أعلنت مجموعة من الشخصيات الحقوقية والقانونية المغربية والعربية عن تأسيس إطار قانوني جديد، يهدف إلى ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام الهيئات القضائية الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك على مستوى القضاء الوطني في عدد من البلدان.
المبادرة التي تم الإعلان عنها أمس الثلاثاء بالرباط خلال ندوة وطنية، اعتُبرت تطورا نوعيا في مسار التضامن القانوني مع فلسطين، وتأكيدًا على أن معركة العدالة لا تقل أهمية عن معركة الميدان، وأن الجرائم ضد الإنسانية يجب ألا تمر دون عقاب، بصرف النظر عن موازين القوى واختلالاتها السياسية.
صوت الشعوب
منذ السابع من أكتوبر، ومع اندلاع ما وُصف بـ”انتفاضة المقاومة الجديدة”، دخلت المنطقة فصلًا جديدًا من فصول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث واجه قطاع غزة أحد أعنف الهجمات العسكرية في تاريخه، خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، إلى جانب دمار هائل في البنية التحتية وموجات نزوح جماعي وأوضاع إنسانية مأساوية.
تزامنًا مع هذا الواقع الميداني، شهدت الساحات الدولية تحركات قانونية متسارعة، تمثلت في تقديم شكايات وعرائض من قبل عدد من الدول والمنظمات الحقوقية، كان أبرزها التحرك الجريء من طرف جمهورية جنوب إفريقيا، التي بادرت إلى تقديم شكوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تتهمها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وهو الملف الذي حظي بتأييد واسع من قبل عشرات الدول ومنظمات المجتمع المدني الدولية.
في السياق نفسه، شهد شهر يناير 2024 تطورا كبيرا، عندما أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي فتح تحقيق رسمي ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي خطوة اعتُبرت تاريخية، رغم الضغوط السياسية التي تمارسها قوى دولية لمنع مسار العدالة.
التحركات القانونية لم تكن جديدة في المغرب، فقد سبق أن تم تقديم شكايات أمام القضاء المغربي منذ سنة 2008، استهدفت مسؤولين إسرائيليين من الصف الأول، من ضمنهم إيهود باراك، وشمعون بيريز، وغيرهم من قادة الاحتلال المتورطين في ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. لكن هذه الملفات ظلت معلقة داخل النيابة العامة، دون تفعيل، وهو ما دفع نشطاء حقوقيين إلى المطالبة مجددًا بإخراج هذه القضايا من الأدراج وتفعيل الآليات القانونية الوطنية والدولية المتاحة.
التوثيق إلى الملاحقة
ومع اتساع رقعة الجرائم الصهيونية، وارتفاع أصوات التضامن الشعبي والحقوقي، أعلن الأستاذ خالد السفياني، المحامي والناشط الحقوقي المعروف، عن تأسيس مجموعة قانونية متخصصة، تضم نخبة من المحامين والخبراء القانونيين من المغرب ومن مختلف دول المنطقة، بهدف متابعة الجرائم الإسرائيلية أمام المحاكم الدولية، وتقديم ملفات موثقة ومتكاملة أمام جهات الادعاء العام الدولي، وأمام القضاء المحلي في الدول التي تسمح قوانينها بمبدأ “الاختصاص العالمي”.
تسعى هذه المبادرة حسب ما أوضح النقيب السابق والناشط الحقوقي عبد الرحيم الجامعي، إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، في مقدمتها توثيق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، وتجميع الأدلة والشهادات والمعطيات القانونية اللازمة لدعم الملفات القضائية، وتفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، من خلال تقديم شكايات أمام المحاكم الوطنية والدولية، والمطالبة بمذكرات توقيف ضد المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب.
كما تستهدف المبادرة، حسب الجامعي، تعزيز التنسيق الإقليمي والدولي بين الهيئات الحقوقية والمنظمات القانونية العاملة من أجل العدالة في فلسطين، لبناء جبهة موحدة ضاغطة، فضلا عن رفع الوعي القانوني والحقوقي في صفوف الرأي العام، وإشراكه في هذه المعركة القانونية طويلة النفس، سواء عبر الترافع أو التوثيق أو الضغط المدني.
عدالة لا تموت
رغم الزخم الشعبي والدولي المتزايد، قال عبد الرحيم الجامعي، إن المبادرة تدرك أن طريق العدالة ليس معبدا، وأنها ستواجه العديد من التحديات، أبرزها الضغوط السياسية الدولية التي تمارسها قوى غربية نافذة للتغطية على جرائم الاحتلال، ومحاولة التأثير على مسارات المحاكم الدولية، والجمود داخل بعض الأنظمة القضائية المحلية، التي قد تتردد في فتح تحقيقات وطنية تحت ذريعة الحساسيات السياسية أو “التوازنات الدبلوماسية”.
كما تحدث الجامعي، صعوبة الوصول إلى الأدلة والشهادات في ظل الحصار المفروض على غزة، والتعتيم الإعلامي، واستهداف الصحفيين والحقوقيين، وضعف الدعم المؤسساتي والتمويل، إذ لا تزال هذه المبادرات تعتمد إلى حد كبير على الجهود التطوعية الفردية أو المبادرات المستقلة.
ويرى الجامعي أن تأسيس هذا الإطار القانوني المغربي العربي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين يشكل خطوة بالغة الأهمية في معركة كسر الصمت، ومواجهة ثقافة الإفلات من العقاب، وفرض احترام القانون الدولي الإنساني.
واعتبر المتحدث ذاته، “قد لا تأتي النتائج سريعا، وقد تكون الطريق طويلة، لكن ما يُراكم اليوم سيشكل ذاكرة قانونية موثقة، وأساسًا لتحرك قانوني شامل، لن تُمحى آثاره مع مرور الزمن”، مشددا على أن ” أن العدالة لا تسقط بالتقادم، وأن ما يُبنى الآن هو جهد استراتيجي يتجاوز اللحظة الراهنة، من أجل مستقبل تُحترم فيه حقوق الشعوب، ويُحاكم فيه الجناة مهما طال الزمن”.