سياسة

“فورين أفيرز” الأمريكية تنبأت بانقلاب تركيا أسابيع قبل وقوعه وهذه تفاصيله

ترجمة العمق المغربي

تنبأت المجلة الأمريكية “فورين أفيرز” بالانقلاب العسكري في تركيا أسابيع قبل وقوعه وبالضبط يوم 30 ماي الماضي نشرت المجلة مقالا بعنوان الانقلاب العسكري القادم في تركيا يتضمن أهم أسباب حدوث الانقلاب وتفاصيل عن العلاقة المتناقضة بين الجيش والرئيس رجب طيب أردوغان، وفي اليوم الذي وقع فيه الانقلاب وضعت المقال رئيسيا في صفحتها الالكترونية.

وجاء في المقال أنه قبل أن تأخذ تركيا منحا “استبداديا” و”سلطويا” في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، اعتقد الكثيرون بأن الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية سيخلد في التاريخ باعتباره الزعيم الذي تمكن من ترويض الجيش التركي وحل الصراع المستمر منذ عقود في البلاد مع الأكراد كن هذا التخمين في غير محله.

وسمح أردوغان للجيش بشن حرب ضد المتمردين الأكراد وشكل تحالفا دافئا مع الجنرالات. ليضرب عصافير بحجرٍ واحد. فالحملة العسكريّة على الأكراد أضعفت الأقليّة الأكبر في البلاد والتي أصبحت تمثّل عائقا أمام طموحاته في السلطة المُطلقة من جهة، وتُعزّز من قوّته بين القوميين من جهة أخرى.

كما من الممكن أن يمثل الأمر دافعا لتحسين علاقة الرئيس مع الجيش خاصة في ظل تنامي المعارضة الداخلية والخارجية، لكن تقوية الجيش يمكن أن تكون في نفس الوقت تشكل خطرا بالنسبة لأردوغان، حيث أن بعضهم في دائرته المقربة و يخشون أن النمر الذي يحاول الرئيس ركوبه لا يزال أكثر وحشيّة و انتقاما.

وهناك عدة أسباب تجعل الجيش التركي يحمل الضغينة تجاه أردوغان، لأن التاريخ التركي، عرف تحكم الجيش في الشئون السياسية للبلاد، خاصة بعد أربعة انقلابات عسكرية أجبرت السياسيّين على تقديم الاستقالة وقدم نفسه دائما كوصي للديمقراطية العلمانية الذي لا يخضع للمسائلة.

 فشل الانقلاب الإلكتروني 2007

ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم سنة 2002، قرر حزب العدالة والتنمية تقليص النفوذ السياسي للجنرالات، ولتحقيق شروط الانضمام للإتحاد الأوروبي، شرعت تركيا بخطوات لجعل الجيش خاضعا أكثر للسلطة المدنية، فقلصت صلاحيات المحاكم العسكرية لصالح المزيد من الصلاحيات للمحاكم المدنية وأصبحت الحكومة تلعب دورا أكثر فاعلية في تعيين القادة الكبار للجيش.

 وتعرض الجيش لصدمة في أبريل سنة 2007، بعد أن نشر على صفحته الإلكترونية إنذارا سمي آنذاك بـ “الانقلاب الإلكتروني” يحذر فيه حزب العدالة والتنمية من مغبة دعم عبد الله غول المعروف بانتمائه التقليدي للتيار الإسلامي والذي تلبس زوجته الحجاب في انتخابات الرئاسة.

أثار الأمر حينها غضب حزب العدالة والتنمية وأنصاره ودفعهم إلى تأكيد موقفهم وإيصال غول إلى منصب الرئاسة. ومن خلال محاولته التدخل ضد الحزب ذو الجماهيرية الكبيرة عرض الجيش نفوذه لضربة قاسية، وفي أقرب انتخابات بعد “الانقلاب الإلكتروني” ازداد التصويت لحزب العدالة والتنمية بنسبة 13%. وفي ذلك الوقت أيضا، أطلق حلفاء الحكومة في جهاز القضاء من أنصار فتح الله غولن تحقيقات واسعة حول ضباط الجيش.

وفي الدعاوى القضائية مثل قضية “المطرقة”، التي اتهم فيها بعض عناصر الجيش بتدبير انقلاب ضد حزب العدالة والتنمية، فجرى حبس العشرات وتم احتجاز المئات من المسئولين العسكريين المتقاعدين، ليؤدي هذا الصراع بين الحزب والجيش بالاستقالة الجماعية للمجلس العسكري التركي الأعلى في يوليوز سنة 2011.

أزمة ملفات غولن

 شهدت العلاقات بين أردوغان والقوات المسلحة التركية بعض التحسن، على مستوى القادة العسكريين الكبار، لكن التحسن الحقيقي بين الطرفين وقع عندما بدأ أنصار فتح الله غولن في القضاء بفتح تحقيقات حول قضايا فساد تخص عائلة أردوغان.

واعتبر أردوغان الجيش كحليف محتملا لكن حربا شنيعة تنتظر حليفه السابق أنصار غولن، فتقدم الجيش بشكوى يطالب فيها بإعادة محاكمة العسكريين في قضية “المطرقة” و ألغت المحكمة لاحقا القضية برمتها باعتبار أن الأدلة ملفقة، وحكمت بإطلاق سراح الضباط، وكانت العلامة الدالة على أحسن العلاقات بين الحاكم و الجيش هي حضور خلوصي أكار رئيس هيئة الأركان كشاهد شرعي على عقد قران ابنة أردوغان.

لكن وقف إطلاق النار بين الدولة وحزب العمال الكردستاني ومعارضة الجيش محادثات السلام مع حزب العمال واتهامه الحكومة بإغماض أعينها عن أنشطته في المنطقة الكردية رجعت توتر العلاقات بين الجيش والحكومة من جديد.

وفي سنة 2014 طالب المسؤولون العسكريون بتنفيذ 290 عملية عسكرية ضد حزب العمال في جنوب شرقي البلاد لكن الحكومة سمحت بثماني عمليات فقط مما شكل تشنجا في العلاقات كذلك لكن عودة القتال بين الحكومة والحزب سنة 2015 مهد الطريق لتحالف متين بين الجيش والحكومة، خاصة بعد الفوضى التي يعيشها ساعد في رجوع الجيش كقوة وسيطة في الداخل والخارج.

وكان للإعلام الموالي للحكومة، دورا مهم حيث صار يمتدح جهود للقوات المسلحة التركية في التصدي لأعداء تركيا الداخليين والخارجيين. كما دافع أردوغان من جهته عن العلمانية بعد دعوة سابقة لمستشاره إسماعيل كهرمان لإزالة أي إشارة لها في الدستور التركي.

وراهن أردوغان على أن هذه الإشارات سوف تحسن علاقاته مع الجيش، لكنه يلعب بالنار في نفس الوقت حيث يخشى البعض أن يعود الجيش لعادته في التدخل في العملية السياسية وفي حقيقة الأمر، قد يقلص نفوذ الجيش لكن مسألة إخراجه من المشهد كليا تبقى غير ممكنة، حيث أنه لا زال يتمتع بالاستقلالية المؤسسية.

وكان الجيش قد عارض مطالبة بعض المسؤولين لالتحاق خريجي مدارس الطلبة ليصبحوا دعاة وخطباء في الكليات العسكرية، حيث اعتقد الجيش حينها أن هؤلاء الطلاب قد ينشرون الأفكار الدينية في مستويات القوات المسلحة التركية. لهذه الأسباب وأخرى، يبدو الجيش غير مهتم بشكلٍ خاص في التدخل في العملية السياسية، أقله في الوقت الحالي، فبعد رد الفعل الشعبي على “الانقلاب الإلكتروني” يفضل الجيش البقاء بعيدا عن السياسة.

 الانقلاب القادم

وكان انقلاب سنة 1980 الذي يعتبر الأكثر دموية في تاريخ البلاد، يحظى بالدعم الشعبي من الجماهير التي رأت تدخل الجيش ضروريا لإعادة الاستقرار إلى البلاد. واليوم يعرف الجيش بشكلٍ جيد أن أي تدخل ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي نال حوالي 50% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، سيحظى بالقليل من الدعم الشعبي وسيحطم جهود الجيش لاستعادة موقعه في المجتمع

وبقدر ما أن الانقلاب أمر غير وارد في الوقت الراهن، إلا أن هناك سيناريو محتمل قد يتدخل الجيش فيه، فالأعوام الأربعة عشر التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية خففت إلى حد ما من موقف الجيش تجاه العلمانية، لكن النزعة الانفصالية الكردية لا تزال خطا أحمر بالنسبة للقوات المسلحة. وإذا كان رد أردوغان اتخاذ إجراءات صارمة وتسبب بالمزيد من الفوضى ضد المحتجين وما قد يتبعها من سفك للدماء فهناك احتمال بأن يتزايد المطلب الشعبي لتدخل الضباط لاتخاذ الإجراء المناسب.

وحتى في ظل هذا السيناريو الخطير وغير المرغوب، فإن الجنرالات قد يفضلون غالبا التدخل من خلال الوسائل السياسية بدلا من الوسائل العسكرية كإجبار الحكومة على الاستقالة. لكن إلى حين حدوث هذا الأمر فمن المتوقع أن تبقى علاقة الجيش والحكومة جيدة، ومن الضروري على كل حال تسليط الضوء على صراعات هذا التحالف لأن المصالح المشتركة بينهما قد تلتقي لكنهما يظلان على خلاف بشأن عدة قضايا، لأن “الاستبداد” المتزايد لأردوغان، وتصرفاته بخصوص الأكراد، وسياسته الخارجية على الشرق الأوسط أدت إلى إبعاد حلفاء تركيا التقليديين.

وبالتالي فأردوغان لم يتخل عن حماية نفسه من الجيش. فقرار الحكومة الأخير بفصل القيادة العامّة لقوات “الجندرمة”، وهي قوات الشرطة الريفية شبه العسكرية في تركيا، عن هيئة الأركان العامة وضمها إلى وزاة الداخلية، تعتبرد محاولة لملء صفوف الجيش بأنصار حزب العدالة والتنمية، ووحدها المسألة الكردية هي التي ستفصل في مستقبل العلاقات المتناقضة بين الجيش وأردوغان إضافة إلى صلاحيات الجيش في السياسة العامة لتركيا.