وجهة نظر

التعليم الخاص: شريك للتعليم العمومي أم مستفيد من أزمة المدرسة العمومية

تقديم

يعد قطاع التعليم الخاص مكونا من مكونات (المدرسة المغربية وطرفا في المجهودات الرامية إلى التعميم الشامل والمنصف للتعليم ولا سيما على مستوى التعليم الإلزامي ) – عن الرؤية الإستراتيجية

فهو يضطلع بمهام تربية وتكوين ناشئتنا إلى جانب التعليم العمومي ويساهم في تنويع العرض التربوي الوطني ، كما انه استثمار في خدمة عمومية ، لذا أرغم باحترام مبادئ المرفق العمومي(نفس المرجع السابق).

إن الإقرار بأهمية هذا القطاع في النهوض بالشأن التربوي والتكويني تطلب من السلطات التعليمية مراقبته إداريا وتربويا وماليا وفي نفس الآن تحفيزه لضمان تكوين يستجيب للتحديات التنموية الراهنة.

هكذا عرف المشهد التعليمي ببلادنا وخصوصا في السنوات الأخيرة تناسل مؤسسات التعليم الخاص الأساسي بطوريه والثانوي و العالي بأصنافه وأنواعه مع تعدد أنماطه ونماذجه التربوية. كما أن التمدد الجغرافي لهذا الصنف من المؤسسات اقتصر بشكل خاص على المدن والحواضر والمراكز الكبرى والمتوسطة ، و انه يعرف تفاوتا في ألأسعار وواجبات التسجيل والتامين إلى درجة توحي بأنه قطاع غير خاضع لأدنى مراقبة أو مساءلة وفي المقابل ما يزال موظفو هذا القطاع الخاص وكل العاملين فيه يئنون تحت وطأة الأجور الهزيلة مما يؤثر على استقرارهم المهني و الأسري والاجتماعي ، وبالتالي فان أي تماطل أو تأخير في إصلاحه وتقويمه قد يعيق كل المشاريع التربوية الإستراتيجية وينسف روح التعبئة الوطنية من اجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء .

في كل المؤتمرات واللقاءات والمناظرات والمنتديات الوطنية للإصلاح كانت الدعوة ملحة لإعادة النظر بشكل جدري في بنية ونظام هذا التعليم وطرق اشتغاله و إدارته واليات مراقبته ضمانا لتحقيق مبدأ التوحيد على مستوى التكوين والتعليم ، وتحقيق الإنصاف على مستوى الولوج مع الالتزام بالحفاظ على الهوية المغربية والروح الوطنية . وفي مقابل هذا الالتزام في إرساء مدرسة مغربية قائمة على الإنصاف وتكافؤ الفرص وفرت الدولة تحفيزات هامة حتى ينهض هذا القطاع بمهام التعليم والتكوين ويساهم في استقطاب المتمدرسين في أفق تخفيف الضغط على التعليم العمومي (استقطاب 20% من كتلة المتمدرسين).

هذا التوجه نحو التحفيز وضبط معايير تسييره هو ما ورد في وثيقة الميثاق الوطني والذي اعتبر هذا القطاع التعليمي الخاص شريكا وطرفا رئيسيا يتحمل مسؤولية النهوض بنظام التربية والتكوين ويساهم في تعميمه والرفع من جودته .

فهل أنجز هذا القطاع الخاص الأهداف المسطرة له وبأي كيفية وبأي ثمن ؟ لماذا تعذر عليه بلوغ الأهداف المصرح بها في الميثاق رغم التحفيز الجبائي ؟ وأين دور السلطة التربوية في انجاز تقييم شامل عن الانجازات والإخفاقات التي تعترض تطوير هذا القطاع ؟ لماذا الغموض لا يزال يلف الوضعية الإدارية والمالية لآلاف العاملين في هذا القطاع وبأجور مختلفة ؟؟؟

1- لفهم ما جرى ويجري لابد من شيء من التاريخ .

أ‌- في البدء كان التعليم حرا وكان في خدمة الحركة الوطنية

التعليم الحر – التعليم الخاص – أو الخصوصي ، هذا النوع من التعليم كان جزء لا يتجزأ من تراثنا الوطني التربوي ظهر منذ العشرينيات من القرن الماضي ، وكان في البداية محتضنا من طرف العلماء ورجال الدين والأعيان والقبائل و الزوايا ولكنه في نفس ألان كان نظاما تربويا وتكوينيا مشبعا بالقيم الدينية والأخلاقية والوطنية .

وأول مؤسسة خاصة أنشأت كانت في سنة 1918 استتبعتها مدارس ومعاهد أخرى فاضطرت سلطات الحماية الاستعمارية والوطنية إلى استصدار القوانين والمراسيم والنصوص التنظيمية لمواكبة القطاع وتتبعه ومراقبته منذ 1920 لتتوالى النصوص التنظيمية بعد ذلك 1934 – 1941 – 1959…. وصولا إلى النصوص القانونية الحالية

من خلال هذه الإحالات التاريخية يظهران الحديث عن التعليم الحر أو الخاص يعود بنا إلى مرحلة الحماية ، فالمدرسة بمعناها الحديث لم تبدأ إلا مع دخول الاستعمار الفرنسي وليس قبله وكأنه كان على المغرب أن ينتظر مجيء الزمن الامبريالي مجسدا في الاستعمار الفرنسي ليشهد ميلاد هذا التعليم العصري الذي جلبته الدولة المستعمرة معها لأنها لم تغز البلاد بالآلة والبارود فحسب بل كذلك بالمدرسة.

و كان المشروع التعليمي الفرنسي يسعى لدمج أبناء المغاربة في مؤسسة (التهذيب) الفرنسي غير أن انتفاضة 1930 مع (الظهير المشؤوم ) ستشهد بداية المقاومة التي تستهدف السياسة التعليمية الفرنسية ، فانطلقت المقاومة السياسية للحماية الأجنبية على المستوى الثقافي والتعليمي وذلك بميلاد حركة المقاومة الشعبية ولا عجب أن يقترن تاريخ التعليم الحر بالحركة الوطنية .

وهكذا ستغدو المدن التاريخية الكبرى (البيضاء – الرباط – مراكش –تطوان – فاس – مكناس ) معاقل للحركة الوطنية وأرضا خصبة لانتشار التعليم الحر وذلك بإنشاء مؤسسات تخدم الأهداف الوطنية دون أن تتخلى عن مكتسبات المدرسة الحديثة ومنها المدرسة الفرنسية .
تم بدأت هذه المدارس تزداد وتتعاظم حتى أنها نافست المدارس الفرنسية .

ب‌- من مدارس برأسمال تربوي وطني إلى مدارس برأسمال مادي تجاري

بعد مرحلة المقاومة الثقافية للمشروع الفرنسي انقلبت وظيفة هذه المدارس الخصوصية من خدمة أهداف الحركة الوطنية والرأسمال الرمزي الوطني إلى خدمة الاستثمار والرأسمال المادي الخاص .

إن هذا المشروع التعليمي الذي اكتسب مشروعيته التاريخية من خلال الكفاح الوطني ستكذبه التطورات المستجدة بعد سنوات الاستقلال إذ سيفرغ من طابعه التربوي العام ليحوله البعض إلى قطاع يحكمه منطق الربح والمتاجرة .

هذا الإغراء المادي والتجاري والتحفيز الجبائي جعل هذه المدارس الخاصة تعرف تزايدا مستمرا إلى أن غذت في الوقت الحاضر تنبث مثل الفطريات ، فتراها في كل الدروب والأزقة والأحياء الهشة وغير الهشة غير انه بالنسبة للمسؤولين التربويين والحكوميين راو فيها متنفسا لتخفيف العبء عن الدولة في إدارة وتمويل مؤسسات التعليم الحكومية وأداة لتطويق الأزمة الخانقة التي يعاني منها التعليم العمومي (تعميم التمدرس) .

في نظرنا هناك عوامل أساسية اجتمعت متضافرة في تحديد أسباب التطور الكمي لأعداد هذه المدارس الخاصة ، وتشجيع الحكومات لها ولو بالمغامرة بالآثار الاجتماعية التي قد تصيب فئات من المجتمع ومنها :

 البعد الاقتصادي

نتيجة للأزمات الاقتصادية العالمية لجأت العديد من الدول النامية وحتى المتقدمة منها إلى تحرير التعليم وخصخصته لأجل إفساح المجال للمال الخاص أو الاستثمار المحلي والأجنبي لولوجه وذلك قصد تخفيف العبء عن ميزانية الدولة في إدارة وتمويل مؤسسات التعليم الحكومية.

وكان المغرب من بين تلك الدول التي اختارت هذا المنحى تحت ضغط تداعيات الأزمة الاقتصادية المحلية والعالمية و” توجيهات ” صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ، فبدأت السلطة الحكومية بإتباع سياسة التقويم الهيكلي لتنسحب تدريجيا من احتكار ودعم الكثير من القطاعات التي تعتقد أنها تنهك خزينتها العامة فتفتح أبواب التعليم الأساسي و ألتأهيلي و العالي أمام استثمارات القطاع الخاص في خطوة غير مسبوقة وصادمة للكثير من الفئات الاجتماعية ، فقررت السماح للقطاع الخاص بإنشاء مؤسسات ومدارس ومعاهد وجامعات خاصة ووضعت لها تشريعات ونصوص قانونية لتحفيزها وتشجيعها .

إن انتهاج الدولة لسياسة خصخصة القطاعات الإستراتيجية ومنها التعليم كان بمبرر التخفيف من الضغوط التي تمارسها المصاريف المتجهة لعملية التمدرس على الميزانية العامة للدولة .

 البعد الاجتماعي

يرى مناهضو ظاهرة خصخصة التعليم أنها نتاج للعولمة وهيمنة أفكار السوق ، وإنها تنذر بتفكك اجتماعي وانحلال التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع ليستمر التغير والتبدل في أحوال التربية والتعليم من سيئ إلى أسوا .

ولقد أبدى سياسيون تقدميون وجمعيات لحقوق الإنسان والنقابيون وجمعيات من المجتمع المدني مخاوف من عواقب تزايد هذه المدارس وخصوصا منها تلك المدارس ” النجومية ” في ظل ما وصفوه ب”عدم تكافؤ الفرص بين المدرسة العمومية الغارقة في الاكتظاظ و الاختلالات وبين المؤسسات الخصوصية والجامعات الخاصة المدعومة برؤوس أموال ضخمة ومدى قدرة الوزارة الوصية بل والحكومة على فرض نفس المناهج التعليمية ” ، وطالبوا بالحفاظ على قوة ومصداقية المدرسة العمومية والشهادة والدبلوم الوطني لمنع ظهور اختلالات طبقية اجتماعية بين الميسورين وعامة الشعب . بل يخشى الكثيرون منهم من أن تصبح الجودة والنوعية في التعليم من نصيب من يدفع أكثر في مقابل تزايد مشكلات و اختلالات المدارس العمومية فترغم الأسر إما بالإذعان لما تقدمه المدارس العمومية المثقلة بالمشاكل و الاختلالات آو الانصراف عن متابعة الدراسة أو اللجوء إلى التكوين المهني .

 البعد التربوي

إن المشكل الأكبر الذي يعاني منه النظام التعليمي بالمغرب هو ضعف مردود يته فظاهرة الهذر المدرسي تكاد تكون شاملة حيث بلغ الهذر والتسرب المدرسيين أرقاما مخيفة على جميع المستويات الدراسية من تكرار وفصل وانقطاع .

ولاسترجاع التلاميذ المفصولين من التعليم العمومي فان السلطات تزيد سنة بعد أخرى من تشجيعها للخواص ومنحهم التسهيلات وذلك بالترخيص بمزيد من المؤسسات الخاصة ، وهكذا تمت المراهنة على المؤسسات الخاصة لتلعب دور القناة التي عليها أن تؤمن استرجاع آلاف التلاميذ الذين لفظهم التعليم الرسمي ؟؟؟؟؟

2- التعليم الخاص شريك للتعليم العمومي …لكن بأي ثمن ؟

عرف التعليم بالمؤسسات الخاصة تطورا هاما كما وكيفا ، تجسد في نمو عدد هذه المؤسسات التي تضم أشكالا ونماذج مختلفة من التعليم غير العمومي مثل مؤسسات البعثات الأجنبية – المؤسسات الجمعوية – الكتاتيب والمدارس العتيقة – مؤسسات التعليم الخاص – مراكز تعليم اللغات … وكل هذه الأنواع تدخل ضمن ما يسمى بالتعليم الخاص أو ألخصوصي ، لكن ما يعنينا هنا هي تلك المؤسسات التعليمية المنضوية تحت إطار التعليم الخاص التابعة لوصاية ومراقبة السلطة التربوية الوطنية ولقد جاءت دعامة الميثاق الوطني لتؤكد على اعتباره (شريكا وطرفا رئيسيا إلى جانب الدولة في النهوض بنظام التربية والتكوين وتوسيع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته ) المادة 163

ولتشجيع هذا القطاع الخاص حتى يقوم بدوره كاملا ، قدم الميثاق الوطني تحفيزات عديدة منها تمكينه من نظام جبائي مشجع ،و إعفائه من الضرائب أو منحه منحا مالية لدعم المؤسسات ذات الاستحقاق وتكوين أطره ومسيريه .

لتحقيق كل الأهداف الإصلاحية التي حددها الميثاق والمتمثلة أساسا في تعميم التمدرس وتحسين جودة التعلمات والخدمات التربوية دعت وثيقة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030 التي صدرت عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى النهوض بالتعليم الخاص في تكامل وتعاون مع التعليم العمومي ،وافرد رافعة من رافعاته (الرافعة الثامنة) للحديث عن التعليم الخاص ودوره كشريك للتعليم العمومي في التعميم وتحقيق الإنصاف .

(يعد قطاع التعليم الخاص مكونا من مكونات المدرسة المغربية وطرفا في المجهودات الرامية إلى التعميم الشامل والمنصف للتعليم ولا سيما على مستوى التعليم الإلزامي وكذا تنويع العرض التربوي الوطني وتجويده وتشجيع التفوق مع مراعاة مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص .)
ثم جاء مشروع قانون الإطار رقم 17/51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين لاستكمال إصلاح منظومة التربية والتكوين استنادا إلى توصية الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030 و تعتمد إلى حد كبير على مساهمة باقي الأطراف وخصوصا القطاع الخاص في التعبئة المجتمعية الشاملة لتطبيق إصلاح المنظومة التربوية وإرساء مدرسة جديدة تحقق الإنصاف وتكافؤ الفرص في التعليم العمومي والتعليم الخصوصي ، يقول نص مشروع الإطار :

(تعمل الدولة من اجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في هذا القانون الإطار على وضع إطار تعاقدي استراتيجي شامل يحدد مساهمة القطاع الخاص في تطوير منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والرفع من مرد وديتها وتمويلها وتحسين جودتها وتنويع العرض التربوي والتعليمي والتكويني مع مراعاة مبادئ التوازن ألمجالي على الصعيد الترابي وأولوية المناطق ذات الخصاص في البنيات المدرسية .) المادة 44 من قانون الإطار.

وفي المواد الأخرى من نفس قانون الإطار كالمواد :(6-7-13-14-20-22-44) فهي كلها تحفز القطاع وتشجعه لينهض بدوره في تحقيق أهداف المنظومة المشار إليها في المادة 3 من قانون الإطار و الوفاء بالتزاماته و التقيد بمبادئ المرفق العمومي .

3- الاختلالات والصعوبات تخترق التعليم الخاص وهو موضوع مساءلة ….

بجانب التحفيز والتشجيع والمزايا الضريبية التي وفرتها الدولة لصالح التعليم الخاص من خلال استصدار جملة من النصوص القانونية من بينها قانون 86-15 بمثابة النظام الأساسي للتعليم الخاص ، الذي كان الهدف منه هو تنظيم التعليم بهذا النوع من المؤسسات ، وضبط معاييره وتشجيعه لتوسيع قاعدته والرفع من مستواه وتحفيز هذا القطاع للإقبال على الاستثمار فيه . وإذا كان هذا القانون وغيره من القوانين المشابهة يجمع بين مراقبة ومواكبة القطاع وتحفيزه إلا أن هناك بالمقابل اختلالات ونقائص وإشكالات على مستويات مختلفة بل إن تطبيق هذه القوانين في إطار التطور الكمي والنوعي الذي عرفه هذا القطاع افرز عدة مشاكل وصعوبات وعوائق حالت دون ارتقائه وتحقيق الغاية المنشودة منه، وبإيجاز يمكن عرض هذه الصعوبات والمشاكل في:

• وجود العديد من المؤسسات التعليمية الخاصة لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط البناء والتجهيز اللازمة للتربية والتعليم ،إضافة إلى انه لا يتم ضبط وتحديد معايير الجودة في الفضاءات والتجهيزات بهذه المؤسسات ،وان كان بعضها يغالي في التزيين و” الزليج البلدي ” لفرض رسوم تسجيل جد مرتفعة لهذا جاءت الوثيقة الإستراتيجية للإصلاح في المادة 40 تدعو إلى (مراجعة القوانين المنظمة للتعليم الخاص و ملاءمتها .. وتوحيد المعايير وتوضيح المهام…) .

• العقلية التجارية التي تريد أن تهيمن على حساب المرد ودية التربوية .فالسلطة التربوية لا تتدخل في تحديد الأثمنة ولا في واجبات التسجيل اعتقادا منها أن الأثمنة وواجبات التسجيل تدخل في باب الخدمات وهذا ما يجعل تقييمها صعبا مما فسح المجال أمام المضاربات وحرية السوق ، وهيمنة عقلية الباطرونا ، ولوضع حد لهذا التسيب في حرية المضاربات بين المؤسسات ذات “النجوم الخمسة ” والمؤسسات “غير المصنفة ” دعت وثيقة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح في المادة 39 إلى (إلزام مؤسسات التعليم الخاصة مقابل تشجيعات ومزايا توفرها الدولة ، بتطبيق رسوم التسجيل والدراسة والتامين تحدد باتفاق مع سلطات التربية والتكوين )

• الضعف والقصور الذي يميز دور المصالح الخارجية للوزارة بأكاديمياتها ومديرياتها الإقليمية ومفتشياتها في مراقبة المؤسسات التعليمية الخاصة والعجز في إلزامها بالتقيد بالشروط والمواصفات التربوية وبالبرامج الوطنية لا سيما بعد محاولات اختراق النظام التعليمي المغربي بواسطة مدارس البعثات الأجنبية ، واستنساخ بعض المؤسسات التعليمية الخاصة المغربية هذا النوع من التعليم الأجنبي قصد فرضه على أبناء بعض الفئات المغربية .

انه لوحظ في ما يتعلق بالجانب التربوي أن وتيرة المراقبة الإدارية للسلطة التربوية كان غير كاف وغير فاعل حيث عدم احترام المؤسسات الخاصة للبرامج والمقررات الدراسية الرسمية ولجوء بعضها إلى البرامج والمقررات الدراسية الأجنبية واستعمال اللغات الأجنبية في تدريس المواد العلمية والتقنية و دون استشارة الوزارة مما يشكل خطرا على هويتنا الوطنية والدينية ومحاولة لاختراق ثقافتنا الوطنية .

وعن المراقبة الإدارية أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة تحت رقم 141 بتاريخ 29 اكتوبر 1997 تعيد بمقتضاها هيكلة لجان المراقبة الإدارية على صعيد النيابة من خلال تحديد مكوناتها ومهامها ووظيفتها وطبيعة تقاريرها ، وتنحصر مهام اللجان في مراقبة كافة المجالات المتعلقة بالتسيير الإداري للمؤسسات التعليمية الخاصة من خلال القيام بمراقبة مدى استجابة البناية للمواصفات المطلوبة ،والتأكد من مطابقة التسمية لنوع التعليم الملقن المرخص به ، ومراقبة سجلات وملفات التلاميذ وهيئة التدريس وملفات كافة المستخدمين بما في ذلك ملف المدير ومراقبة المكاتب الإدارية والمرافق الصحية والتجهيزات والوسائل التعليمية ومراقبة القسم الداخلي والنصف الداخلي ثم التأكد من توفر المؤسسة على عقد تامين جميع التلاميذ وتوفرها على قانون داخلي .

• وضعية المستخدمين في القطاع : هزالة الأجور وغياب التغطية الصحية والضمان

يعتبر التعليم الخاص ملاذا لعدد كبير من الشباب حاملي الشهادات العليا الذين أغلقت وسدت أمامهم منافذ الشغل في قطاع الوظيفة العمومية ، كما أن القوانين التي سنها لهم المشرع لحماية حقوقهم المادية والمعنوية لا يلتزم بها البعض من ذوي العقلية “الباطرونية”
فالنصوص القانونية التي سنها المشرع المغربي والتي تكفل حقوق الشغيلة التعليمية وغير التعليمية ، سواء تعلق الأمر بقانون الشغل أو بالمذكرات الصادرة عن وزارة التربية الوطنية حيث العاملين في القطاع الخاص يعانون من مشاكل متعددة ولا حصر لها من هزالة الأجور إلى غياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي كما يتحايل البعض منهم على تمرير عقود عمل لا تحترم شروط العمل والعامل في غياب مراقبة الدولة وحمايتها لهذه الفئات من ذلك :

– الاشتغال بنظام “الكرجة ” أو ” الجملة ” حيث يتم تحديد مبلغ الأجرة مسبقا مقابل العمل طوال أيام الأسبوع ، و الأستاذ العامل يكون رهن إشارة مشغله في الفصل الدراسي وفي الإدارة .

– الاشتغال بنظام “تعطشت ” أو “التقسيط ” بالساعات بعد تحديد ثمن الساعة ، وهذا النظام غالبا ما تثار فيه بعض الإشكالات فان تأخر الأستاذ مثلا بعذر أو بدون عذر يتم إخراج التلاميذ ولا يحتسب له ذلك في عدد الساعات المؤدى عنها ، وخلال اقتراب العطل المدرسية أو أثناء الاستعداد والتهيؤ للامتحانات الاشهادية غالبا ما يتم تسريح التلاميذ ومعها تسريح ساعات العمل مجانا .

– المستخدمون والعاملات في الإدارة اوفي النقل فان أعمالهم لا حصر لها تبدأ من التسجيل إلى استخلاص واجبات التامين والتسجيل و التمدرس والحراسة إلى انجاز الشواهد و التقارير إلى استقبال الآباء إلى البريد إلى النيابة ….

– واستثناء هناك بعض المؤسسات التعليمية الخاصة رائدة في احترام حقوق مستخدميها من حيث الأجور العادلة والتغطية الصحية والضمان الاجتماعي ،بل إنها تفوق من حيث التحفيزات المادية ما هو موجود في التعليم العمومي ، ولكنها محدودة ومعدودة العدد وهي التي يجب التنويه بخدماتها وسط غابة من الاختلالات والخروقات التي تسود القطاع .

في هذا الصدد نحيل إلى المذكرة رقم 111 الصادرة عن مديرية التعاون والارتقاء بالتعليم الخصوصي بوزارة التربية الوطنية بتاريخ 23 دجنبر 1999 أثارت وضعية المستخدمين في هذا القطاع من خلال التشغيل المباشر الذي تلجا إليه مؤسسات التعليم الخصوصي دون مراعاة التكوين الواجب توفره أو الوضعية المادية والمعنوية التي ينبغي أن يتمتع بها العاملون بحقل التربية والتعليم . ويترتب عن هذا الوضع عدم استقرار العاملين بمناصبهم و هزالة الأجور الممنوحة إلى جانب عدم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مما يؤثر سلبا على المر دودية التربوية داخل مؤسسات التعليم الخصوصي.

كيف الخروج إذن من هذه الاختلالات والإشكالات ؟ وما هي توصيات قانون الإطار 17/51 لتحفيز التعليم الخاص ومراقبته ؟

لأجل تنظيم هذا القطاع ومراقبته وتحفيزه جاء مشروع قانون الإطار رقم 17 / 51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فدعا إلى الإسهام بتطوير قطاع التعليم الخاص لتحقيق أهداف المنظومة التربوية (المادة 14) ،ومن بين التدابير التي اقترحها هذا القانون الإطار :

– مراجعة نظام الترخيص والاعتماد والاعتراف بالشهادات ومنظومة المراقبة المستمرة والتقييم المطبقة على المؤسسات من اجل ضمان تقيدها بالدلائل المرجعية لمعايير الجودة (المادة 54)

– وضع نظام تحفيزي لتمكين هذه المؤسسات من المساهمة في مجهود تعميم التعليم الإلزامي وتحقيق أهداف التربية غير النظامية ولا سيما بالمجال القروي .

– تحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتامين والخدمات ذات الصلة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين الخاصة وفق معايير تحدد بنص تنظيمي ؟؟؟؟

نقطة نظام ومسك الختام ، التعليم هو حق من حقوق الإنسان :

إن اغلب الدول و الحكومات هي المساهم الرئيسي في تمويل التعليم العام مع الإشراف الفعلي على التكوين والتأهيل لذا فإن هذه الحكومات ترفع سنويا من نسبة النفقات العمومية على القطاع التعليمي لوجود صلة قوية بين الرأسمال البشري والتنمية الاقتصادية :

ففي كندا يشكل التمويل الحكومي للتعليم العام ما يفوق الثلثين (75%) وفي الولايات المتحدة واستراليا واليابان نفس الرقم ونفس التغطية أما في البرتغال والسويد والنمسا فيتجاوز التمويل والنفقات الحكومية على التعليم العام (90%) وهذه الإحصائيات تبين أن التمويل الحكومي يشكل النسبة الأكبر لتمويل التعليم العام في اغلب دول العالم.

وهذا الالتزام الحكومي هو حق من حقوق الإنسان ، فالتعليق العام رقم 13 للجنة المعنية بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعتبر أن ( الدول هي التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن التقديم المباشر في معظم الظروف )

إن الدولة هي المسؤولة عن ضمان الحق في التعليم ، و ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان أن على الدول تنظيم ومراقبة مؤسسات التعليم الخاص ، ويجب أن تضمن أن يلبي مزودي التعليم الخاص الحد الأدنى من المعايير التي نصت عليها الدولة وان تضمن آن الحريات التعليمية لا تؤدي إلى تفاوتات شديدة في فرص التعليم بالنسبة لبعض فئات المجتمع (المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية – الفقرة 30)

إن خصخصة التعليم قد يكون وسيلة لتخفيف العبء المالي عن الدولة ووسيلة لملء الثغرات في توفير التعليم لكنه يثير المخاوف بشان الآثار السلبية على التمتع بالحق في التعليم ولاسيما ما يتعلق بسهولة الحصول على التعليم المجاني ،والمساواة في الفرص التعليمية وجودة التعليم .

ونختم بما جاء في عرض وزير التعليم الثانوي والتقني السابق عبد الله ساعف حول مشروع قانون رقم 00-06 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي والذي طالب بجعل القطاع الخاص شريكا رئيسيا للدولة في توسيع وتحسين جودة نظامنا التعليمي
فهل كان التعليم الخاص شريكا للتعليم العمومي أم مستفيدا من أزمة المدرسة العمومية ؟؟؟

* مدير ثانوية – الدشيرة الجهادية