أخبار الساعة، مجتمع

من موظف جماعي إلى “عراب” الشواهد.. هكذا بنى قيلش “مافيا أكاديمية” داخل الجامعة المغربية

الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بجامعة ابن زهر بأكادير أحمد قيلش

في واحدة من أبرز قضايا الفساد التي ضربت التعليم العالي في المغرب، مؤخرا، كشفت معطيات حصلت عليها جريدة “العمق” عن تورط الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بجامعة ابن زهر بأكادير أحمد قيلش في تنظيم شبكة وصفت بأنها “مافيا أكاديمية”، تخصصت في التلاعب بولوج سلك الماستر، وتقديم شواهد جامعية مقابل المال، النفوذ، أو الولاءات العائلية، قبل أن يُودع السجن المحلي الأوداية بمراكش بأمر من قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال.

من الطرد بتهم التحرش إلى صناعة شبكة “الدبلومات”

مسار أحمد قيلش، منسق ماستر “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية” بكلية الحقوق بأكادير، لم يكن عاديا، حيث بدأ حياته المهنية موظفا بجماعة الدار البيضاء، قبل أن ينتقل إلى الكلية متعددة التخصصات بآسفي، التابعة لجامعة القاضي عياض، حيث أمضى 6 سنوات أستاذا هناك انتقل فيها بين منسق لشعبة القانون ثم منسقا للإجازة المهنية في القانون الدولي.

لكن مقامه بآسفي لم يدم طويلا، إذ سرعان ما تحول إلى موضوع شكايات عديدة، تتهمه بالتحرش الجنسي بطالبات، وبالابتزاز واستغلال السلطة في تعامله مع الطلبة، كما كان موضوع وقفات احتجاجية قادتها فصائل طلابية داخل الحرم الجامعي، وشكايات وُضعت لدى الجهات الأمنية، غير أنها حُفظت في ظروف غامضة، لينتهي به المطاف مطرودا من الجامعة.

وفي سنة 2013، حط قيلش الرحال بكلية الحقوق في أكادير، حيث استُقبل آنذاك بتحفظ ورفض صامت من طرف عدد من الأساتذة بسبب سوابقه، إلا أن رئاسة الجامعة وافقت على تعيينه أستاذا للقانون الخاص الدولي، لتبدأ صفحة جديدة من النفوذ ونسج العلاقات داخل المؤسسة.

ماستر على المقاس: زبناء من القضاة والمحامين والمسؤولين

لم يضع قيلش كثيرا من الوقت بعد تعيينه أستاذا بأكادير، حيث سرعان ما أسس ماسترا في “المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية”، الذي تحول لاحقا إلى بوابة ذهبية لتمرير شواهد وتسجيلات مشبوهة لفائدة شخصيات نافذة، أبرزهم محامون، قضاة، نواب وكيل الملك، وأبناء مسؤولين سياسيين وأمنيين.

وكشفت وثيقة حصلت عليها جريدة “العمق”، خيوط شبكة دقيقة التنظيم، تقوم على تسجيل أقارب وأصدقاء و”زبناء” الأستاذ داخل الماستر والدكتوراه، في خرق واضح لمبدأ تكافؤ الفرص، بل إن التسجيلات تمت في حالات كثيرة دون مباريات أو شروط علمية واضحة، بل إن معطيات موثوقة تؤكد أن عددا من المستفيدين من تلك الشهادات لم يسبق لهم حضور الدروس.

فمن “ح ب”، الموظف العمومي الذي كان يشتغل داخل الكلية ويتدخل في قرارات التكوين لفائدة شقيقته “ل ب”، إلى “و م” التي نالت شهادة الماستر لتُمهد الطريق لشقيقها المحامي المتمرن “أ م”، إلى “ر ج” المحامي الذي كان يُحضّر الدكتوراه عند قيلش وسجّل قريبه “ع ج”، تتكرر الخطة ذاتها؛ قرابة عائلية + علاقة ولاء = ولوج مضمون.

وتشمل الشبكة أيضا مستشارين جماعيين وموظفين في المحاكم ورجال أعمال وحتى أبناء أعيان الصحراء، حيث كشفت الوثيقة التي حصلت عليها الجريدة عن اسم أزيد من 30 شخص، تم ذكرهم بالتفاصيل الكاملة ومعلوماتهم الشخصية. بل إن المعطيات تفيد بوجود حالة تبادل غير مألوف بين الأساتذة، حيث تم تسجيل زوجة قيلش في ماستر يُنسقه أستاذ آخر، بينما تم تسجيل زوجة هذا الأخير في ماستر قيلش، في ما يشبه “صفقة لتبادل الامتيازات”.

سقوط “العرّاب” بعد سنوات من الحماية

لسنوات طويلة، تمكن أحمد قيلش من النجاة من الملاحقة رغم تواتر الشكايات ضده، وذلك بفضل نسجه لعلاقات مع محيطه القضائي والأمني والسياسي. لكن مع توالي الشكايات منذ سنة 2019، انطلقت تحركات جدية للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، انتهت أخيرا باعتقاله، بعد الاستماع إلى عدد من المشتبه فيهم وإحالة الملف على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش.

الاعتقال لم يطل قيلش وحده، بل شمل محيطه؛ زوجته المحامية، ابن موظف في المحكمة الابتدائية بآسفي، وعدد من المنتسبين إلى القضاء والمحاماة الذين وُضعوا تحت المراقبة القضائية، في انتظار استكمال التحقيق.

وفيما لا تزال التحقيقات جارية، أثار موضوع اعتقال قيلش جدلا واسعا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طرح هؤلاء أسئلة جوهرية حول مدى مصداقية الشواهد الجامعية المتحصَّل عليها داخل بعض التكوينات، وما إذا كانت هذه الشهادات ثمرة مسارات علمية حقيقية أم مجرّد أوراق مغلّفة بمظاهر أكاديمية تُمنح مقابل الولاءات والصفقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • بدر الدين
    منذ شهرين

    مصيبة المغرب هو الحماية التي يتمتع بها بعض المسؤولين الفاسدين و صعودهم المتتالي في المناصب رغم فضح فسادهم و استنكار تصرفاتهم من طرف الشعب و الإعلام .

  • أبو معاذ
    منذ شهرين

    للأسف هناك إمعان في إهانة العلم والمعرفة، مقابل إشادة بالفن والتفاهة، الإعلام يركز جهوده على التفاهة، يشجع على الغناء، على الكوميديا، على المسرح، على التمثيل، على الرياضة، أما العلم وأهله فقد تم تسليمه للفاسدين والجاهلين، يلعبون كما يشاءون بالشواهد والنقط والجنس، هل هي إرادة سياسية تريد السير في منحدر التخلف، أم هي خفافيش الظلام تتربص بهذا البلد، أم هي أيادي صهيونية تحرك خيوط اللعبة، لا ندري، لكن الظاهر أن هناك إهمالا واضحا للبحث العلمي في هذا البلد، وأن هناك سطوة للجهال والمفسدين في كل الهياكل التعليمية، وأن الكفاءات تحس كأنها أيتام في مأدبة اللئام.

  • غير معروف
    منذ شهرين

    الفساد موجود في كلية متعددة التخصصات في اسفي قبل . هناك كانت البؤرة الرئيسية للفساد الاداري وخاصة بيع وتزوير النقط والشهادات .البابلو ايسكوبار في تزوير النقط مصلحة الشؤون الطلابية و العميد السابق .

  • Louis
    منذ شهرين

    درسة في هذه الجامعة من 2012 حتى 2017 جامعة فاسدة و نعلم ما يجري في هذه الجامعة من فساد ورغم الشكايات لا يتحرك أحد...تخرجت من هذه الجامعة بعد معانات كبيرة...ولا حول ولا قوة بالله العلي العظيم....

  • قطاع التعليم العالي
    منذ شهرين

    من بين افسد القطاعات هو قطاع التعليم العالي أساتذة اقل ما يقال عنهم دون المستوى لا مقالات لا محاضرات فقط العجرفة و البلادة مما يطرح العديد من التساؤلات حول طرق حصولهم على كذا مناصب. لك الله يا وطني

  • امازيغي حر
    منذ شهرين

    مقال ممتاز لكن ينقصه الاشارة الى الهيئة السياسية التي ينتمي اليها لان معظم اعضاء ماكان يسمى بالاحزاب الادارية انتهازيون وصوليون ياتون الى هذه الاحزاب التي تمنح التزكيات لكل من هب ودب اقول كل هؤلاء هدفهم مصالحهم زائد النهب والتسلط بقي ان اشير الى ان معظم الكليات مليئة بنماذج بني قيلش وال قيلش تجد الاب والزوجة والابن والابنة وابناء الاعمام والاخوال والاصهار كلهم اساتذة جامعيون في نفس التخصص لك الله ياوطني ولك يامواطن.

  • جمال
    منذ شهرين

    العدد اكبر من دلك بكثير حيت يرجح ان الكتير ممن ولجو هيئة المحامات باكادير قد اشترو هده الشواهد العليا لدلك وجب تعميق التحقيقات في هدا الاتجاه .

  • غير معروف
    منذ شهرين

    العدد اكبر من دلك بكثير حيت يرجح ان الكتير ممن ولجو هيئة المحامات باكادير قد اشترو هده الشواهد العليا لدلك وجب تعميق التحقيقات في هدا الاتجاه .

  • متتبع
    منذ شهرين

    في سنة 2019 بالتحديد اطلق مركز (نتحفظ لذكر اسمه ) بكلية الحقوق بجامعة ابن زهر مسابقة على اساس انها ستكون سنوية لكن كانت الاولى والاخيرة لاختيار احسن اطروحة لنيل الدكتوراه تمت مناقشتها في القانون الخاص تقدمنا حسب شروط المسابقة بارسال نسخة من البحث والوثائق المطلوبة علما اننا حصلنا على الشهادة بمشرف جدا لكن هذا لايهم وعند اعلان النتائج فوجئنا ان الفائز هو استاذ باحث بنفس الكلية وهذا فعلا ضرب لمصداقية المسابقة وتم نسيان هذا الامر لحدود ما طفت على السطح هذه الكوارث بالكلية وبالخصوص شعبة القانون الخاص

  • فهمي
    منذ شهرين

    مسألة الحفظ يحب إعادة النظر فيها ليس هناك دخان بدون نار ففتح تحقيق يعتبر عملا استباقيا لوقف النزيف عند بدايته أما الحفظ يعتبر بإعطاء أشارة للمتهم بالتمادي وتشجيعه !!!