ماذا لو أسلم ترامب؟

بالرغم من أنني أعلم أن مُجرد التفكير في طرح هذا قد يُعدُّ ضربا من الحُمق، فإن أول سؤال طرق دهني، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بزيارة بعض دول الخليج، هو: ماذا لو أسلم ترامب؟ ماذا لو أنه خلال زيارته للخليج مر من أمام عينيه مشهد أو واقعة أو أمر ما يُوقظ قلبه وعقله ويربطه بخالقه وخالق كل شيء، فيُعلنها مدوية هناك: ترامب يُشهد الله والناس أنه لا إلاه إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.. ترامب أصبح مُسلما يا سادة ويا سيدات.. قد تقولون: هذا مُستحيل! وأرد عليكم: بل ممكن جدا! ودليلي في ذلك عدد كبير من الغربيين الذين دخلوا الإسلام – ضمنهم أمريكيون – كانوا يُكنون عداء غير مفهوم وغير مبرر للإسلام فأصبحوا من أكثر المدافعين عنه وعن قضايا المسلمين العادلة!!!
لا تتعجبوا كثيرا، لأنني سأستدرك الآن.. كنتُ قلتُ في نفسي: إن الصيغ التي سيستقبلها أمراء الدول الإسلامية في الخليج دولاند ترامب لا شك ستوقظ جزيئات من قلبه أو ستُزيل نكتة سوداء من فؤاده مهما كانت حقيرة.. كما حصل مع بعض مُشجعي منتخبات غربية خلال مُشاركتها في كأس العالم قطر 2022 !!! لكن العكس هو الذي حصل، ويا للعجب ! فقد برهنوا له بما لا يترك مكانا للشك أنه يمكن للمسلم والمسلمة أن يكون غربيا أكثر من الغرب ويتخلى عن خصوصيته لأجل عرض من الدنيا قليل.. فرأينا استقبالا شعوريا (من الشعور جمع شعر وليس الإحساس) من طرف الفتيات بدون حجاب في الإمارات، ونساء يُسلمن على ترامب بأيديهن دون أي حرج !!! ولعل السؤال الذي شغل بال الرئيس الأمريكي طيلة مدة الزيارة، مع ليس قليلا من الاستغراب: ما الذي أصاب هؤلاء؟؟؟
لكن دونالد ترامب أنهى زيارته للخليج بالفوز بهدايا خيالية وصفقات فاقت 5 تريليون دولار، لكنه لم يفز بالهدية الأكبر: هدية الهداية! وانتهى “امتحان” الاستقبال لدى أمراء هذه الدول بالفوز برضا ترامب، لكنهم على الأرجح لم يفوزوا برضا ربِّ ترامب! وأهل غزة وفلسطين لم يفوزوا بشيء من هذه الزيارة بمقياس الدنيا، لكن فوزهم بمقياس الآخرة كبير وكبير جدا (منكم من يُريد الدنيا ومنكم من يُريد الآخرة).. وصف دقيق من رب دولاند ترامب رغم أنفه، ورب الأمراء والملوك رغم أنفهم.. مالك ومدبر كل شيء.. هو نعم المولى ونعم النصير..
“خليونا نمشيو بعيد…” ونتخيل أن ترامب دخل إلى الخليج “مسيحيا” (إذا كان مسيحيا فعلا) أو “يهوديا” (إذا كان يهوديا) أو “مسيحيا صهيونيا” أو “يهوديا صهيونية” (الله أعلم بحاله) وخرج مُسلما مُوحدا، مُسلما معتقدا بربوبية الله تعالى وألوهيته وموحدا له أيضا في أسمائه وصفاته، مُسلما مُمارسا أو مطبقا (وليس مُسلما “بتخراج العينين” كما هو حال كثير منا).. ماذا كان سيحصل؟ ! إذ بمجرد تحول دونالد ترامب إلى الإسلام (كما حال كثير من الأمريكيين والغربيين) سيتحول من جهة إلى جهة نقيضة تماما للأولى، إذ لا توجد منزلة بينهما هنا، فإما أن تكون مع الحق أو مع الباطل، إما أن تكون إلى جانب الظالم أو إلى جانب المظلوم (لا حياد موجود هنا يا سادة، فالإنسانية لا تقبل الحياد إما أن تكون إنسانا أو لا تكون، فبالأحرى أن تكون مسلما وتدعي الحياد)… بإسلامه سيتحول من دعم لا مشروط للطرف الظالم، أي للكيان الصهيوني في عدوانه النازي ضد الغزاويين خاصة والفلسطينيين عامة، إلى دعم ومؤازرة الطرف المظلوم (الفلسطينيين)…
لكم أن تتصوروا ماذا يُمكن أن يحدث.. فكم من مفكر غربي، وكم من رجل أعمال غربي، وكم من فنان غربي، ووو … كانت تفتح لهم القنوات الإعلامية وتشتغل آلة التبريز لتجعل منهم أيقونات… فما أن يُعلنوا إسلامهم حتى يهوون بهم من قمة الشهرة إلى سفح التضييق ورميهم بكل الشبهات.. وما “روجي غارودي” (رجاء غارودي) الفرنسي علينا ببعيد.. وما “كات ستيفنس” (يوسف إسلام) علينا ببعيد… إذا فعلها دونالد ترامب، واستجاب لنداء الفطرة وأسلم، ستُغلق في وجهه أبواب الولايات المتحدة الأمريكية ويُعلنون عن انتخابات سابقة لأوانها بعد أن يسقطوه من كرسي الرئاسة، فلا مُسلم يمكن أن يحلم برئاسة أمريكا إلا أن يشاء الله.. ولا شك سيُرمى بكل شر وبلية، ويجردونه من ثروته الكبيرة، ويُدفنُ معنويا كما دُفن من سبقوه إلى الإسلام من ذوي المكانة السامقة.. “الدراويش” فقط يسلمون من التضييق، وإن وقع، يكون بحدة أقل..
سيتحول من ذلك الشخص الذي “تُزعزعُ” كلماته – مهما كانت سخيفة ومثيرة للسخرية – أصحاب العروش الهشة والكراسي الصدئة إلى لا شيء بالميزان المادي مُجددا – ميزان الدنيا – بل مع تحوله إلى الإسلام سيُحولونه إلى مادة دسمة للسخرية وسيلبسونه العباءة الخليجية ويضعون السيف في خصره واللحية في دقنه، إذ مع الأسف هذه هي الصورة النمطية التي تركزت في العقل الغربي، ومن استطاع التحرر من هذه السردية تمكن من تلمس طريقه إلى الحق ومعانقة الرسالة الخاتمة…
وفي انتظار أن تقع هذه “المعجزة”، ستُطاردنا مشاهد الخذلان والفرقة والنزاع، والاصطفافات الخاطئة وسوء التقدير في تحديد العدو الحقيقي (مثل: أيهما أولى بالعداء، الكيان الصهيوني أم إيران؟ الكيان الصهيوني أم الحوثيون؟ الكيان الصهيوني أم حزب الله؟…)، رغم أن عدد المسلمين في العالم يبلغ 1,9 مليار نسمة وعدد العرب تجاوز 473 مليون نسمة، لكننا غثاء كغثاء السيل حسب التوصيف النبوي الدقيق، إذ بماذا وفي ماذا تنفع كثرتنا إن لم نكن أقوياء؟ وهل خلقنا لنعيش كالبهائم؟ (الأكل والشرب ومطاردة الشهوات…). ويجب أن نعترف أن الكيان الصهيوني ومعه اللوبي الصهيوني قد أفلح، عبر أدرعه المنتشرة في كل مكان من “ضحايا” رؤاه وتصوراته وعقيدته السياسية المشوهة، التي لا علاقة لها بالديانة اليهودية في جوهرها (وهذا يقول به حاخاماتهم المستقلون أو لنقل المحايدون الذين لم تنطلِ عليهم العقيدة السياسية الصهيونية) أو من “مأجوريه” المضحوك عليهم المتواجدين بيننا، أفلح في ضرب هذه الوحدة وزيادة الفجوة بين الإخوة في العروبة والدين، فأصبحوا يتقاتلون إذا لم يكن عسكريا فسياسيا.. والضريبة يُؤديها المستضعفون في غزة العزة وفلسطين الأبية ممن ظنوا أن إخوتهم لن يتركوهم يُواجهون التقتيل والتنكيل من آلية إجرامية صهيونية لا تُبقي بشرا ولا حجرا، لا عجوزا ولا طفلا ولا شابا، ولا رجالا ونساء.. فتركوهم ويتركونهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اترك تعليقاً