وجهة نظر

جسور الأمل: العمل التطوعي بين الحاجة والإرادة

تتوزع خطوات المتطوعين بين أزقة المدن وأطراف القرى، يحملون على أكتافهم أحلامًا صغيرة تتحول إلى مبادرات مؤثرة: من يسعف مريضًا، ومن يفتح فصلاً لمحو الأمية، ومن يغرس شجرة، ومن يطرق أبواب المؤسسات بحثًا عن دعم. هذه الصور المتناثرة يجمعها خيط واحد: توق الإنسان إلى كرامة العيش ورغبة جماعية في عدالة أوفى.

الإطار القانوني

العمل التطوعي ليس فعلًا عفويًا بالكامل، بل تحكمه نصوص واضحة أبرزها الظهير الشريف لسنة 1958 المنظم لحق تأسيس الجمعيات. هذا الإطار يتيح لأي خمسة أشخاص تأسيس جمعية قانونية، فيما تضبط القوانين طرق الحصول على الدعم العمومي عبر مشاريع مدروسة تخضع للتقييم. الأمر يفتح المجال أمام الشباب والنساء لتقديم مبادرات قادرة على إحداث تغيير ملموس، شرط أن تواكبها تأطيرات حقيقية.

الفاعلون والمجالات

تشير الأرقام إلى أن الرجال يشكلون قرابة 69% من المتطوعين، بينما حضور النساء يظل محدودًا رغم أهميته. الشباب بين 25 و35 عامًا يمثلون أكثر من نصف الفاعلين، أغلبهم من حملة الشهادات الجامعية. وتتنوع ميادين الاشتغال بين الاجتماعي (محو الأمية، دعم التمدرس)، والاقتصادي (مشاريع مدرة للدخل)، والبيئي (حملات نظافة وغرس)، والثقافي (حفظ التراث وتنشيط محلي)، والصحي (قوافل طبية).

في القرى، الأولوية للحاجات الاجتماعية والصحية، بينما يبرز الطابع البيئي والثقافي في المدن.

التمويل والعقبات

يعتمد العمل التطوعي بشكل كبير على التمويل العمومي: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والجماعات الترابية بنسبة 27% لكل منهما، والتعاون الوطني بنسبة 23%. هذا الارتباط يجعل العديد من المشاريع رهينة الاستمرارية المالية، إذ تنطفئ بانقطاع المنح. إلى جانب ذلك، تواجه الجمعيات قلة التكوين، واحتكار القرار، وضعف الشراكات الاقتصادية.

قصص من الميدان

• عائشة: أطلقت مشروع خزان ماء في دوار ريفي، لكنه توقف لغياب خطة صيانة.

• مبارك: شاب أسس ناديًا بيئيًا بسيطًا، فغير سلوك التلاميذ تجاه النظافة.

• الحاج عبد السلام: فلاح ستيني تعلم ملء الاستمارات بنفسه، وتحول إلى مرجع محلي في متابعة ملفات البنية التحتية.

هذه النماذج تكشف أن أثر العمل التطوعي لا يقاس فقط بما يُنجز، بل بما يزرعه من وعي وقدرة على الاستمرارية.

الشباب والنساء في وضعية صعبة

رغم حضور الشباب في الواجهة، فإن الكثير منهم يحتاج إلى مواكبة وتكوين يؤهلهم لقيادة مشاريع مستدامة. أما النساء في وضعيات هشّة، فإشراكهن يظل تحديًا أساسيًا. فالتطوع لا يكتمل من دون فضاءات آمنة لهن، ودعم يضمن لهن الانتقال من موقع التلقي إلى موقع الفعل والمبادرة.

الطريق إلى الأمام

لجعل العمل التطوعي قوة حقيقية للتنمية، تبرز أربع أولويات:

• حكامة شفافة ومساءلة منتظمة.

• تكوين مستمر في التسيير والتمويل.

• تنويع مصادر الدعم عبر شراكات خاصة ومحلية.

• إشراك فعلي للشباب والنساء في وضعيات صعبة كشركاء في اتخاذ القرار.

العمل التطوعي ليس مجرد مبادرة عابرة، بل رافعة للتنمية ومرآة لروح المبادرة الجماعية. ومع أن القوانين متاحة والبرامج قائمة، فإن النجاح مرهون بالقدرة على الابتكار والشفافية والاستمرارية. والسؤال المطروح: هل يحوّل الشباب حماسهم إلى مؤسسات راسخة؟ وهل تجد النساء في وضعيات صعبة مكانهن الطبيعي كفاعلات أساسيات؟ وهل تنجح القرى والحواضر معًا في بناء جسور أمل تصنع تنمية عادلة ومستدامة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *