وجهة نظر

حتى لا ينسى “المداويخ” !

في مثل هذه الأيام، انتفض “شعب” الفيسبوك، ومعه عقلاء الأمة وراشدوها (“المْدَاوِيخْ”)، ضد الانتهاك الذي توَلَّت كِبْرَه إحدى القنوات العمومية، حينما نقلت على المباشر الرقصات الأيروتيكية للمدعوة “لوبيز”، التي لم تترك للعري ما يستره !، في تحدٍّ سافر لمشاعر المواطنين والمواطنات المغاربة. فاستمرت الاحتجاجات ردحا من الزمن؛ ساءل خلالها الفيسبوكيون، والمثقفون، والعلماء، والسياسيون، وعموم الشعب المغربي، هذا المهرجان، ومنظميه، ومحتضنيه. وطالبوا، بقوة، بإلغائه، وإلزام مموليه ومحتضنيه، بتحويل مصاريف إقامته لمشاريع النهوض بالتعليم، والصحة، والشغل،… وإحياء الأنفس السادرة في الفقر والحاجة،…هناك في المغرب العميق.

فتفاعل الجميع؛ كبارا وصغارا، سياسيين ومدنيين، علماء ومهتمين، رياضيين وفنانين،…مع مطلب الإلغاء. وازدادت حدة المطالبة بهذا الإلغاء، بعد الخطإ الجسيم الذي ارتكبته القناة التليفزيونية إياها، واشتد الإلحاح على القطع مع هذا “المرفوض” الشعبي.

بيد أنه، في أثناء هذا الخضم المتلاطم، تحرك “الدهاة”، مستغلين طيبوبة “المداويخ”، وحسن نيتهم، وأخذوا يروجون لقرب صدور قرار بمنع هذا المهرجان خلال العام القابل، أو بالاكتفاء، كأضعف الإيمان، بتحويله إلى مهرجان وطني، لتشجيع المنتوج الفني الوطني. فكان لهذه الإشاعات وقع البلسم الذي يقع على الجرح؛ حيث بدأت الأصوات تخفت، والاحتجاجات الفيسبوكية تنحصر إلى مشاركات قليلة ومتفرقة، بل زادت الأماني ترسم صورة لعام بدون”موازين” أو بالأحرى بدون ملايير لوبيز، وتْسِي، وهيفاء، ونانسي،… فانتصر النسيان مرة أخرى، وَوَجَم الصمت والرضا، على الصارخين والصارخات. وانتهت الجوقة، في انتظار تحقق وَعْد/إشاعة الإلغاء.. حتى هَلَّ شهر شعبان الكريم، وهَلَّتْ معه وصلات القناة إياها، تبشر المغاربة بقرب بدء فعاليات المهرجان في نسخته الجديدة، وقرب حلول ضيوف المغرب الكريم من مختلف أصقاع العالم، لمواصلة حلب الملايير؛ كأنْ لا شيء وقع !.

إنه النسيان الذي فعل فينا فعله، وجعلنا نثق في وعود، ونستجيب لادعاءات. فبالأمس القريب، جرب “شعب” الفيسبوك احتجاجه ضد الريع السياسي الذي يتربع عليه المتقاعدون من الوزراء والبرلمانيين، فبحَّ صوته وهو يستنكر هذا الإسهال في إهدار مالٍ عام كان أولى به كادحو وكادحات هذا الشعب؛ حتى انخرط البرلمانيون والوزراء، أنفسهم، في استنكار هذا الفساد، والدعوة للقطع معه( !!). لكن ما لبث داء النسيان أن دبَّ في الصفوف من جديد، وانتهت الجوقة إلى صمت مريب، غطت عليه انتفاضة الأساتذة المتدربين، وحراك النقابات، وحوارها المغشوش مع حكومة لا ينفك رئيسها السابق يُذَكِّر، كل مرة يَهُمُّ فيها بتمرير إحدى قراراته المؤلمة، بـ”حديث السفينة”، ويدعو المغاربة إلى الصبر، والتحمل، والمجالدة، .. حتى لا تغرق السفينة/ الدولة ونغرق جميعا !!.وإن كان نسيانهم المستمر، وتنازلهم السريع عن مطالبهم، هو ما يُبقي لهذه الحكومة أمل الاستمرار، رغم الأخطاء التي ارتكبتها في حقهم، وفي حق معيشهم اليومي.

وهو كذلك النسيان، الذي جعل المغاربة لا يُذَكِّرون الحزب الحاكم بمواقف كان يسجلها أيام المعارضة، حينما كان يحاكم الحكومات السابقة على مسؤوليتها في السماح بوجود مهرجان، اسمه “موازين”، يهدر المال، ويدمر الأخلاق، ويلهي الطلبة عن امتحاناتهم، والشعب عن انتظاراته، والأمة عن قضاياها الحقيقية…قالوا !! .

واليوم يهبُّ الشعب المواطن، الذي سخِر منه ذلك الوزير “غير المواطن”، وزميله “المواطن” الذي خرج يحتج ضد الشعب الذي أعلاه المنصب الوثير، ليرفع سلاح المقاومة الجديد( المقاطعة)، في وجه هذا الهتك الصارخ لعقول المغاربة/ “المداويخ”، والضحك السمج على ذكائهم، ويقول كلمته الفصل، في وجه الفساد والمفسدين: “كلنا مقاطعووون !” .

فهل من معتبر؟.. وهل من مجيب؟ !!..

دمتم على وطن.. !!.