وجهة نظر

استفزازت الجماهير و”مانديلا الصغير”.. الجزائر والشان والغصة من الجار

الدكتور العباس الوردي*

أخذت الجزائر أو بالأحرى رموز الدولة العسكرية على عاتقها، محاولة معاكسة الجار في كل مناسبة، وصلت في الشان إلى حد السب والشتم بالعبارات النابية تجاه بلد وشعب عربي ومسلم جار، وقبل ذلك تحدٍ سافر لقوانين الكاف بعدم الترخيص للفريق الوطني من الولوج للتراب الجزائري على متن طائرة مغربية، وقبلها مشاكسات اتهمت المغرب بإضرام النيران إبان هيجانها بالصيف الماضي، بل ورفض مساعدة المغرب في إخمادها.

ذكر مثل هذه الأحداث الصبيانية متعمد لأنها دليل دامغ على تعنت نظام أصبح يزرع كراهية الجار بين الأجيال ويخلط بين البنان المفقود لديه وبين الحيوان، فأين العلاقة بين الفاكهة الحلوة والحيوان المفترس؟ إنها شراسة الدبلوماسية المغربية ياسادة، إنها عبقرية ملك وشعب شاءوا أن يسلكوا طريق القانون الدولي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتقديم الأدلة الدامغة على ترهات النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والتي أصبح طيها يصل إلى خط النهاية عبر بوابة مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة المغربية والذي أصبحت تتبناه قرارات مجلس الأمن، ومن بينها 2548 و2602 وغيرها، والتي تشير بلغة مباشرة إلى الجزائر كطرف رئيسي في هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ناهيك عن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والسلسلة اللامتناهية لفتح القنصليات العامة لعدد من الدول العربية والأجنبية بمدينتي الداخلة والعيون، وتهاطل زيارات كبار المستثمرين الدوليين للأقاليم الجنوبية للمملكة.

إذن هذه كلها دلائل حية تؤشر على حالة الغيرة الجزائرية التي لم تعد تطيق تطور الجار، وتحاول بين الفينة والأخرى أن تروح عن النفس المريضة التي وصلت إلى حد تعطيل الصداقة مع إسبانيا، ومحاولة جذب فرنسا بالغاز المشروط بعدم تقديم الاعتذار، والاصطفاف إلى جانب إيران المزعج رقم واحد للسلم والأمن الدوليين، واللائحة طويلة وعريضة.

إننا فعلا أمام نظام ضال في العلاقات الدولية خسر الرهان مع الاتحاد الأوربي وأمريكا، ناهيك على أنه يجهز على مصير جيل تواق للبنان، أصبح يسب من دون مسوغ، ولو سألته لماذا تسب جارك أيها الجزائري؟.. لن يجيبك لأنه موظف بطريقة سيئة لا يعلم خباياها إلا العسكر المريض بالصحراء المغربية.

فياعسكر الجزائر، ويا أيها الرئيس الجزائري، خليو عليكم قضية المغرب وانتبهوا لمستعمر يصول ويجول فوق تندوف الجزائرية التي تشهد مخيما للقصر والتهجير والتعذيب والإبادة الجماعية وسرقة المساعدات الدولية بشهادة المنتظم الدولي، والشان أمر رياضي ولن يقرر في مغربية الصحراء، غير أن تنظيمه وتوظيفه لخدمة الغصة المعلومة قد زاد في تبخيس سياسة عسكر الجزائر.

إنها قصة الشان والغصة من الجار..

البينة على المدعي واليمين على من أنكر

أبانت الدولة العسكرية الجزائرية إبان الشان عن تصرفات ترجع نظامها إلى العقود البائدة، حيث حاولت وكعادتها محاولة الركوب على الحدث الرياضي من أجل إرضاء خوالجها ذات الأعراض التي يستحيل شفاءها، والحال أن التأكيد الدائم على الغصة المغربية فيه أدلة دامغة على أن المملكة المغربية على السكة الصحيحة، وأن قضية الصحراء المغربية، وكما يشهد بها تبون دائما، هي بيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبأن التشبيك المغربي العربي والدولي قد نجح فعلا في إذكاء فتيل الغيرة من لدن ساكن المرادية وعسكره ورعيتهم بتندوف السليبة والمستعمرة من لدن جبهة انفصالية إرهابية تسمى بالبوليساريو وممولة من لدن الدولة الجارة المستعمرة في جزء من أراضيها، ذلك أن هذه البقعة المستعمرة تحمل أعلاما للكيان المزعوم، وبها ما يسمى بقيادات هذا الأخير، ناهيك عن ضيعات تسمى بعسكر الكيان، والتي تقوم بما تقوم به فوق هذه البقعة المستعمرة أمام مسمع ومرأى كل الكيانات الدولة.

الفرق بين الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية بالصحراء المغربية وثغر تندوف المحتل هو أن الصحراء المغربية قد حررت من لدن المستعمر الإسباني أنذاك، أواسط السبعينيات، وأن المغرب ينمي ويشيد فوق صحرائه مشاريع كبرى ومهيكلة لأن الوضع الجيوسياسي يؤهله القيام بذلك، ثم إن شيوخ القبائل الصحراوية بالمملكة المغربية قد بايعوا العرش الملكي حينما حاول الإسبان استمالتهم، وبايعون الأسلاف والأجداد من ملوك المملكة، ناهيك على أن المغرب لا يتنصل من مسؤولياته والتزاماته تجاه المنتظم الدولي، بما فيها قرارات مجلس الأمن التي تنتصر لحجية ومشروعية الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة سنة 2007 كحل واقعي وقابل للتنزيل على أرض الواقع من أجل حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

لذلك فما علاقة الأحداث الرياضية بالعلاقات السياسية الدولية، أرادت الجزائر من إقحام حفيد نيلسون منديلا في حدث رياضي صرف من أجل الحديث والتغريد خارج السرب، أليست للرياضة قوانين؟ ما هو دور الكاف والفيفا في هذا السياق؟، ألم تتعد الجزائر حدودها وتتطاول على اختصاصات هاتين المؤسستين الكرويتين بامتياز، بحضور رئيسيهما وشهادتهما الحية والموثقة والتي تؤشر على جنوح لكي لا نقول جنون الشقيقة الجزائرية.

إنه فعلا وضع نشاز وسابقة كروية بتغريدات سياسوية لا يمكن أن يقبلها المنتظم الدولي، وفي مقدمته القوانين المؤطرة لكرة القدم، ثم كيف قامت السلطات الجزائرية برفض الترخيص لرحلة مباشرة من الرباط للاعبين المغاربة ثم تراجعت وقبلت بإقلاع طائرة رئيسي الفيفا والكاف من نفس المطار وفي رحلة مباشرة من الرباط إلى الجزائر، إنها فعلا قصة مخزية نستبين من خلالها على أن البينة المغربية حاضرة، وأن يمين الدولة العسكرية الجزائرية سيبقى مفتوحا إلى حين تنظيمها لحدث آخر فوق أراضيها مع الاحتفاظ بمصطلح بتصرف لتندوف السليبة من لدن ميليشيا البوليساريو الإرهابية.

* الدكتور العباس الوردي، أستاذ القانون العام وعلم السياسة، جامعة محمد الخامس بالرباط

تعليقات الزوار