سياسة

نور الدين: الجزائر تمارس سياسة “النعامة والأسد”.. والمغرب أمام فرصة ذهبية لتصحيح أخطاء الماضي

قال الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نورالدين، إن استدعاء الجزائر لسفيريها في مالي والنيجر، واستخدامها لغة غير مسبوقة ضد الدول الثلاث، خاصة مالي، في بيان وزارة خارجيتها “سلوك مرضي” يكشف عن عقد الجزائر التاريخية والسياسية والحضارية، وإسقاط تلك العقد على جيرانها من خلال محاولاتها لـ”الهيمنة والابتزاز والتهديد”، مشيرا إلى أن الجزائر يصدق فيها “نعامة على فرنسا وأسد على مالي والنيجر”.

وكانت باماكو قد اتهمت الجزائر بإسقاط طائرة مسيرة رغم عدم اقتحامها الأجواء الجزائرية، وهو ما دفع مالي بوركينافاسو والنيجر لسحب سفرائها من الجزائر، حيث سبق لهذه الأخيرة الإعلان في فاتح أبريل الجاري إسقاط طائرة استطلاع مسلحة بدون طيار، قالت إنها اخترقت مجالها الجوي.

أسد ونعامة

وقررت الجزائر إغلاق مجالها الجوي أمام طائرات دولة مالي، في سياق التصعيد الدبلوماسي بين البلدين، على خلفية اتهام الأخيرة لها بدعم الإرهاب الدولي، حيث أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية في بلاغ نشرته مساء أول أمس الإثنين، أن الجزائر قررت غلق مجالها الجوي أمام مالي. ومن منطلق المعاملة بالمثل وردا على القرار الجزائري، قررت مالي إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الجزائري، في خطوة تصعيدية جديدة بين البلدين.

وأوضح أحمد نورالدين ضمن تصريح لجريدة “العمق” أنه “في الوقت الذي رفع فيه نظام الجزائر الراية البيضاء أمام فرنسا دون أن تغير باريس شيئا من أسباب القطيعة التي دفعت الجزائر إلى سحب سفيرها وإصدار بلاغات وتهديدات عنترية، نراها تسارع إلى قطع الأجواء على الطيران المدني في مالي، وتعتدي على سيادته وحوزته الترابية بإسقاط طائرة داخل المجال الجوي المالي وتستعمل معه في بلاغات رسمية لغة التهديد والترهيب. وهذا يؤكد للمرة الألف أنّ الجزائر تتعامل باحتقار وتعالي واستكبار ورغبة في الهيمنة على دول الساحل من خلال أدوات الابتزاز والإرهاب والانفصال والجريمة المنظمة، بينما تخضع بدون شروط لفرنسا وإسبانيا وتعيد سفراءها دون أن تحصل على أي شيء مهما قلّ او كثر، وفق تعبيره.

وبخصوص التأثيرات المحتملة لهذا التصعيد على استقرار المنطقة، وحول ما إذا كان هذا التصعيد الجزائري سيدفع مالي نحو الاعتراف بمغربية الصحراء، أوضح المتخصص في ملف الصحراء، أن المنطقة دخلت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار منذ 2012 وليس الآن فقط، والآليات التي استعملت لوقف الانهيار بما فيها بعثة “منوسما” التابعة للأمم المتحدة وعملية “برخان” الفرنسية أثبتت فشلها عسكرياً، بل ساهمت بشكل أو بآخر في تفكك مالي وصعود الجماعات المتطرفة والانفصالية سواء بشكل إرادي او غير إرادي.

وسجل الباحث في العلاقات الدولية، أن الدور التخريبي للجزائر إلى جانب الأيادي الأجنبية الأخرى أصبح واضحاً ومؤكداً من خلال تصريحات وبلاغات الحكومة المالية التي تتهم بشكل رسمي الجزائر باحتضان الحركات الإرهابية والانفصالية التي تضرب استقرار مالي ودول الساحل، انتهاء بإسقاط الطائرة المسيرة داخل المجال الجوي لمالي، وهو انتهاك صارخ لسيادتها فضلا عن طبيعته الإرهابية.

فرصة ذهبية 

وأشار نورالدين إلى أن هذا ليس جديداً، فالجزائر دفعت بالجماعات المسلحة إلى دول الساحل، حيث نجد معظم التنظيميات الإرهابية في تلك المنطقة أسسها أو كان يقودها جزائريون من أمثال عبد المالك درودكال وخلفه أبو عبيدة العنابي بالنسبة لتنظيم “القاعدة”، أو المختار بلمختار الملقب بالأعور بالنسبة لتنظيم “الموقعون بالدم” والذي اندمج فيما بعد مع تنظيم “الجهاد والتوحيد” وغيرها من التنظيمات التي زرعت الفوضى والإرهاب، ونشرت الرعب والقتل وتسببت في التهجير لآلاف المدنيين في الدول المنتمية لفضاء الساحل والصحراء.

وشدد الخبير ذاته على أن على المغرب اليوم أن يستفيد من أخطاء الماضي وينزل بكل ثقله في دول الساحل الثلاثة عسكريا واستخباراتيا واقتصاديا وثقافيا لدعمها في مواجهة الأدوار التخريبية التي تقوم بها الجزائر لنشر الفوضى في المنطقة. وقال: “لذلك يجب أن نغادر مقاعد المتفرجين قبل فوات الأوان، وأن نتعاطى مع هذه الدولة بحزم لتفكيكها وتحييد خطرها بشكل نهائي وإلى الأبد”.

وأوضح المتحدث ذاته، أن المغرب لديه اليوم فرصة ذهبية لإنشاء تحالف عسكري واقتصادي مع دول الطوق في الساحل لمحاصرة الدولة المارقة في المنطقة أولا وعزلها ثانياً ومن ثم الانتقال في خطوة ثالثة إلى مستوى المنظمات القارية والدولية لاستصدار عقوبات إفريقية ودولية ضدها، بتنسيق وتعاون مع كل حلفائنا الأفارقة والخليجيين وغيرهم، مسجلا أن المغرب “أمامه فرصة حقيقية وتاريخية وله رصيد من الثقة لدى الدول المعنية يؤهله للقيام بدور محوري، وهذه الدول هي التي تطالب المغرب بشكل رسمي بدعمها ومساعدتها على تخطي محنتها عسكريا واقتصاديا. أما الاعتراف بمغربية الصحراء من طرف مالي فقد اصبح واقعا ملموسا منذ سنوات”.

أما بخصوص تأثر خط الغاز الجزائر-نيجيريا بالتوترات الدبلوماسية، قال نور الدين إن “هذا المشروع ولد ميتاً منذ بدايته وليس بحاجة إلى الأزمة الحالية لقتله بل لدفنه فقط. وهذا المشروع من نوع أحلام اليقظة في غياب الشروط الموضوعية والسياسية والأمنية، لافتا إلى أن المناطق التي يعبرها تنشط فيها حركات إرهابية في شمال نيجيريا مثل بوكو حرام وغيرها. والنيجر أصبح منتجا للنفط منذ مدة وبالتالي ليس بحاجة ماسة إلى هذا الأنبوب ولا يشكل بالنسبة إليه مشروعاً حيوياً عكس أنبوب نيجيريا المغرب الذي يشكل رافعة حقيقة للاندماج الاقتصادي والصناعي لدول “سيدياو” وهي بحاجة إليه لتحسين الربط الكهربائي لحوالي 200 مليون مواطن في 13 بلداً تقريباً.

وخلص الخبير في العلاقات الدولية، إلى أن دواعي نفض الغبار عن المشروع الجزائري لأنبوب الغاز ليست اقتصادية بل تدخل في نطاق معاكسة المغرب وضرب مصالحه الاقتصادية فقط. مضيفا “لذلك لا يمكن لدول تحترم نفسها سواء دولتا العبور نيجيريا والنيجر أو الجهات الممولة أن تجاري الجزائر في حماقاتها، فالمشاريع الاستراتيجية لا تمليها المعاكسات بل الجدوى الاقتصادية والعائد من الاستثمارات والأرباح وتحقيق الاندماج الإقليمي وليس تأجيج الصراعات ونشر الفوضى”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • مراد
    منذ 4 أشهر

    هل من مجيب لاستدراك الأخطاء الماضية، والاستفادة من الأوضاع الراهنة واستغلال كل الفرص وجميعها، الاكتفاء بالدفاع والتصدي للهجومات المتوالية لا تجدي نفغا