وجهة نظر

بين أن تلعب لمنتخب بلدك وأن تلعب لبرلمان وطنك

ولو أنني لست مهتما بآداب و علوم كرة القدم كما تم تنقيحها و تتميمها و تسويقها منذ سنوات، إلا أنني أجدني مضطرا للإغتراف من “ثقافة” كرة القدم لأنه يجمعها بلعبة أخرى، تسمى اللعبة السياسية، قواسم مشتركة عديدة، مع فارق عريض في قدرة كل منهما على صناعة مستقبل البلد و صون كرامة مواطنيه و إدخاله نادي الدول المتطورة.

في كرة القدم المرتبطة بصورة المغرب الخارجية، أعني في الإقصائيات الممهدة لكأس إفريقيا القارية، و كأس العالم، يتجند الكل و يتابِعُ الجمهور و ينخرط الجميع، و تتدخل أعلى السلطات في البلد من أجل اختيار من يدرب و من يلعب، و يتم المناداة على أجود اللاعبين ذي الأصول المغربية من أجل الإنضمام للفريق المغربي و التحمس للدفاع عن القميص الوطني، مقابل راتب شهري مكوكي للمدرب الفِرِنساوي و علاوات سخية، بل أسطورية لكل من يدحرج كرةً جلدية باسم المغرب.

تلك النخبة المكونة من أحد حشر لاعبا فوق الميدان، و بضعة آخرين على مقاعد الإحتياط، و طاقما طبيا، وهي نخبةٌ مُعينة (بقرار التعيين) و ليست منتخبة كما يوحي إسمها أو إسم ناخبها الوطني (كخوصي فاريا …أوهنري رونار)،يترك دائما نصرها، أو هزيمتها على حد سواء، ضجة قوية و رجة مُزلزلةً في كل بقاع الوطن، بل تتجاوزها إلى بلدان المهجر حيث تنخرط الجالية المغربية في اللعبة من خارج الحدود فتارة تعبر عن سعادتها بالفوز، و أحياناً تبدي أسفها للهزيمة أو التعادل.

سقف الإستحقاق الكروي طبعاً جِدُّ محدود، و يعود نفعه على فئة ضيقة و محدودة، و هو سرعان ما ينطفئ و يخبو بمجرد مرور أيامٍ معدودات. وكونه سيئاً أو جيداً لا يغير في أمر أو صورة الوطن شيئاً، و هو لا يقبل بأكثر من فائز في كل التظاهرات، ونجد من بين الدول المتطورة من لم يحقق فيه أي إنجاز كاليابان و الولايات المتحدة و كندا الدانمارك و السويد و الهند و تركيا… لكن رغم ذلك نجد أن الدولة المغربية تبذل في سبيله كل غالٍ و نفيس، ومع ذلك تكون النتيجة دائمة محبطة و مخيبة للآمال.

مقابل هذا ماذا تفعل الدولة المغربية من خلال قوانينها و أحزابها و نقاباتها عندما يتعلق الأمر بفريق برلماني من 395 نائبا “تفوضه الساكنة” لكي يرسم المغرب الذي يطمح إليه الجميع؟ برلمانٌ تنقل وقائع جلساته الكاميرات الوطنية و أحياناً مثيلاتها الأجنبية؟ نواب يصوغون مشاريع القوانين ويقترحون المبادرات و يرافقون لجن التقصي و القوافل البرلمانية، و يساهمون في نهضة دوائرهم و وطنهم؟

في هذا الصدد لا تفعل الدولة شيئاً. الباب مفتوحٌ على مصراعيه لكل من هبَّ من كومة المال و دب في دروب الرشاوى. لا يضر أن يكون لصاً و لا مصاصا للدماء و لا مُتملصاً من ضرائب، و لا جاهلاً بأدبيات التواصل، و لا فاقداً لفكر أو مشروع، و لا أُمِّيّاً بالمطلق.

الوضعية التي ظل عليها البرلمان المغربي و الطرق التي كانت تضعها تشريعاته رهن إشارة المتنفذين لولوجه طيلة عشرات الإنتخابات التشريعية، ساهمت بشكل مباشر في الوضعية و الحال الذي انتهى إليه المغرب لحدود اللحظة، و أنتج ظواهر غريبة و شاذة. ولولا الحيوية الجديدة و النموذج الجديد الذي استنبته نواب و مستشاري العدالة و التنمية، رفقة شرفاء آخرين من أحزاب أخرى، منذ تاريخ أول مشاركة سياسية له، لكان الوضع أسوأ مما نتوقع.