خارج الحدود

بحجاب أو بدونه .. مسلمات فرنسا خائفات من نتائج الانتخابات الرئاسية

لا يتعلق خوف مسلمات فرنسا فقط في احتمالات فوز مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبن، والتي ألجأها الخوف من تأثير المسلمين على نتائج الانتخابات إلى إعلان تخليها عن أكثر نقط برنامجها الانتخابي إثارة للجدل، والمتعلقة بمنع الحجاب في الفضاءات العمومية، بل يتعلق أساسا بسؤال ما إذا كانت نتائج الانتخابات التي انحصر التنافس فيها بين لوبن وماكرون، الذي عرفت ولاية حكمه عدة مبادرات ضد تواجد الإسلام والمسلمين.

فإذا كان ماكرون يعتبر أخف الخطرين على الإسلام والمسلمين، فإن التوجه العام في فرنسا، والذي يتميز بتنامي متسارع للإسلاموفوبيا، وللمبادرات الرسمية المستجيبة لتطرفها، يطرح علامات استفهام كبيرة حول مستقبل التسامح مع التواجد الإسلامي في فرنسا.

كلهن خائفات

لأكثر من 30 عاما، حسب الجزيرة نت، أشبع الهوس حول الحجاب النقاش في الأوساط الفرنسية، ولم تكن الحملة الرئاسية الحالية استثناء، حتى إن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان تعتزم حظره في الأماكن العامة إذا تم انتخابها.

بهذه التوطئة، حسب الجزيرة نت، بدأ موقع “ميديابارت” (Mediapart) الإخباري الفرنسي تقريرا قال إنه تعمد إعطاء الكلمة فيه لأول المعنيين بهذا الأمر، ويقصد النساء اللواتي أذهلتهن هذه الخلافات المتكررة.

وتحت عنوان “محجبات أو غير محجبات… المسلمات بفرنسا كلهن خائفات”، قالت الكاتبتان رشيدة العزوزي وفائزة زروالة إن السنوات الخمس الماضية فاضت بالجدل حول هذا الموضوع شديد الاشتعال في النقاش العام.

وذكرتا، في هذا الإطار، أن مجلس الشيوخ الفرنسي حاول قبل شهرين فقط منع السيدات اللاتي يرتدين الحجاب من التنافس في المسابقات الرياضية.

كما قال وزير التعليم الفرنسي الحالي جان ميشيل بلانكير في نهاية عام 2019 “الحجاب غير مرغوب فيه في مجتمعنا”، وذلك على أثر مطالبة أحد المنتخبين عن حزب التجمع الوطني المتطرف بمنع أم محجبة من حضور اجتماع لمجلس بلدي في إطار نشاط مدرسي.

وفي عام 2020 انسحب نواب عن حزب التجمع الوطني ونائبة عن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون من جلسة استماع في الجمعية الوطنية لأنهم لا يريدون حضور مداخلة لطالبة محجبة بشأن جائحة كورونا، كما ألغي حزب ماكرون ترشيح سيدة في مايو/أيار 2021 لانتخابات المقاطعات لا لشيء سوى لأنها محجبة.

وهذه الأحداث -وفق الكاتبتين- ليست سوى غيض من فيض وهي وما شابهها من أحداث تساهم في تعميق الهوة بين المواطنين المسلمين والقادة السياسيين بفرنسا، تلك الهوة التي فاقمها بالفعل قانون مناهضة الانفصالية وما نتج عنه من تفش للإسلاموفوبيا ولعدم الثقة بهؤلاء السياسيين.

وأكدت الكاتبتان أن مسألة الحجاب أصبحت في فرنسا قضية خلافية بشكل مفرط، وضربتا أمثلة على ما تعرضت له بعض المسلمات من مضايقات بسبب الحجاب.

فإيزابيل، مثلا، لا تزال غير قادرة على استيعاب أن يكون الوشاح الذي يغطي رأسها هو موضوع نقاش وطني، وهي ترتدي الحجاب منذ 23 عاما، ولا تزال مندهشة من كون ارتداء الحجاب ماثلا في قلب النقاشات بفرنسا عاما بعد عام.

وخلال فترة الانتخابات الحالية، توضح إيزابيل أنها اختارت أن تعطي صوتها لمرشح اليسار جان لوك ميلانشون في الجولة الأولى، قائلة “لا أحبه ولكنه كان أهون الشرين، فهو الوحيد الذي استنكر أعمال العنف والتجاوزات التي تستهدف المسلمين”.

أما في الجولة الثانية فإن إيزابيل تكشف أنها ستصوت على مضض لإيمانويل ماكرون رغم أن العديد ممن حولها يقولون إنهم لن يصوتوا في الجولة الثانية.

وتؤكد هذه السيدة أنها تتفهم موقفهم لأن “الرئيس الحالي غرس سكينا في ظهورنا وتخلى عنا إرضاء لفرنسا العنصرية”.

ولا تزال صباح قاضي (39 عاما) مصرة على أنها ستصوت للحياد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، إذ من المستحيل أن تعطي هذه الأم لـ5 أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و16 عاما وتعيش في “كليشي سو بوا” في “سين سان دوني”؛ صوتَها لإيمانويل ماكرون، محتجة بكونها “لا تستطيع أن تصوت لمن يغلق المساجد، لقد أقام عدالة مبنية على العاطفة وليست مبنية على الشرعية”.

وبالنسبة لزكية مزياني، فإن فرنسا لم تشهد قط مثل هذه الحملة العنصرية المثيرة للغثيان، ولكن هذه السيدة قررت بعد التفكير مليا أن تصوت لصالح ماكرون وتقنع من حولها بذلك لأن الأمور عندما تتعلق بالمواطنة يكون الأصلح أو الأقل سوءا، كما في حالة الانتخابات الحالية، مقدما على غيره.

وترى مزياني أن “كل المسلمات في فرنسا، سواء كن محجبات أو غير محجبات خائفات، إنهن خائفات من التعرض للهجمات ومن تكرار البصق على وجوههن، إنهن يخفن على بناتهن اللاتي يؤمرن بخلع الحجاب، واللائي يدركن اليوم ألا أحد سيدافع عنهن وأن قطعة القماش هذه ستكون عقبة أمام دراستهن وأمام عملهن وحتى أمام مشيهن في الأماكن العامة”.

هل سيحضر الحجاب في “المناظرة الحاسمة” بين المتنافسين؟

وفقًا لاستطلاعات الرأي، عزز إيمانويل ماكرون تقدمه على مارين لوبان مع دخول السباق الرئاسي الفرنسي أسبوعه الأخير، حسب قناة الحرة، مما يشير إلى أن تسليط الضوء بشكل أكثر قوة على برامج المرشحة اليمنية قد يغير ديناميكية السباق، وفقا لما ذكرت صحيفة “الغارديان”.

وكان الرئيس المنتهية ولايته ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، قد استأنفا، أول أمس الاثنين، حملتيهما الانتخابية، بعقد عدد من المؤتمرات والتجمعات مع أنصارهما في كافة أنحاء البلاد.

ويشتدّ الضغط، حسب نفس المصدر، على مرشحة “التجمع الوطني “التي هُزمت في انتخابات عام 2017 أمام إيمانويل ماكرون زعيم حزب “الجمهورية إلى الأمام”.

ولا شك في أن خصم لوبان لن يتهاون في مهاجمتها، وهو يحظى بأفضلية طفيفة بحسب استطلاعات الرأي، إذ تعده الاستطلاعات فائزاً في اقتراع الأحد بحصوله على نسبة تراوح بين 53 و55,5 بالمئة مقابل 44,5 إلى 47 بالمئة لمارين لوبان

ولكن الفارق طفيف ويقع ضمن هامش الخطأ، وبالتالي فإن نجاح ماكرون ليس محسوماً، وقد تُحبطه تعبئة قوية للناخبين المعارضين له.

وتعتقد لوبان هذه المرة أنها مستعدة بشكل أفضل للمناظرة، وتقول إنها “هادئة للغاية”

وقالت خلال جولة انتخابية في منطقة كالفادوس، شمالي غرب فرنسا: “أتيت لاستمدّ القوة من الشعب.. وأنا واثقة جداً، أعتقد أنّني سأفوز”

وأضافت” “آمل أن تُجرى المناظرة بهدوء. لا نتشارك على الإطلاق الأفكار نفسها ولا الرؤية نفسها للبلاد أو للاقتصاد”

وفي مواجهة الدعم الذي حصل عليه ماكرون من اليسار واليمين وكذلك من المجتمع المدني، واصلت لوبان التركيز على موضوع القوة الشرائية بدلاً من موضوع الهجرة المفضّل لديها، محاولة إقناع الفئات الشعبية من الناخبين. وعمل معاونوها مجدداً، الأحد، على تلطيف موقفها إزاء موضوع ارتداء الحجاب شديد الحساسية، مؤكدين أن حظره في الفضاء العام لم يعد من أولوياتها في محاربة “الإسلام المتشدد”.

وبالنسبة لماكرون، ستكون مناظرة الأربعاء “لحظة للتوضيح”، وقال في مقابلة مع تلفزيون “تي إف 1”: “أعتقد أن لدي مشروعاً يستحق أن يُعرف، ولدي شعور بأنه يوجد على جانب أقصى اليمين مشروع يستحق التوضيح”

وأوضح أشخاص من أوساطه أن “التحدّي يكمن في أن يكون جاذباً ومقنعاً بدون نبرة أستاذية مفرطة”.

ويشدّد ماكرون في مواجهة لوبان على إصلاح المؤسسات وهو يطرح نفسه ضامناً للحقوق ولاحترام الدستور، آملاً في أن يتمكّن بذلك من ضرب مصداقية مرشحة اليمين المتطرف.

من جانب آخر، يرى محللون أن لوبان كانت محمية في الجولة الأولى بمنافسها اليميني المتطرف الكاره للأجانب بشدة، إيريك زامور، الذي شد إليه انتباه وسائل الإعلام.

لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجولة الثانية من التركيز المكثف على سياساتها الاقتصادية والرفاهية والهجرة والسياسات الخارجية والبيئية، إلى جانب الهجمات المتجددة والأكثر حدة من فريق ماكرون ربما أدت إلى إبطاء زخم حملتها.

وفي نفس السياق يرى الخبير في القانون الدستوري، دومينيك روسو، أن برنامج لوبان”سيشكل قطيعة جذرية مع هوية فرنسا، مضيفًا أنه “ينتهك أيضًا القانون الأوروبي، ويضع فرنسا على نفس مسار المجر أو بولند” التي يسيطر عليها حاليا الأحزاب اليمينة.

وكان العديد من الاقتصاديين قد انتقدوا الخطط الاقتصادية “غير المتماسكة” لزعيمة اليمين المتطرف، بما في ذلك تخفيض سن التقاعد إلى 60 عامًا ، وهو ما حذر منه الخبير الفرنسي الفائز الفرنسي بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2014، جان تيرول، من أن تكلفته سوف تصل 68 مليار يورو ما قد يؤدي إلى إدخال البلد في “حالة إفقار دائمة”، على حد تعبيره

وفي سياق ذي صلة، يؤكد مدير مجموعة أوراسيا الاستشارية في أوروبا، مجتبى رحمن، أن الفرنسيين “يلقون نظرة فاحصة على برنامج لوبان، ولا يبدو أنهم يحبون ما يرونه”

ويقول منظمو استطلاعات الرأي إن الوضوح المتزايد حول الشكل الذي قد تبدو عليه رئاسة لوبان في نهاية المطاف من الناحية العملية من غير المرجح أن يغير رأي العديد من مؤيدي لوبان، لكنه قد يقنع عددًا كافيًا من الناخبين المترددين بالتصويت لصالحه

ومع احتمال فوز المرشح الذي يمكنه تجاوز معسكره لإقناع بقية الناخبين بأن الخيار الآخر سيكون أسوأ بكثير، يتطلع كلا المرشحين إلى جذب بعض الناخبين من 7.7 مليون صوتوا لصالح المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، في الجولة الأولى

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حوالي 33٪ من ناخبي اليسار الراديكالي (معظمهم من المعتدلين الذين دعموا ميلانشون، لأنه كان المرشح اليساري الوحيد الذي لديه فرصة للوصول إلى الجولة الثانية) سوف يدعمون ماكرون

وفي غضون ذلك، أشارت العديد من الاستطلاعات إلى أن الناخبين الذين دعموا زامور بأصواتهم لن يصوتوا بالضرورة لصالح لوبان.

 

تعليقات الزوار