“تهافت اللحم في الأسواق المغربية بين رمزية الأضحية وتغير ملامح العيد”

رغم القرار الملكي بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية هذه السنة، مراعاة للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها شريحة واسعة من المغاربة، تشهد الأسواق المغربية حالة من التهافت اللافت على اقتناء اللحم، وكأن المغاربة – أفراداً وجماعات – يصرّون على الإمساك بما تبقى من طقوس العيد، ولو في رمزية الطعم دون الشعيرة.
لقد أعلن جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، عن توليه شخصياً ذبح الأضحية نيابة عن شعبه، وهو موقف نبيل، يحمل أبعاداً دينية وسياسية واجتماعية عميقة. فمن جهة، يرفع الحرج الشرعي عن من لا يستطيع من المسلمين، ومن جهة ثانية، يعكس حساسية المؤسسة الملكية تجاه الأوضاع التي يعيشها المواطنون، خصوصاً مع توالي الأزمات المعيشية وغلاء الأسعار. إلا أن الملاحظ في الشارع المغربي، أن القرار وإن لاقى ترحيباً رسمياً وشعبياً في بعده الرمزي، لم يُثنِ الكثيرين عن التزاحم على اقتناء اللحم، سواء تعلق الأمر باللحم الأحمر أو لحوم الدواجن، بل وتحولت هذه الأيام إلى ما يشبه “موسم اللحوم” لدى البعض.
هذا التهافت يمكن قراءته من زوايا عدة. أولها أن العيد – سواء حضر الذبح أو غاب – يبقى مناسبة لها وقعها في الذاكرة الجمعية، يصعب محوه في جيل تربى على الطقوس، وربط الفرحة بقِدر يغلي. وثانيها، أن فعل الاقتناء هنا قد لا يكون مجرد استهلاك غذائي، بل هو تعبير ضمني عن مقاومة رمزية للإحساس بالعجز أو الفقد. كأن المواطن المغربي، وهو يعيش حرماناً من أضحية العيد، يحاول تعويض ذلك بشراء ولو بعض الكيلوغرامات من اللحم، ليحفظ ماء وجه العيد أمام أطفاله وضيوفه.
غير أن هذا المشهد، مهما كان مفهوماً من الزاوية النفسية أو الاجتماعية، لا يجب أن يطمس الأسئلة الأعمق: ماذا يعني أن نعيش عيداً بلا أضحية؟ وهل اختزال العيد في اللحم هو استسلام ثقافي أم انحراف عن روح المناسبة؟ وهل كان بالإمكان تحويل هذه المناسبة إلى لحظة تضامن حقيقي تُعلي من قيم التراحم لا التهافت، ومن تقاسم الخبز لا التباهي باللحم؟
إن ما يحدث في الأسواق اليوم قد يكون مرآة لواقع أعمق: أزمة قيم تلتقي مع أزمة معيشة، وتوتر بين الطقوس والقدرة على ممارستها. فالاحتفاء بالعيد لا ينبغي أن يتحول إلى سباق استهلاكي، ولا إلى محاولة لتجميل الفقر المؤجل بلحمٍ مُقترض أو مشتَرى بالدين. بل يجب أن يُستثمر القرار الملكي كفرصة لتثمين المعنى الحقيقي للأضحية، الذي يتجاوز الذبح إلى التضحية، ويتجاوز التفاخر إلى الإيثار.
إن عيد الأضحى، في روحه، ليس طقسا شكليا، بل هو إعلان سنوي عن الانتصار على الذات، على الأنا، على الغريزة الاستهلاكية. وربما آن الأوان لنعيد النظر في علاقتنا بهذه المناسبة، لنتحرر من ثقل العادة، ونعود إلى روح العبادة. ففي زمن الأزمات، ليس العيد من يزورنا، بل نحن من يجب أن نذهب إليه، بقلب خاشع، لا ببطن ممتلئ.
اترك تعليقاً