تصوير ومونتاج: فاطمة الزهراء الماضي
احتضن المعهد الوطني للبريد والمواصلات (INPT) بالرباط، أشغال الورشة الدولية حول الذكاء الاصطناعي وكرة القدم، المنظمة ضمن الدورة الخامسة عشرة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية بحضور نخبة من الباحثين والمهندسين والمدربين من المغرب وخارجه، في نقاش علمي حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لرفع جودة الأداء الرياضي وتحسين اتخاذ القرار داخل الفرق.
وشكّلت هذه الورشة مناسبة لتلاقي الخبرات بين الجامعات ومراكز البحث والأندية الرياضية، حيث أجمعت المداخلات على أن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة لا غنى عنها في تطوير كرة القدم الحديثة، سواء على مستوى تحليل المباريات أو اكتشاف المواهب أو تقليص هامش الخطأ في اختيارات المدربين.
وفي هذا الصدد، أكد مدرب المنتخب الأردني، جمال السلامي، أن “هذا اليوم الدراسي في مجال الذكاء الاصطناعي في كرة القدم يُعدّ مبادرة هامة، تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية هذا المجال في كرة القدم الحديثة، وفتح آفاق جديدة للخبرات والكفاءات الوطنية التي يمكن أن تسهم في تطويره”، مبرزا أنه “سبق تنظيم يوم دراسي مشابه العام الماضي، حضره خبراء من إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا، وقد كانت تجربة ثرية ومفيدة”، وفق تعبيره.
وأضاف: “هذه الدورة، يشرفنا حضور خبراء من البرتغال وهولندا وسويسرا، ما يجعل هذا اليوم فرصة مهمة للمتخصصين لتبادل الخبرات، وأيضًا لتوعية الأندية بأهمية توظيف التكنولوجيا والمعطيات الدقيقة في كرة القدم الحديثة، التي أصبحت تعتمد على هذه العناصر بشكل متزايد”.
ويرى السلامي أن “هذه المبادرة تشكل فرصة لإبراز الإمكانيات المغربية وفتح المجال أمام الأشخاص القادرين على تقديم الإضافة في هذا المجال، من خلال توظيف العلم وتطبيقه في الرياضة، وخصوصًا في كرة القدم، ما يعزز من جودة الأداء ويطور العمل الفني والتقني على جميع المستويات”، وفق تعبيره.
الأنظمة الرقمية ودورها في تطوير الكرة المغربية
وشدّد مدير المعهد الوطني للبريد والمواصلات، أحمد طمطاوي، على أهمية هذا الحدث الذي يجمع بين التكوين الأكاديمي والتطبيق الرياضي، مؤكدا أن “الذكاء الاصطناعي اليوم أصبح لغة مشتركة بين العلماء والمدربين، فهو الذي يمكّن من تحويل المعطيات التقنية إلى قرارات ميدانية دقيقة”،
من جهته، قدّم الباحث كريم حسّاني، محلل بيانات بالجامعة الأردنية لكرة القدم، عرضا تمهيديا حول التحولات التي تشهدها كرة القدم بفعل الثورة الرقمية، موضحا أن “الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد وسيلة للمراقبة أو الإحصاء، بل أصبح فاعلاً حقيقياً في صناعة القرار التكتيكي وفي تقييم أداء اللاعبين بشكل علمي وموضوعي”. وأضاف أن المرحلة القادمة ستشهد اندماجاً أكبر بين علوم الحاسوب والتحليل الرياضي، وهو ما يستدعي تكوين أطر قادرة على قراءة البيانات وفهمها في سياقها الرياضي.
وأبرز حسّاني، المختص في علوم البيانات الرياضية، أن الذكاء الاصطناعي غيّر جذريًا طريقة قراءة التمريرات والتحركات فوق الميدان، وقال: اليوم يمكننا عبر الذكاء الاصطناعي تحليل زاوية التمرير، وسرعة اللاعب، واتجاه جسده، ونسبة النجاح في نقل الكرة، مشيرا إلى أن بعض الأندية الأوروبية أصبحت تعتمد على أنظمة تتعقّب تحركات اللاعبين باستخدام أجهزة استشعار دقيقة، لتقديم بيانات آنية للمدرّبين حول الإرهاق، الجهد، والتموضع داخل الملعب، مضيفًا أن “التحليل لم يعد بعد المباراة فقط، بل أثناءها أيضًا”.
أثر الذكاء الاصطناعي على كرة القدم
في السياق ذاته، قدّم الباحث عبد الله الهرموشي مداخلة حول “هندسة المعارف في كرة القدم” من خلال مقاربة تعتمد على تحليل الرسوم البيانية للتموضعات والتمريرات، مشيراً إلى أن “كل لاعب يترك أثرا رقمياً داخل المباراة يمكن استثماره في بناء صورة شاملة عن أسلوب اللعب الجماعي”، موضحا أن الذكاء الاصطناعي قادر على الكشف عن الروابط الخفية بين اللاعبين، ما يساعد على تحسين الانسجام داخل الفريق، وتطوير الأداء الدفاعي والهجومي على حد سواء.
ومن بين أهم ما ركزت عليه الورشة أيضا مفهوم الأهداف المتوقعة “Goals – xG” باعتباره من أهم المؤشرات المعتمدة حالياً في تحليل الأداء الهجومي، على اعتبار أن هذا النموذج “يتيح للمدربين قياس جودة الفرص الحقيقية للتسجيل، وليس فقط عدد التسديدات أو نسبة الاستحواذ”، فضلا على أن هذا النوع من التحليل يساعد على تقييم فعالية الخطط الهجومية وتحديد مكامن الخلل في البناء أو التنفيذ، كما أن “الذكاء الاصطناعي يمكن اليوم من قراءة آلاف اللقطات وتحليلها في دقائق معدودة، وهو ما لم يكن متاحاً قبل سنوات قليلة”.
وتم عرض الباحث تجربة بحثية حول “الاستكشاف الذكي للمواهب عبر المنطق الغامض”، مؤكداً أن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يغيّر جذرياً طريقة اكتشاف اللاعبين الواعدين، من خلال الاعتماد على معايير موضوعية مثل السرعة، والتمركز، وردّ الفعل، واتخاذ القرار في الميدان” وأن هذا النوع من التحليل سيساعد الأندية المغربية مستقبلاً على تقليص التكاليف المرتبطة بعمليات الانتقاء التقليدية، عبر استبدالها بأنظمة ذكية قادرة على تقييم مئات المقاطع في وقت قياسي.
إلى ذلك، دعا عدد من المتدخلين إلى إحداث مختبر وطني مشترك بين الجامعات والأندية لاختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الرياضي، وتكوين أطر مغربية متخصصة في تحليل البيانات الرياضية، إلى جانب تشجيع المشاريع الناشئة في هذا المجال.