وجهة نظر

المغرب.. مكب النفايات الجديد

في سنة 2008 قام سكان مدينة نابولي الإيطالية بالاحتجاج مطالبين بحل أزمة النفايات التي أغرقت شوارع المدينة والمنطقة المحيطة بها بحوالي 110 ألف طن من النفايات. ما جعل السلطات تتحرك لحل الإشكال المطروح حيث تم تكليف رئيس الشرطة السابق “جياني دي جينارو” بمهمة تخليص المدينة من النفايات بمساعدة قوات الجيش. كما هدد “الاتحاد الأوروبي” بمعاقبة إيطاليا إن استمر هذا المشكل لأنها “تعرض البيئة للضرر” و”صحة المواطنين والسياح للخطر”.

من المؤكد أن مشكل النفايات ليس جديدا، كما أنه ليس متعلقا بإيطاليا وحدها، بل يخص كافة الدول الصناعية، باعتبار أن له علاقة بمخلفات المصانع بالخصوص، إضافة إلى المخلفات المنزلية.

لتجاوز هذه الأزمة قامت الدول الغربية بعقد اتفاقيات مع دول (العالم الثالث)، قصد نقل نفاياتها إليها، حيث تتكفل هذه الأخيرة بحرقها مقابل بضعت ملايين. تتم هذه الإجراءات لأجل إبعاد الضرر عن الغربيين، حتى ولو كلان على حساب جلبه للمستضعفين.

بعد أيام قليلة من إعلان بدء حملة “زيرو ميكا” الهادفة إلى منع استعمال الأكياس البلاستيكية نهائيا، بداعي أنها مضرة، حطت البواخر الإيطالية في السواحل المغربية محملة ب2500 طن من النفايات لإحراقها في مدينة الجديد بعد أن عجزت روما عن ذلك. بعدها مباشرة سارت فرنسا على خطى جارتها وقامت هي الأخرى بإرسال 3300 طن من النفايات إلى المغرب للتخلص منها، وسط لا مبالاة من طرف (المسؤولين) بالأضرار الناتجة عنها على المواطن والبيئة، في ظل هذا الوضع لن نتفاجأ من قدوم بواخر أخرى للمغرب محملة بنفايات من دول غير إيطاليا وفرنسا.

من خلال تناولنا لهذا الحدث، لابد من ذكر بعض النقاط المهمة والتي لا يجب إغفالها.

أولا: لابد لنا أن نعي جيدا أن مشكل “النفايات وكيفية التخلص منها” في الدول المتقدمة قد اختمر لعشرات السنين، فعمره هو عمر المصانع، فهي تخلف كميات كبيرة من النفايات الخطيرة على الإنسان والبيئة، لذلك كان عليهم التخلص منها، بداية كانت تطمر في أراضي نفس البلدان لكن بسبب أضرارها، بدأ نقلها إلى بلدان أخرى، وغالبا كانت تنقل في سرية من طرف “المافيا” -التي تجني أموال طائلة من وراء ذلك- إلى عدة بلدان، مثل المغرب.

ثانيا: وكما قلت فالمغرب ليس الأول، فقد سبقته لذلك عدة بلدان من أسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، مثل السودان التي استقبلت نفايات اليونان سابقا، والصومال التي كانت وجهة للنفايات “النووية” الأمريكية، كما كانت لبنان والعراق وغيرهم مطبا للنفايات الأوروبية، وقد أشارت منظمة السلام الأخضر “غرينبيس” في دراسة سابقة لها، أن هناك 115 شحنة نفايات نووية سامة قد أرسلت في العقد الأخير من القرن الماضي إلى دول من إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

ثالثا: نظرة الغرب لدول (العالم الثالث) لم تتغير، فلا زال يرى فيها “أبقارا حلوبا”، أي أن نظرته مصلحية تماما، هذا ما يجعله يلجأ إليها للتخلص من نفاياته بعد ضغط المنظمات البيئية. يمكن تشبيه تعامل الغرب مع هذه البلدان بتعامل أي إنسان مع حاوية القمامة، الفرق الوحيد هو أن الغرب لا يفرغ الحاوية بعد ملئها لعيد استعمالها، بل يغيرها، من هنا فإن المغرب هو حاوية جديدة، وحين تمتلئ سيتركها.

رابعا: هذا التعامل لم يكن ليتم لولا مباركة المسؤولين في بلدان (العالم الثالث)، وهذا ما يتعلق بالمغرب كذلك، فهناك صفقات غير التي أعلن عنها -بشكل مبهم- من طرف وزارة البيئة، تعقد في الخفاء، حيث تدخل بمقتضاها أموال لمن يقف وراءها وتجلب الضرر للشعب والبيئة، وهذا ما يفسر بوضوح تام السبب الحقيقي وراء حملة “زيرو ميكا”، والذي تقف وراءه الشركات المصنعة “للأكياس البديلة”.

ما أثار انتباهي أن وزارة البيئة قالت أن “النفايات التي رخصت باستيرادها غير مضرة”، ولا أدري أفي القنافذ أملس ؟، لو أنها ليست ضارة لبقيت في إيطاليا، ولما احتجت المنظمات البيئية والجموع الغاضبة التي كان من بينها نساء يرفعن صور أبنائهن الذين توفوا بسببها، ولما عاقبها الاتحاد الأوروبي بذريعة التسبب في الخطر للبيئة والإنسان، وهذا “رفائيل دل جوديس” من جمعية البيئة في تصريح سابق له، يؤكد أن نفايات نابولي سامة :”ربع النفايات السامة والكيماوية التي ينتجها شمال إيطاليا يتم نقلها إلى الجنوب”.

هناك أمر آخر يجب أن نشير له، فإيطاليا مثلا، نقلت مخلفاتها (للعالم الثالث) بفعل الضغط الذي مارسته الجمعيات البيئية، إلى جانب ضغط الرأي العام عموما.

الضغط أجبر الحكومة على إيجاد حلول سريعة لأزمة النفايات، فكان من ضمن الحلول نقلها خارج البلد ليتم حرقها، وبما أن المغرب من البلدان المستقبلة لها، أتساءل ببراءة، أليست هناك جمعيات بيئية في البلد تضغط هي الأخرى على من يقف وراء هذا ؟

إن العالم الثالث والعالم (العربي) من ضمنه، يعد مكبا للنفايات الغربية، وهذه الأخيرة لا تقتصر على القمامة فقط، بل هناك نفايات أخرى خلفها الاستعمار وراءه، وهي الفساد والاستبداد، وما دامت موجودة .. فلا عجب أن تأتي النفايات بالنفايات.