جالس شاعر مغمور شاعرة مشهورة، والحق يقال “إنها جميلة”، وحتى لو لم يكن صاحبُنا شاعرا لتولدت شاعريته وهو غارق في عينيها يبحث عن مركب من كلمات، تبادلا أطراف الحديث عما ينشر من شعر، وتحدثت بإطناب عن نجاح حفل توقيع ديوانها الثاني والحضور الملفت للنقاد والشعراء، وعن القراءات النقدية العميقة المقدمة لديوانها كما ديوانها السابق، واستعرضت عليه أسماء الجرائد والمجلات التي نشرت الخبر والقراءات، معددة لائحة أصدقائها الممتدة من الكتاب والشعراء والفنانين التشكيليين.. مؤكدة له أنها لو كانت تريد استثمار صداقاتها ولائحة معجبيها لحضرت كل الملتقيات الأدبية التي تقام بالبلد والكثير مما يقام خارجه، فالدعوات تنهال عليها، وبعضهم يقترح عليها أن يؤلف أشعارا وقصصا ومداخلات نقدية باسمها وما عليها سوى الحضور، لكنها ترفض هذا الامتياز الأنثوي الذي تحظى به بعض الشواعر فقط لأنهن جميلات أو لهن “خالة في كل الأعراس”.
أتحفها الشاعرُ المغمورُ بشعره حتى سال لعابها وطلبت المزيد… ثم فتحت حقيبتها وأخرجت نسخة من ديوانها، وأهدته إياها معتذرة لأن ما تكتب “على قد الحال وصافي”، تصنع ابتسامة، وتجاوز كلمة الغلاف التي كتبها شاعر مشهور في حق الديوان، ثم قفز على التقديم الذي كتبه ناقد معروف، وانتبه الى أنه سبق وقرأ مثله على صدر ديوان لشاعرة أخرى. فكر أن يصحح الأخطاء النحوية والإملائية في الديوان لكنه تردد قبل أن تفاجئه بحيرتها: “لست أدري معيار الجودة الذي به يقيس نقادنا شعرنا، ولست أدري إن كنت أستحق كل هذه الشهرة ما دمتَ شاعرا بهذه القوة ولا يعرفك أحد، ولم تفز بجائزة وكل رصيدك عشرات الجيمات من كتاب شباب على حائط الفيسبوك”.
اقترح شاعرنا تجربة بسيطة، فطلب منها أن تختار من إنتاجها قصيدتين؛ واحدة رديئة وأخرى جيدة. ضحكت مستغربة اقتراحه هذا، لكن أخذها فضول التجربة، فأخرجت مذكرتها وناولته قصيدتين واحدة سيئة جدا “مجرد خربشة” تقول إنها كتبتها على متن حافلة النقل الحضري، وواحدة اعتبرتها جميلة لأنها نالت مئات التعليقات الفيسبوكية أما الجيمات “فبلا حساب”.
اتفقا على أن تبعث باسمها تلك القصيدة الرديئة إلى الناقد (…)، وأن يبعث هو القصيدة الجيدة بين قوسين إلى الناقد نفسه طالبين تعليقه على القصيدة و…
في الغد كان ناقدنا قد رد على الجميلة مثنيا على تجربتها الشعرية الفريدة، وإبداعها الجديد في اللغة، وفتنة أبيات قصيدتها صدرها وعجزها… مقترحا عليها حضور لقاء أدبي يشرف على تنظيمه… بينما لا يزال صاحبنا إلى اليوم ينتظر جوابا، وفي كل مرة يجدد الرسالة: “مساؤك شعر أستاذي، ما زال ما قريتيش هاديك القصيدة؟”.. وعندما كَلَّ من السؤال، راسل صديقته.. “أفكر في فتح حساب فيسبوكي مؤنث فإن وصلتك دعوة باسم أميرة الشعر فاقبليها ولا تخبري عني أحدا”.