لعل من بين أكثر الأعمدة الصحفية مقروئية في الجرائد تلك التي يجيد أصحابها التعبير عن القضايا الحية التي تشغل الرأي العام بأسلوب ساخر، إذ ينجحون في رصد الظواهر وتتبع الأحداث بعين الصقر منتبهين إلى ما يغفله الآخرون، وقد يتناولون ما تناول البعض قبلهم، لكن بأسلوب آخر، ولغة ساخرة تشتهيها النفس، خاصة كلما كانت القضية عظيمة، ووقعها على المواطن محزنا، فيحولها الكاتب إلى “بليّة مضحكة” وقد قالوا زمان “شر البلية ما يضحك”، وقالوا بالعامية ” كثرة الهم تضحك”.. ومن الزاوية نفسها يستميلنا الكاريكاتير في الجرائد الورقية أكثر من الصور الفوتوغرافية المرافقة للأحداث.
نكتب بأسلوب ساخر لأن الكتابة المباشرة يجيدها الكثير، وإن شئت فهي مطروحة في كل المواقع، وغالبا ما يكتفي القارئ بقراءة العنوان ففيه الخبر، وقد يغنيه عن التفاصيل. بينما في النصوص الساخرة يصبح الحدث جزءا وليس كلا، والتفاصيل مهمة، لأن بدونها لا يكتمل الخبر أو التعليق عليه، واللغة تصبح غاية في ذاتها وليست مجرد وسيلة لنقل الخبر.
نكتب بأسلوب ساخر لأنه الأليق بالكثير مما يقع اليوم، فلا يشفي غليل أنفسنا إلا مقال ساخر، أو قصيدة ساخرة… فكثير من الأحداث لبشاعتها تصل بردود أفعالنا إلى درجة السخرية. ولذلك نجد هذا النوع من الكتابة مسلطا على بعض الشخصيات العمومية، وعلى القضايا الوطنية والقومية التي تشغل الرأي العام، وبلا شك فقد تبادر إلى ذهنك الآن بعض الصحفيين والشعراء ممن عرفوا واشتهروا بهذا القالب من الإبداع.
نكتب بسخرية لأن مجال الحرية فيها أرحب؛ إذ تسمح بمزج الواقع بالخيال، والتعبير عن الأماني والنكسات بشيء من المبالغة غير المطلوبة – مبدئيا- في نقل الخبر أو التحليل المباشر. إذ نادرا ما يصرح الساخر بمن يوجه إليه كلامه، وإن كان القارئ بفطنته ومعلوماته السابقة يدركه غالبا إن لم يكن دائما.
هذه هلوسات تتناول الكثير من المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والأدبية والرياضية بأسلوب ملؤه السخرية، ولا يخلو من الموضوعية أيضا، نحاول فيها أن نتصيد بسمة من قارئ كثيرا ما تسرقها منه الأحداث المحزنة المتتابعة. دون أن تكون غايتنا تجريح أحد أو التنقيص من قدره لأن رسالتنا أعمق مما قد تحويه السطور.
تعليقات الزوار
جيد جداً