الأسرة

آثار الخلافات الزوجية

للخلافات الزوجيَّة آثارٌ سلبيّة جدّاً على الأسرة، قد تكون أحياناً خطيرةً و مدمّرةً، و من هذه الآثار:

1. الطلاق:
يُعتبر الطلاق من أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجيَّة. وهو من الأمور المكروهة في الشرع المقدَّس. ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: “ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة.
وعن الإمام علي عليه السلام: “تزوّجوا و لا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش.
و للطلاق مفاسد كثيرة، منها: أنّه يمكن أن يغدو سبباً لضياع الأولاد على المستوى النفسيّ و المعنويّ و الاجتماعيّ؛ لأنّ الولد بحاجة دائمة إلى حنان الأمّ، و لا يمكن لأيِّ امرأةٍ أخرى أن تحلَّ محلَّ الأمّ في تربية الأطفال، و هو بحاجة ـ أيضاً ـ لظلِّ الأب الذي لا يمكن لأحد أن يعوِّضه بسهولة. هذا فضلاً عن الآثار النفسيَّة التي تطال روح الطفل جرّاء ما يشاهده من بُعْدِ أمِّه و أبيه، و الشُّعور بعدم الطمأنينة التي ينبغي أن تبعثها في نفسه الأجواء الهادئة في الأسرة المستقرّة.

1. العنف الأسري:
إنّ الخلافات الحادّة بين الزوجين غالباً ما تكون سبباً لبروز ما يُسمّى بالعنف الأسري، الذي يظهر من خلال استخدام العنف، و الاعتداء بالضرب، خصوصاً على الزوجة. و قد يصل الأمر في بعض الأحيان ليطال الأطفال أيضاً، حيث إنّ بعض الأزواج قد يُظهر توتّره من شريكه عبر ضرب أطفاله و التعامل السيء معهم.

أمّا الإسلام فلم يُجِزْ العنفَ في الأسرة، بل نهى عنه بشدّة، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و اله و سلم: “إنّي لأتعجّب ممّن يضرب امرأته و هو بالضرب أولى منها“. و عن الإمام علي عليه السلام في ما أوصى به ابنه الحسن عليه السلام: “و لا يَكُنْ أهْلُكَ أشْقَى النّاس بك”

3. المشاكل الاجتماعية:
إنّ الأسرة التي تعاني من تصدّع في أركانها، ستعاني الكثير من المشاكل الاجتماعية مع محيطها و خاصّة في ناحيتين أساسيّتين:
أ- مشاكل مع الأقارب: من الصعب جدّاً أن نفكِّك بين المشاكل التي تنشأ في البيت الزوجي و بين المشاكل العائلية، إذ غالباً ما تنسحب هذه المشاكل من داخل البيت إلى المحيط العائلي ليطال أقرباء كلٍّ من الزوجين أيضاً. فالمشاكل الزوجية غالباً ما تكون أرضية خصبة لتدخّلات الأهل و الأقارب القريبين و البعيدين، و هذا ما يؤدّي إلى تعقيد الأمور و زيادة الطين بلّة.

ب- مشاكل في العمل: المشاكل العائلية غالباً ما تكون سبباً لبروز المشاكل على الصعيد العملي و الوظيفيّ للإنسان. فالتوتّر العائلي سوف ينعكس على نفسية الإنسان، و بالتالي على استقراره الذهنيّ و المعنويّ، خصوصاً أوقات العمل التي يكون فيها الإنسان بأمسّ الحاجة إلى الصفاء و التركيز. و بطبيعة الحال، فإنّ مثل هذه البيئة المسبوقة بالقلق و التشنّج الفكريّ و النفسيّ لن تكون محيطاً يساعد على الإبداع و العطاء وجودة الإنتاج، بل على العكس تماماً سوف تؤدّي بيئة كهذه إلى الوقوع في مشاكل كثيرة قد لا تُحتمل أحياناً.

إذن، المشاكل الاجتماعية الناتجة عن المشاكل الزوجية أمر واقع لا يمكن تجاهله، و هي سرعان ما تظهر عند حصول الخلافات داخل الأسرة، و هذا ما يدلّنا على أنّ وضع الأسرة مرتبط بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً و قويّاً.

وسائل علاج الخلافات بين الزوجين
حينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج، إنّ أهمّ ما يُطلب في المعالجة هو الصبر، والتحمّل، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول والتفاوت في الطباع، مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور. فقد لا تكون المصلحة والخير دائماً في ما يحبّ الإنسان ويشتهي، بل قد تكون المصلحة والخير على عكس ما يرغب أو يظنّ: ﴿وَ عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَ يَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِير).
لذا، ينبغي على كلا الزوجين أن ينظرا إلى الحياة الزوجية والخلافات الناجمة عنها نظرة واقعية بعيداً عن الأحلام والأماني الوردية، ويحاولا الاستفادة من هذه الخلافات للانطلاق في حوار هادئ وبنّاء يؤسّس لعلاقة وطيدة بين الزوجين؛ ليكشف ما يجهله كلّ منهما عن الآخر، إذ غالباً ما تكون مشاكل كهذه عاملاً مهمّاً من عوامل الحوار والتفاهم، شرط أن يحسن الإنسان التعامل معها والاستفادة منها.

و من الأساليب الإيجابية النافعة في حلّ الخلافات و المشاكل الأسريّة:
1. التنبّه إلى طريقة التكلّم:
لا شكّ أنّ الكلمات الحادّة، و العبارات العنيفة، لها صدى يتردّد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف الذي عادة ما يُخلّف وراءه الجروح و الندوب النفسية و العاطفية التي تتراكم في النفس شيئاً فشيئاً. روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و اله و سلم أنّه قال في اللسان الذي لم يتقيّد بأوامر الشرع و نواهيه: “إن كان في شيء شؤم ففي اللسان“.

و هذه ليست دعوة للصمت و السكوت؛ لأنّهما حلّ سلبي و مؤقّت لمعالجة الخلافات و المشاكل, إذ سرعان ما سوف يثور البركان مجدّداً عند دواعيه, و عند أدنى اصطدام. بل ينبغي الكلام و فتح باب الحديث و النقاش المتبادل بعد اختيار الزمان و المكان المناسبين، و بعد مراعاة الظروف المناسبة. و الأهمّ من ذلك كلّه التنبّه لطريقة الكلام عند بدء الحديث، فلا يصدر منّا ما يؤذي الطرف الآخر أو يُسيء إليه. و الأهمّ في هذا كلّه الابتعاد عن الغضب، وترك الجدال و المراء و اللغو في الكلام؛ لأنّها تورث العداوة و البغضاء، و لا تحقّق الهدف المرجو من النقاش. روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و اله و سلم: “ثلاث من لقي الله عزّ و جلّ بهنّ دخل الجنّة من أيّ باب شاء: من حسن خلقه، و خشي الله في المغيب و المحضر، و ترك المراء و إن كان محقّاً“. و ذُكر الغضب عند الإمام أبي جعفر عليه السلام فقال: “إن الرّجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل النّار، فأيّما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك؛ فإنّه سيذهب عنه رجز الشّيطان، و أيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإنّ الرّحم إذا مُسّت سكنت“.

2. الابتعاد عن الأساليب غير المجدية:
ينبغي الابتعاد عن الأساليب التي قد ينتصر بها أحد الطرفين على الآخر، لكنّها في المقابل تعمّق الخلاف بينهما و تجذّره؛ كأساليب التهكّم والسخرية، أو الإنكار و الرفض، أو السباب والشتائم. قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لمحمد بن الحنفية في مداراة المرأة: “إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلّ حال، و أحسن الصحبة لها؛ فيصفو عيشك“. وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ رجلاً من بني تميم أتى النبي صلى الله عليه و اله و سلم فقال أوصني، فكان في ما أوصاه أن قال: لا تسبّوا النّاس فتكتسبوا العداوة بينهم“.

3. عدم اتّخاذ القرار إلا بعد دراسته:
فلا يصلح أن يقول الزوج في أمر من الأمور “لا”، أو “نعم”، ثمّ بعد الإلحاح عليه يغيّر قراره. أو أنّه يعرف خطأ قراره فيلجأ إلى اللجاجة والمخاصمة. فمثل هذه الأساليب تُفقِد كل من الزوجين المصداقية والهيبة وحسن الظنّ بالآخر وبقراراته. لذا، ينبغي قبل اتّخاذ أيّ قرار أو موقف تقييمه ودراسته بشكل جيّد، وذلك ممكن عبر اتّباع مجموعة من الخطوات أهمّها:
• تفهّم حقيقة الأمر، هل هو خلاف عميقٌ أم أنّه سوءُ فهمٍ فقط؟ فالتعبير عن حقيقة مقصد كلِّ طرف وعمَّا يزعجه أو يؤذيه بشكل واضح ومباشر، يساعدُ كثيراً على إزالة سوء الفهم. فربما لم يكن هناك خلاف حقيقي، وإنّما مجرّد سوء في الفهم يمكن تجاوزه؛ بإشارة أو توضيح بسيط.
• الرجوع إلى النفس ومحاسبتها ومعرفة تقصيرها، فقد يكون أصل المشكلة سببه ذنب أو معصية وتجاوز الحدود الإلهية التي نصّ عليها الشرع الأنور، ثمّ انعكس في العلاقة مع الشريك. والحلّ عندها يكمن في الإنابة والتوبة إلى الله تعالى وطلب المسامحة، ثمّ طلب المسامحة من الشريك.

• تطويق الخلاف و حصره من أن ينتشر بين الناس أو يخرج عن حدود أصحاب الشأن، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود“. و عنه صلى الله عليه و اله وسلم: “استعينوا على الحوائج بالكتمان“

• تحديد موضع النزاع والتركيز عليه، وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو تجاوزات سابقة، أو فتح ملفّات قديمة؛ ففي هذا توسيع لنطاق الخلاف.
• أن يتحدّث كلّ واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها، ولا يجعل فهمه صواباً غير قابل للخطأ، أو أنّه حقيقة مسلّمة لا تقبل الحوار ولا النقاش، فإنّ هذا قاتل للحلّ في مهده.
• عند بدء الحوار يستحسن ذكر نقاط الاتّفاق، فطرح الحسنات والإيجابيات والفضائل عند النقاش ممّا يرقّق القلب، ويُبعد الشيطان، ويُقرّب وجهات النظر، ويُيسّر التنازل عن كثير ممّا في النفوس. قال تعالى: ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وخصوصاً الزوجة إذا كانت ليّنة الجانب، فالزوج سرعان ما يفيء إلى لطفها. وقد ورد في الروايات في الصفات المرغوبة في المرأة قول الإمام الرضا عليه السلام: “أَنَّ كِبَرَ الدَّارِ مِنَ السَّعَادَةِ، وَكَثْرَةَ الْمُحِبِّينَ مِنَ السَّعَادَةِ، وَمُوَافَقَةَ الزَّوْجَةِ كَمَالُ السُّرُورِ“.
• جرّ النزاع إلى منطقة العفو والتسامح، فمعظم الأخطاء التي تحصل في الحياة الزوجيَّة هي أخطاء يمكن التعامل معها، بل وتصحيحها، بل قد ينجح الزوج أو الزوجة في تحويل الطرف الآخر من شخص شرّير إلى ملاك إن استطاع أن يستخدم كيمياء المحبّة المناسبة. وبوابة هذا الأمر، ترك العتاب والتذكير بالعيوب، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه: “ما سئل عن شيء قط فقال لا، ولا عاتب أحداً على ذنب أذنبه“. ومن المهمّ أن يبادر أحد الطرفين بسرعة إلى التحرّك بلطف ومحبّة، والإصرار على طي صفحة الخلاف، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “خير نسائكم التي إن غضبت أو أُغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني“