فرضت جائحة كورونا صيغا جديدة في التواصل الانتخابي، بالنظر إلى الإجراءات الصحية المفروضة لمنع تفشي فيروس كورونا. وإذا كانت الأحزاب السياسية خلال فترات الحملات الانتخابية السابقة وقبل جائحة كورونا تعتمد على التواصل المادي المباشر، بشكل أكبر، عبر التجمعات الجماهيرية والجولات الميدانية وتوزيع المنشورات، فإنها في هذه الظرفية أصبحت مطوقة بتقليص هذه الآليات واعتماد آليات أخرى ترتكز على التواصل عن بعد أكثر من التواصل المادي المباشر. وقبل بداية الحملة الانتخابية، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات تضمنت جملة من الإجراءات الواجب الانضباط لها في القيام بالحملة الانتخابية لاستحقاقات 8 شتنبر.
فهل ستربح الأحزاب رهان التواصل الانتخابي في ظل هذه الوضعية؟ وهل يعوض التواصل الرقمي التواصل الكلاسيكي؟ وكيف يمكن تبرير نفقات الحملة الرقمية ومدى احترام الشفافية في هذا الجانب؟
الحملة الانتخابية ورهان التواصل الرقمي
قال رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، إن الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي توجه عام بدأ ما قبل كورونا، وأحزاب سياسية تتواجد منذ فترة على هذه المواقع بهدف الوصول إلى فئات مهمة من الشباب تنشط على هذه الوسائط وخاصة الفئة العمرية من بين 18 إلى 24 سنة.
وأضاف أن أزمة كورونا، أكدت هذا التوجه سوء في استهداف الشباب أو باقي فئات المواطنين، مشيرا إلى أن الرسالة التواصلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس نفس الرسالة عبر التواصل الكلاسيكي.
وأوضح الشفدي، في تصريح لـ “العمق”، أنه مع هذه التغييرات ستكون الوسائط الرقمية مرجحة للأحزاب السياسية التي ستوظف تواجدها الرقمي على هذه الوسائط بشكل جيد، لاسيما أن هذه الوسائط، وخاصة منها الفايسبوك، تتيح جملة من الإمكانيات منها الإشهار وخاصية الاستهداف لفئات معينة من خلال معرفة اهتمامات هذه الفئات وكذا تحديد الحيز الجغرافي التي تتواجد به الفئات المستهدفة.
وأبرز رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، أن الأحزاب التي تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي، تنطلق من مقاربتين، الأولى ترتكز على الإشهار، والثانية ترتكز على المحتوى. موضحا أن مقاربة المحتوى تقتضي من الحزب السياسي الذي يعتمدها أن يحقق تراكما مهما على مدى سنوات سابقة، وأن ينتج محتوى سياسيا جيدا، وهو أمر قد يعطي ترجيحا لمثل هذه الأحزاب التي تتوفر على قاعدة جماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبخصوص التواصل الرقمي والتواصل الكلاسيكي، أكد الشفدي، أن أحزابا تشتغل بشكل موسمي، من الانتخابات إلى الانتخابات، وهي أحزاب لن تستفيد من زخم مواقع التواصل الاجتماعي بالنظر إلى موسمية اشتغالها، وسينعكس ذلك على نتائجها. وعلى العكس من ذلك، يشير الشفدي، إلى أن الأحزاب التي تنشط بشكل مسترسل على الوسائط الرقمية وتواكب ذلك بتواجدها على أرض الواقع من خلال الأنشطة التي تقوم بها، قد تستفيد من هذه الوسائط، وقد تكون عاملا مرجحا بالنسبة لها على مستوى النتائج.
نفقات الحملة الرقمية
على صعيد ضبط نفقات الحملة الانتخابية والتطورات التي تعرفها هذه النفقات مع مركزية الوسائط الرقمية، يرى رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، أن هناك حاجة إلى تحيين آليات المراقبة والضبط الخاصة بطرق وتبرير صرف التمويل المتعلق بالانتخابات. وأشار إلى أن هذا التحيين لابد أن يشمل النصوص القانونية المنظمة حتى يتم تدارك هذه المتغيرات، لاسيما أن آليات المراقبة والضبط تقتصر على طرق التمويل الكلاسيكية من مثل مصاريف البنزين، والطباعة وغيرها… ولهذا يضيف رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، لابد من آليات جديد لضبط تمويل الحملات الإشهارية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يفرض تحيين آليات الرقابة وتحيين دفتر التحملات المتعلق بطرق صرف أموال الحملات الانتخابية.
36 مليار لتمويل حملات الأحزاب
خصصت الدولة مبلغا إجماليا بـ 36 مليار سنتيم (360 مليون درهم) لتمويل الحملات الانتخابية للأحزاب، موزعة بين انتخابات مجلس النواب والانتخابات الجهوية والجماعية، وانتخابات مجلس المستشارين.
وبخصوص المبلغ المخصص لتمويل حملة انتخابات مجلس النواب، خصصت الدولة 160 مليون درهم، وهو المبلغ الكلي لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب المقرر إجراؤها يوم 8 سبتمبر 2021.
أما تمويل الحملات الانتخابية للجماعات والجهات، فخصصت الدولة، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية عدد 6991 بتاريخ 31 ماي 2021، مبلغا بـ 180 مليون درهم، المبلغ الكلي لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة الجماعية والانتخابات العامة الجهوية المقرر إجراؤها يوم 8 سبتمبر 2021، منها 100 مليون درهم برسم الانتخابات العامة الجماعية، فيما خصصت 80 مليون درهم برسم الانتخابات العامة الجهوية.
ويحدد مبلغ التسبيق الممنوح لكل حزب سياسي معني في المبلغ الناتج عن جمع مبلغ جزافي يحدد في 000 .750 درهم، والمبلغ الراجع للحزب السياسي على إثر توزيع المبلغ المتبقى من مبلغ 30 في المائة من مساهمة الدولة على الأحزاب السياسية المعنية بالتناسب مع المبلغ الذي حصل عليه الحزب المعني برسم الدعم السنوي الممنوح له للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيره عن السنة السابقة للاقتراع.
أما انتخابات المستشارين، فحدد مبلغ تمويلها حملتها، في 20 مليون درهم وهو المبلغ الكلي لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية بمناسبة انتخاب أعضاء مجلس المستشارين المقرر إجراؤه يوم 5 أكتوبر 2021 ، يخصص منه مبلغ 12 مليون درهم لفائدة الأحزاب السياسية وثمانية 8 ملايين درهم لفائدة المنظمات النقابية.
ويحدد مبلغ التسبيق الممنوح لكل حزب سياسي أو منظمة نقابية على الشكل التالي، بالنسبة للأحزاب السياسية، يحدد مبلغ التسبيق لفائدة كل حزب سياسي معني بالتناسب مع المبلغ الذي حصل عليه برسم الدعم السنوي الممنوح للأحزاب السياسية للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها عن السنة السابقة لتاريخ الاقتراع، وبالنسبة للمنظمات النقابية، يحدد مبلغ التسبيق لفائدة كل منظمة نقابية معنية بالتناسب مع تمثيليتها في القطاعين العام والخاص التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة المتعلقة بالتجديد العام لممثلي المأجورين.
الدولة تصرف 60 مليون درهم للأحزاب في 2019
بلغ دعم الدولة للأحزاب السياسية في سنة 2019، بحسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، ما يناهز مبلغا بـ 59.66 مليون درهم، يتوزع بين الدعم السنوي للمساهمة في تغطية مصاريف التدبير بنسبة 98.21 في المائة أي ما يعادل 58.59 مليون درهم، وتنظيم المؤتمرات الوطنية العادية بنسبة 0.39 في المائة أي ما يعادل 0.24 مليون درهم، وتشجيع تمثيلية النساء بنسبة 1.40 في المائة أي ما يعادل 0.83 مليون درهم.
وتبلغ الموارد الذاتية للأحزاب 67.73 مليون درهم، والتي تشمل أساسا واجبات الانخراط والمساهمات بنسبة 65.92 في المائة، وعائدات غير جارية أخرى بنسبة 33.63 في المائة، وعائدات مالية بنسبة 0.45 في المائة.
وهكذا بلغ مجموع موارد الأحزاب السياسية المصرح بها سنة 2019 ما مجموعه 127.39 مليون درهم مقابل 120.84 مليون درهم سنة 2018 ثم 128.04 مليون درهم سنة 2017.