سياسة

إدانة رئيس جماعة دمنات بالسجن النافذ تثير الجدل.. مطالب بالعزل وتساؤلات حول الشفافية

أثارت إدانة رئيس جماعة دمنات ومن معه بالسجن النافذ لمدة أربعة أشهر جدلا كبيرا بين المهتمين بالشأن العام، حيث انقسمت الآراء بين من يرون في الحكم خطوة نحو تعزيز المساءلة والشفافية، ومن يعتبرونه مؤشرا عن اختلالات عميقة في منظومة التدبير الجماعي.

وبينما تتعالى الأصوات المطالبة باتخاذ إجراءات حازمة لضمان استمرارية المرافق العمومية وتفعيل مقتضيات القانون، تتجه الأنظار نحو الجهات المعنية لتحديد موقفها من هذه القضية المثيرة للجدل.

وفي تصريحات بشأن قضية رئيس جماعة دمنات ومن معه، عبّر المحامي والنقيب مولاي عمر أبو الزهور، الذي ينوب عن الجمعيتين الحقوقيتين الطرف المدني في قضية رئيس جماعة دمنات ومن معه، عن استغرابه من غياب تدخل الجهات المانحة للمال العام المبدد في هذا الملف. وأكد أن هذا التجاهل يثير حيرة المتابعين للملف في مدينة دمنات وإقليم أزيلال، بل وحتى على المستوى الوطني.

وأوضح النقيب في تصريح لجريدة العمق أن الطرف المدني الذي يمثله قد استأنف الحكم الابتدائي، متمسكًا بوجود شبهة تبديد واختلاس أموال عمومية. كما أشار إلى أن محكمة الاستئناف ببني ملال لم تستدعه لأي جلسة خلال مراحل التقاضي، مضيفًا أن النيابة العامة بدورها استأنفت الحكم الابتدائي. وأصدرت محكمة الاستئناف قرارها القاضي بتأكيد الحكم الابتدائي مع تعديله بجعل العقوبات الصادرة في حق المتهمين نافذة.

وأكد المحامي أن احترام قرارات القضاء، بغض النظر عن طبيعتها، يُعدّ من المبادئ الأخلاقية التي يلتزم بها كدفاع. وأشار إلى أنه سيتشاور مع موكلتيه لاتخاذ الخطوات القانونية المناسبة، مؤكدًا أن الهدف الأساسي للطرف المدني لم يكن الحصول على تعويض مادي، حيث اكتفى في المرحلة الابتدائية بالمطالبة بدرهم رمزي، وإنما تمثل الهدف في الدفاع عن المال العام وتحقيق العدالة.

وفي تصريحاته، أوضح النقيب أن جميع المتهمين في الملف أشاروا، خلال التحقيقات أمام الشرطة القضائية وخلال جلسات المحاكمة، إلى تورط رئيس الجماعة. وأكدوا أنه أنشأ جمعيات وهمية للاستفادة من أموال الدولة بطرق غير قانونية. وأبدى أبو الزهور أسفه لعدم تدخل الجهات المانحة، رغم استماع الشرطة القضائية إلى مسؤوليها، مشددًا على أن هذا الموقف يعكس غياب الجدية في حماية المال العام من التبديد والاختلاس.

وأكد النقيب على ضرورة تدخل الجهات المختصة لتحريك مسطرة العزل في حق رئيس جماعة دمنات، الذي أدين ابتدائيًا واستئنافيًا بجنحة التزوير واستعماله. وأوضح أن التهم التي توبع بسببها الرئيس تعدّ من الجرائم الخطيرة التي تضعف الثقة في المؤسسات.

وأشار إلى أن رؤساء جماعات آخرين بالإقليم عُزلوا من مناصبهم رغم أن التهم المنسوبة إليهم لم تصل إلى مستوى خطورة التهم التي تلاحق رئيس جماعة دمنات.

وختم بالقول إن تعليمات الملك محمد السادس بخصوص الحكامة الجيدة للجماعات الترابية تقتضي التعامل بحزم مع مثل هذه القضايا، بما يضمن احترام مبادئ الشفافية والمساءلة، ويعزز الثقة في المؤسسات العامة.

من جانبه تساءل عبر عبدالرحمان الربوع، عضو حزب الاستقلال بدمنات، في تدوينة نشرها على حسابه بالفيسبوك: “هل ستسمح وزارة الداخلية باستمرار رعايا صاحب الجلالة تحت إدارة وتسيير رئيس محكوم بمثل هذه الجرائم المخلة بالشرف، دون تطبيق مسطرة العزل احتراما لكرامة المواطن الدمناتي؟ وهل يمكن لهذا الشخص أن يظل يمثل سكان المنطقة في مجلس جهة بني ملال خنيفرة، رغم طابع الإدانة الصادر بحقه؟”

وأضاف الربوع أن هذا الوضع يضع أيضا حزب الأصالة والمعاصرة أمام مسؤولية واضحة، خاصة وأن الشخص المعني يشغل منصب الأمين الجهوي للحزب، متسائلا عن موقف الحزب من هذه القضية، لا سيما في ظل تعهداته المعلنة بتطهير صفوفه من الفساد انسجاما مع مضامين خطاب صاحب الجلالة في هذا الشأن.

وتابع تساؤلاته: “هل ستترك وزارة العدل هذا الرئيس يتلقى إشهادات المواطنين باعتباره عدلا في نطاق محكمة استئناف بني ملال، وهو مدان في قضايا تتنافى مع مفاهيم الأمانة والنزاهة والشرف وفق منطوق الفصل 21 من القانون الجنائي؟”.

وفي السياق ذاته، علمت جريدة “العمق” أن المكتب الإقليمي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب بأزيلال قد وجه مراسلة إلى عامل الإقليم، تطالبه بتفعيل مسطرة العزل في حق رئيس جماعة دمنات. يأتي هذا الطلب على خلفية الأحكام القضائية الصادرة ضد الرئيس، والتي تتضمن عقوبات بالسجن النافذ والغرامة المالية، ما اعتبرته الجمعية مساسا بمصداقية المؤسسات المنتخبة وبقيم النزاهة التي يتطلع إليها المواطنون.

وأشارت الجمعية في مراسلتها إلى الأحكام القضائية التي تضمنت حكما ابتدائيا صادرا في فبراير الماضي وقضى بعقوبة الحبس الموقوف التنفيذ، قبل أن يتم تعديله في الاستئناف وجعل العقوبة الحبسية نافذة. واعتبرت الجمعية أن هذه الإدانة تمثل دليلا قاطعا على الإخلال بمبادئ الشفافية والقانون، مما يستدعي تدخل الجهات الوصية وفقا لمقتضيات القانون التنظيمي للجماعات.

وأضافت الجمعية أن استمرار رئيس الجماعة المدان في منصبه يُضعف الثقة في المؤسسات، معتبرة ذلك تنافيا مع التوجيهات الملكية التي شددت على محاربة الفساد وتجريم جميع مظاهره، كما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش. وأكدت أن الإبقاء على الشخص المدان على رأس ثاني أكبر جماعة بالإقليم يبعث برسائل سلبية ويؤثر على صورة الحكامة الترابية.

وفي سياق مرافعتها القانونية، استندت الجمعية إلى مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات، التي تتيح لعامل الإقليم إحالة طلب عزل الرئيس إلى المحكمة الإدارية إذا ثبتت مخالفته للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل. وشددت الجمعية على أهمية تفعيل هذا الإجراء لتعزيز المساءلة وضمان سير المؤسسات وفقا لمبادئ القانون.

وفي ختام مراسلتها، أكدت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان أن اتخاذ قرار بعزل رئيس جماعة دمنات من شأنه أن يعزز ثقة المواطنين في العملية الانتخابية والمؤسسات المنتخبة، كما يعكس التزام الجهات المعنية بتكريس سيادة القانون والحفاظ على المال العام، مشددة على ضرورة التحرك العاجل في هذا الملف لضمان احترام القوانين والمصلحة العامة.

يذكر أن  محكمة الاستئناف ببني ملال قد أصدرت قرارها في قضية رئيس جماعة دمنات وخمسة متهمين آخرين، المتابعين بتهم “تزوير محررات عرفية والمشاركة في ذلك واستعمالها”.

وقضى الحكم الصادر بـ”قبول استئناف الطرف المدني وقبول باقي الاستئنافات، وفي الموضوع تأييد الحكم المستأنف مبدئياً مع تعديله بجعل العقوبة الحبسية نافذة في مجملها”، كما حملت المحكمة جميع المتهمين الصائر مع الإجبار في الأدنى دون الثالث.

وكان الحكم الابتدائي قد أدان المتهمين بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم لكل واحد منهم، إلا أن محكمة الاستئناف رأت ضرورة تعديل العقوبة بجعل الحبس نافذاً، في خطوة تهدف إلى تعزيز الردع وضمان تطبيق القانون في القضايا المتعلقة بالتزوير.

وتوبع رئيس جماعة دمنات، الذي انتخب مارس من العام الماضي أمينا جهويا للبام بجهة بني ملال خنيفرة، بتهمة تزوير محررات عرفية واستعمالها، طبقا للفصلين 358 و359 من مجموعة القانون الجنائي.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • مواطن
    منذ 8 أشهر

    شكرا للقضاء على هذه الجدية في التعامل مع ملفات الفساد ،..الفساد السياسي و المالي الذي يعتبر اكبر تهديد لإستقرار مجتمعنا و مؤسساتنا ...ثم اين هو ذلك الحزب الذي صادق على مدونة الأخلاق في مؤتمره الأخير بل و قام بتنفيده على طول على البعض من أعضاءه ،حتى القياديين منهم ...السبب الآن أصبح واضحا فهذه المدونة لها إذا أهداف أخرى و هي مجرد لعب دور سيف " دموقليطس" كفى عبثا