تواجه واحات الجنوب الشرقي المغربي، تهديداً وجودياً بسبب الجفاف المتواصل الذي ضرب المنطقة لسنوات عديدة. وأدى هذا الوضع الكارثي إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان وتفاقم مشكلة البطالة، ما يهدد بتحول هذه المناطق إلى صحاري قاحلة ونزوح جماعي للسكان نحو المدن الكبرى بحثاً عن حياة أفضل هربا من وحش الجفاف الذي أتى على الأخضر واليابس.
تعتبر واحات النخيل في الجنوب الشرقي بالخصوص في جهة درعة تافيلالت، من أهم الموارد الطبيعية للمنطقة، حيث تعتمد عليها الساكنة بشكل أساسي في الزراعة وتربية المواشي. إلا أن الجفاف المستمر قد أدى إلى تراجع منسوب المياه الجوفية وجفاف الآبار، مما أثر بشكل كبير على الإنتاج الفلاحي وتسبب في خسائر فادحة للمزارعين.
نزوح جماعي
في تصريح لأحد المواطنين المتضررين، أحمد من منطقة زاكورة، قال: “لقد شهدنا سنوات من الجفاف التي دمرت محاصيلنا وأثرت على موارد المياه في الواحات. لقد أصبح من الصعب جدًا الاستمرار في العيش هنا، لقد فقدت كل ما أملك بسبب الجفاف. نخيل التمر الذي كان يعيل أسرتي قد ذبل ومات. لا أعرف ماذا سأفعل في المستقبل”.
وأضاف أحمد في تصريح لجريدة العمق “وتُعتبر واحات الجنوب الشرقي من أشهر الواحات بالمغرب، لقد كانت رمزًا للحياة والخصوبة في هذه المناطق الصحراوية. لكن مع استمرار الجفاف، أصبحت هذه الواحات تواجه خطر الانقراض”.
عبد الرحمان، أحد شيوخ المنطقة، أشار من جهته إلى أن “انعدام فرص الشغل هنا دفع أبناء المنطقة إلى الهجرة نحو المدن الكبرى بحثًا عن حياة أفضل. لقد أصبح من الصعب جداً أن نعيش هنا.”
وأضاف عبد الرحمان “إذا استمر هذا الوضع، سنشهد نزوحًا جماعيًا من هذه المناطق. إننا نحتاج إلى تدخل عاجل من السلطات لإيجاد حلول لهذه الأزمة التي تهدد مستقبل الواحات وسكانها.”
طريق سيار مائي
وتساءل النائب البرلماني عن الفريق الحركي بمجلس النواب، محمد أوزين، عما إذا كانت الحكومة تمتلك سياسة عمومية خاصة بالواحات، مشيرا إلى أن الفريق الحركي سبق وأن تقدم بمقترح قانون لإطار تشريعي ينظم التدخل في هذه المناطق، لكنه لم يلقَ أي تفاعل حتى الآن.
ودعا أوزين ضمن سؤال كتابي موجه إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إلى الكشف عن الإجراءات والتدابير التي ستتخذها الحكومة لضمان استفادة المناطق الواحية من طريق سيار مائي يربطها بالواجهة البحرية المتوسطية، مؤكدا على أهمية هذا المشروع في توفير المياه الضرورية وتخفيف معاناة السكان.
واستفسر أوزين، عن سبب تأخر الحكومة في تفعيل رسم التعويض عن الكوارث الطبيعية جراء الحرائق والفيضانات، وهو ما يعتبر ضرورة ملحة لحماية السكان ودعمهم في مواجهة هذه الكوارث المتكررة.
وسجل البرلماني الحركي، أن الهشاشة المناخية للمناطق الواحية تؤدي إلى تفاقم الهجرة المناخية، وهو ما يزيد من تعقيد الأوضاع السوسيو اقتصادية في هذه المناطق، مؤكدا أن الواحات تتعرض للإهمال في السياسات العمومية المركزية والترابية، مما يزيد من معاناة السكان ويجعلهم عرضة لمزيد من المشاكل والكوارث الطبيعية.
ولفت المتحدث ذاتهن إلى أن المناطق الواحية تعاني من ندرة الموارد المائية والأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى نقص الاهتمام بهذه المناطق التي تشكل شريطا أخضر ضد التصحر ورابطا بيئيا وتجاريا مع العمق الإفريقي للمغرب، مشيرا إلى أن الواحات، مثلها مثل الغابات، أصبحت تتعرض لحرائق متكررة ومدمرة، خاصة في مناطق تافيلالت وتودغا ودرعة.
سياسات خاطئة
من جهتها أكدت جمعية أصدقاء البيئة أن “واقع حال واحات درعة يمثل خراباً ودماراً، حيث تحولت حقول النخيل إلى أطلال ومقابر”، ووصفت ما يجري في هذه الواحات بأنه “جريمة إيكولوجية بكل المقاييس ضد هذا التراث الإنساني والحضاري والبيئي”.
وأكد رئيس الجمعية جمال أقشباب أن إقليم زاكورة “يعيش وضعية مقلقة وصعبة بسبب الجفاف الذي استمر لحوالي سبع سنوات، وارتفاع درجات الحرارة بشكل مهول”.
وأوضح جمال أقشباب، في تصريح سابق لجريدة “العمق”، أن “مناطق درعة تعيش ظروفاً قاسية بسبب ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، مما يهدد حياة السكان والنخيل على حد سواء. وأشار إلى أن “حرارة فصل الصيف تتجاوز 50 درجة في هذه المناطق، بينما تزداد ظاهرة التصحر بوتيرة مخيفة”.
وتفاقمت الأزمة مع “تراجع منسوب المياه السطحية في سد أحمد المنصور الذهبي إلى 10% فقط، حيث كانت مياه هذا السد تستخدم لسقي 26 ألف هكتار من واحات النخيل، لكنه اضطر إلى التوقف عن ذلك بسبب تراجع التساقطات”.
وأضاف الناشط البيئي أن “عندما لجأ السكان إلى استغلال المياه الجوفية لسقي الواحات، واجهوا مفاجأة مقلقة، حيث يتم استغلال هذه المياه لسقي زراعة البطيخ الأحمر بدلاً من النخيل”.
منطقة منكوبة
وتمثل واحات جهة درعة تافيلالت حوالي 77 في المائة من مساحة نخيل التمر، البالغة قرابة 60 ألف هكتار، وهو ما يمكنها من إنتاج حصة الأسد من التمور المحلية. لكن الجفاف الجاثم على المنطقة، مدعوما بالحرائق، قلص الإنتاج الوطني بعشرات آلاف الأطنان، إذ تراجع من 150 ألف طن قبل سنوات إلى 108 أطنان خلال الموسم الماضي، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد.
وأمام استمرار زحف الجفاف على واحات النخيل بالجنوب الشرقي، تطرح الساكنة ومعها عدد من الفاعلين المدنيين والبئيين، أسئلة حارقة حول مستقبل ما تبقى من سكانها، إذا تمادى الجفاف واستمر لسنوات أخرى لا قدر الله؛ فهل سيستسلمون للهجرة ويساهمون في تفريخ أحياء الصفيح بضواحي المدن الكبرى؟ وهل ستواصل الدولة إدارة ظهرها لهذه المنطقة وغيرها من مناطق المغرب العميق؟ وماذا فعلت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان؟
ووسط صمت الجهات الحكومية المسؤولة، يرى عدد من المهتمين والفاعلين المدنيين، أن إعلان درعة منطقة منكوبة، أصبح أمرا ملحا، ليس لإنقاذ جيران وادي درعة فحسب، بل لاتخاذ إجراءات عاجلة ونوعية لمواجهة الجفاف باعتباره كارثة طبيعية، وحماية الواحات والحيلولة دون اندثارها باعتبارها تراثا طبيعيا وحضاريا وخزانا للتمور، وهي الإجراءات ذاتها التي تحتاجها واحات طاطا والراشيدية وغيرها.