة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وليس اعتماد التعيينات الحزبية بدون كفاءة.

إن احتجاجات جيل Z، الذي يعيش بين الشارع والمنصات الرقمية حرك مجموعة من المياه الراكدة وهو مطالب اليوم بالتفاعل الإيجابي مع مخرجات المجلس الوزاري من جهة، ومواصلة اليقظة من جهة أخرى، فقياس صدقية هذا التحول رهين بمدى انعكاسه الملموس على واقع التشغيل، والتعليم، والصحة، لأن الاستجابة الحقيقية لا تكون في النصوص، بل في الأثر الاجتماعي الملموس الذي يعيد الثقة إلى الأجيال الجديدة.