وجهة نظر

الكركرات: للصبر حدود..

في ظل الاستفزازات المتكررة لمرتزقة البوليساريو، وأمام تماديها في عرقلة حركية مرور الأشخاص والبضائع عبر المحور الطرقي العابر للمنطقة العازلة للكركرات الرابط بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأمام سعيها المتهور الفاقد للبوصلة إلى فرض سياسة الأمر بالمنطقة العازلة، وبعد أن التزم بأكبر قدر ممكن من ضبط النفــس، لم يكن أمام المغرب من خيار، سوى تحمل مسؤولياته الكاملة “من أجل وضع حد لحالة العرقلة الناجمة عن تحركات وتصرفات مليشيات البوليساريو في المنطقة، وإعادة إرساء حرية التنقل المدني والتجاري” كما ورد في البلاغ الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، فتدخل الجيش المغربي في عملية لم تكن لها “نوايا عدوانية تمت وفق قواعد التزام واضحة، تقوم على تجنب أي احتكاك مع أشخاص مدنيين وعدم اللجوء إلى استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي” كما ورد في البلاغ الصادر عن القوات المسلحة الملكية، مكنت من إجلاء قطاع الطرق من مرتزقة الدل والعار عن المنطقة، ووضع حزام أمني لتأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة للكركرات.

التدخل المسؤول والرصين للجيش المغربي، لم يمكن فقط من إجـلاء قطاع الطرق من عصابة البوليساريو عن المنطقة أو إعادة الأمن والاستقرار للمحور الطرقي الرابط بين المغرب وموريتانيا وضمان انسيابية حركية المبادلات التجارية بين المغرب وعمقه الافريقي، بل هو رسالة متعددة الزوايا، أولا إلى جبهـة الدل والعار ومن يقف وراءها ويتحكم في حركاتها وسكناتها، في أن قضية الصحراء هي قضية المغرب الأولى، وأن الجيش المغربي قادر على التدخل والردع عندما تستدعي الظروف ذلك، وقادر على وضـع مرتزقة العار عند حجمها الطبيعي، ورسالة إلى المحيط العربي والإفريقي في أن ” المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”، ورسالة إلى المنتظم الدولي، مفادها أن المغرب يلتــزم بالتعاون مع مجلس الأمن الدولي في سبيل التوصل إلى حل نهائي على أساس الحكم الذاتي، لكنه في ذات الآن لا يقبل الانصياع وراء الاستفزازات والتحرشات التي من شأنها المساس بوحدته الترابيـة أو بأمنه القومي أو عرقلة مصالحه الاقتصادية التي تربطه بعدد من البلدان الإفريقية الصديقة، ورسالة إلى مختلف الشركاء، مضمونها أن المغرب له السيادة الكاملة على كافة ترابه، وله من الإمكانيات والقدرات ما يجعله يحمي مصالحه القومية والاستراتيجية ومصالح شركائـه الأفارقة والأوربيين والعرب …

ما أقدمت عليه المرتزقة في المنطقة العازلة، من تخريب للبنيات الطرقية وعرقلة لحركية مرور الأشخاص والبضائع، هي تصرفات تدخل في خانة قطاع الطرق والمجرمين الخارجين عن سلطة القانون، ومن تحركات يائسـة لإثارة الانتباه بمحاولة فرض حالة من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار في منطقة تعد شرايين الحياة التجارية بين المغرب وعمقه الإفريقي، كلها تحركات وتصرفات تائهة فاقدة للبوصلة، تعكــس ما وصلت إليه جبهة العار من يأس وإفلاس، في ظل الإجماع الإفريقي والعربي والدولي على مقترح الحكم الذاتي كحل واقعـي ذي مصداقية، يمثل سقف ما يمكن أن يقدمه المغرب بخصوص قضية الصحراء المغربية، واتساع دائرة الدول التي سحبت اعترافها بالكيان الوهمي، وما تحقق في الجهات الصحراوية من تنمية متعددة الزوايا منذ المسيرة الخضراء وما تعيشه ساكنتها من أمن واستقرار وازدهار، بشكل أهلها ويؤهلها لتلعب دور همزة الوصل بين المغرب وعمقه الافريقي، ومحورا “جيواستراتيجي” لمد جسور التنمية بين المغرب وإفريقيا، وفي سياق إقبال عدد من البلدان الإفريقية والعربية على إقامة قنصليات عامة لها بمدينتي العيون والداخلة، وحجم الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية التي أقامها المغرب مع عدد من الشركاء والتي شملت كافة التراب الوطني بما فيه جهات الصحراء المغربية، وهي مكاسب ما كان لها أن تتحقق لولا وجود دبلوماسية مغربية رصينة تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، وسعت من دائرة الاجماع الدولي حول مشروعية الحكم الذاتي كخيار وحيد و أوحد لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وحركت الضمير الدولي الذي بات مقتنعا منذ أكثر من أي وقت مضى بعدالة القضية الوطنية وبأحقية المغرب في السيادة الكاملة على أراضيه والدود عن وحدته الترابيــة، وهو ما يفسر موقف الكثير من الدول التي أيدت تدخل الجيــش المغربي في الكركرات لفرض الأمن والنظام بالمنطقة وضمان حرية مرور الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا.

تدخل الجيش المغربي أعاد الأمن والنظام والاستقرار لمعبر “جيواستراتجي” يعد شريان الحياة التجارية بين المغرب وموريتانيا وعمقه الإفريقي، بعد إجلاء قطاع الطرق الذين لم يجدوا خيارا سـوى العودة بجبن إلى الجحور، ونرى أن زمن الصبر نفذ وساعة ضبط النفــس لابد وأن تتوقف عقاربها، لإعادة تشكيل استراتيجية جديدة مبنية على الحزم والتدخل الفوري والتصدي الآني لأي تحركات مشبوهة في المنطقة العازلة أو أية ممارسات إجرامية صادرة عن المليشيات اليائسة، رامية مرة أخــرى إلى عرقلة حركية مرور السلع والأشخاص بين المغرب وموريتانيا، أو أية تحرشات محتملة من شأنها المساس بالوحدة الترابية للمملكة، مع الحرص على الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة بقضية الصحراء المغربية ومواصلة المساعي الدبلوماسية والسلمية من أجل التوصل إلى حل نهائي حول هذا الصراع المفتعل في إطار خيار “الحكم الذاتي”، والرهان في ذات الآن على “التنمية” لتطوير جهات الصحراء في إطار “النموذج التنموي” والرفع من قدراتها الاقتصادية والتنموية، لتكون واجهة المغرب الأطلسية نحو إفريقيا والعالم، أما على المستوى الداخلي، فلا بديل سوى تعبئـة الجبهة الداخلية والتصدي لما قد يصدر عن الجبهة اليائسة وصناعها من مناورات بئيسـة ليس لها “أس” ولا “أساس” أو لنقل “حالها بات كحال الطيور التي تغرد خارج الســرب” لا أحد يهتم بوجودها ولا بتغريداتها.

ونختم بتوجيه الرسالة مجددا لكل مغرر به أو شارد أو تائه أو واهم داخل مخيمات الدل والعار: تأملوا ولو لحظة في حياة المخيمات وماذا قدمت لكم صنيعتكم طيلة أربعة عقود، وتأملوا في ذات الآن بين ما تحقق لإخوانكم وأبناء عمومتكم وأخوالكم في الصحراء، يؤسفنا أن نخبركم أنكم لم تجنوا سـوى الدل والعار والقهر والجبن، وأمامكم مسلكا وحيدا وأوحدا : إما الإصرار على حياة البـــؤس داخل مخيمات تضعكم خارج الزمن، أو التنازل عن أوهامكم والعودة إلى أحضـان الوطن، إذا اخترتم طريق الوطن، فالوطن كان ولا يزال “غفور رحيم” واليد ممدودة لكم لتنعموا بما يقدم لكم الوطن من أمن وخير وتنميـة وطمأنينة وكرامة وحيــاة .. إذا اخترتم الدل أو العار أو تماديتم في أوهامكم البئيسـة إرضاء لمن يتحكم فيكم عن بعد، فللمغرب تاريخ مشرق وحضارة ضاربة في القدم، وهو أكبـر من تنال منه تحركات جبانة أو تحرشات مفلسـة .. يؤسفنا أن نخبركم أنكم “جبناء جدا” لأن من يترك “الكرامة” ويجري وراء “البؤس” و”الانحطاط” أو يترك “حضن الوطن” ويرتمي في أحضان “القهر” .. جبان .. جبان جدا …

ولن نترك الفرصة تمر، دون التنويه بأفراد القوات المسلحة الملكية المرابطة في الحدود وخاصة في الصحراء، دفاعا عن الوطن ووحدته الترابيـة، وهـــؤلاء يستحقون منا التحية والتقدير والاحترام، والدعم والالتفاتة المادية والمعنوية، لأنهم جنــود الوطن وحماته وعيونه التي لا تنــام ..