منتدى العمق

القراءة العدسية نحو تجربة قرائية جديدة.. سينارواية سانتاكروز نمودجا

الإنترنيت

هيمنت الوسائط البصرية (السوشيال ميديا، الفيديوهات) على عصرنا الحالي ، حيث أضحت ثقافة الصورة عنصرا محوريا لا محيد عنه يجد فيه الصغاروالكبار ضالتهم ومتعتهم وقضاء أوقات فراغهم . فحلت الهواتف المحمولة ببدائلها وخيارتها المتعددة محل الكتب، والمجلات، والجرائد ،فبات الشباب والأطفال بما فيهم الكبار أكثر إقبالا على شاشاتهم الصغيرة، وهو الأمر الذي بدأ يطرح تحديا أمام فعل القراءة كنشاط تربوي وثقافي …
وأمام هذا الزحف الكاسح للصورة، والذي أزاح فعل القراءة عن عرشها لتجد نفسها في الصفوف الخلفية ،رغم المجهودات المبذولة في هدا الصدد ( مشاريع ثقافية ، مهرجانات ، معارض ) يطرح السؤال الكبير. كيف نجعل متعة القراءة تضاهي متعة المشاهدة ؟ كيف نجعلها تواكب عصر هيمنة الصورة ؟ وكيف نجعل الصورة في خدمة القراءة .
هنا تبرز السينارواية كقالب فني جديد ،لا يتوسل المزج بين السيناريو كخلفية للصورة والرواية كواجهة للسرد فقط ، وإنما يؤشر على ولادة مولود جديد يخلق تعريفه الخاص، وينسج عالمه في خط التماس بين الرواية والسينما . السينارواية ليست استضافة فن السينما للرواية ، وليست استضافة فن الرواية للسينما ، بل انصهار بينهما في محراب الأدب ، وبدور تمرد فني ،وإعلان عن ميلاد جنس أدبي جديد ينظر إلى النص كـحدث حيّ يتحرك كما تتحرك الصورة في الفيلم ، ويجعل مخيلة القارئ تتحرك كعين داخلية تتبع المشهد، ويحافظ على فعل القراءة التقليدي ، ومتعة التلقي البصري الداخلي ويبشر بنوع جديد من القراءة اصطلحنا عليه القراءة العدسية .
1مفهوم القراءة العدسية :
ترتبط كلمة العدسة بالعين الباصرة التي تقع مباشرة خلف قزحية العين، كما أنها ترتبط بعدسة الكاميرا. وقد تم ربط القراءة بالعدسة لأن هدا النوع من القراءة تجعل مخيلة القارئ كعدسة داخلية تتبع المشهد وتستحضر الصور في الذهن.
والقراءة العدسية هي قراءة تجعل القارئ يتعامل مع النص ليس كقارئ فقط، وإنما كمشاهد ، فاللقطات والمشاهد في القراءة العدسية لا يتم تصويرها عبر استخدام الوسائل السمعية البصرية ، وإنما يتم تصويرها عبر عدسة داخلية في دهن القارئ ،ذلك أن طبيعة النص القرائي يجعل القارئ يعيش المشهد مع أشخاصه، ويتنفس في أماكنه، و ويتفاعل مع أحداثه، وأصواته و خطوطه الزمنية ( الزمن الحاضر ، والزمن الموازي ، وزمن الذاكرة الفلاش باك ) وكأنه يُخرج فيلمًا في مخيلته ، فهو لا يقرأ قراءة تقليدية فقط بل يرى المشاهد تتحرك في مخيلته كما يتخيلها المخرج أو الممثل قبل تنزيلها على أرض الواقع .

2 الأساس المرجعي للقراءة العدسية:
سينارواية سانتا كروز- الموسم الأول (قيد الطبع) تقدم إطارا مرجعيا لتنزيل القراءة العدسية، فهي لا تستعير أدواتها من تقنيات السرد الروائي فقط ،وإنما أيضا من أدوات اللغة السينمائية ، تقسيم المشاهد ، الحركة، اللقطات، الزمن الثلاثي، لتستثمر في إقبال الأجيال الحالية والصاعدة على الشاشات ، وتجعل من هذا الإقبال محرك دفع نحو تجربة قرائية جديدة ، وتذكرة حجز لرحلة دهنية ممتعة ،وهادفة ،وجاهزة للتخيل .
3 نمودج تطبيقي :
المشهد رقم 1
منظر خارجي/ غابة كثيفة الأغصان/ نهاري
صوت خطوات يكسر صمت الغابة، طفل في عمر الثانية عشرة يركض بين الأشجار، عيناه مليئتان بالخوف، يلتفت خلفه، يلهث بشدة. يتعثر بحجر صغير لكنه ينهض بسرعة ويستمر في الجري.
خلف الطفل رجل يحمل قوسًا، وجهه قاسٍ، يقفز بخفة النمر، رجل آخر يتبعه يحمل رمحًا، خطواته ثقيلة وصيحاته تمزق صمت الغابة.
الرجل الثاني بصوت مرتفع:
“لا تتركه يفلت!”
الرجل الأول يسحب سهمًا من كنانته، يشده على الوتر. أنفاسه منتظمة، يركز نظره على الطفل الراكض.
السهم ينطلق كأنه رصاصة يخترق الهواء.
لقطة قريبة للسهم وهو يخترق الهواء ، يستقر على جذع شجرة قريبة من الطفل، صوته يتردد كأفعى مجلجلة ، الطفل جزعًا يتوقف للحظة، ينظر إلى السهم برعب … يلتفت وراءه ويواصل الجري بلا تردد.
صوت الأوراق الجافة تحت أقدام الرجلين الحافيين تمتزج مع صوت أنفاسهما المتلاحقة.
يتوقف الرجلان تحت شجرة ضخمة، يلتفتان يمينًا ويسارًا بقلق واضح.
الرجل الأول محبطًا:
“لقد اختفى، كأنه تبخر في الهواء.”
لقطة قريبة على وجه الرجل الثاني، تتغير ملامحه من الغضب إلى التردد.
“لا يمكن أن يكون بعيدًا.”
الكاميرا ترتفع ببطء إلى الأعلى، لتُظهر الطفل مختبئًا فوق الشجرة. بين الأغصان الكثيفة، عيناه تتسعان، يحبس أنفاسه، ووجهه يقطر عرقًا وخوفًا.
موسيقى تتصاعد
4 خاتمة:
سانتا كروز كسينارواية ، لا يقف طموحها عند حدود القراءة العدسية، والتأسيس لنموذج جديد في الكتابة، يخرج السيناريو من عباءة المنتجين والمخرجين … وإنما تمتد لتحمل عبر مواسم متعددة حكاية (الطفل / الشاب) أوسمان وتنسج خيوطها ـمن فاس إلى دكالة وآسفي، ومن سهل سوس إلى قلعة سانتاكروز( أكادير )، وتحلق بين محاكم التفتيش في البرتغال والزوايا الروحية في جبال المغرب، حيث تتجول الشخصيات بين الممكن والمتخيّل، في صراع وجودي بين الخيانة والمقاومة، والاسترقاق والحرية، لتمنح القارئ فرصة لاكتشاف ملامح الإنسان المغربي، في سياق تاريخي يستحضر مقاومة المغاربة للغزو البرتغالي في بداية القرن السادس عشر في معركة الهوية والدين والسياسة والحب ،ومستحضرة لهوية وعراقة الشخصية المغربية ، في لباسها التقليدي ، وطقوسها الشعبية والدينية، ومطبخها الأصيل … ومستهدفة عشاق الدراما التاريخية الملحمية ،واليافعين والشباب وصولا إلى الأطفال المغاربة فوق 12 سنة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • اسليماني عبد الغني
    منذ شهرين

    مقاربة جديدة وفعالة في تناول النص الأدبي السينمائي، وإبراز القراءة العدسية من منظور وظيفي حديث.