“رماح” التاريخ تنهال على قيادة الجزائر

ما الذي يحققه فريق كرة القدم عندما يشارك في منافسة دولية بالمغرب إذا انخرط في سلوكيات غير رياضية، مثل إخفاء اسم المغرب أو إتلاف لافتات المؤسسات الأفريقية والمغربية الراعية للبطولة؟ مثل هذه التصرفات لا تخدم الفريق الجزائري رياضيًّا، بل قد تشتّت تركيزه عن التحضير الجيّد للمباريات، وتتسبّب في تبعات مع الاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
الحساسية من المغرب ترقى إلى مُستوى عقيدة سياسية لدى مسؤولين في الجزائر.. وها هي تُلقَّن حتى لفريق رياضي من شابّات، يُفترض أن الرياضة تُمرِّنهُنَّ على قِيَمٍ إنسانية تحملها الروح الرياضية.
“عَدْوَى” الحساسية من المغرب كُلّف “فَيْلَق” الإعلام الجزائري بتعميمها، وألاّ يوقفها حتى وهو يتابع حضور الفريق النسوي الجزائري في كأس أفريقيا المُنظمة في المغرب.
في ممارسة تتناقض مع المعايير المهنية التي تتطلّب الحياد والدقة، تُسقِط وسائل الإعلام الجزائرية عمدًا الإخبارَ بمكان منافسات الكأس الأفريقية. الكأس “تَجري وبَسْ”… في تنكّر واضح لأُولى قواعد الخبر، وهي: ذِكر المكان.
المغرب يحوز ثقة هيئات دولية لتنظيم تظاهرات دولية، وفي هذه الحالة الفيدرالية الأفريقية لكرة القدم. وممنوع على الإعلام الجزائري أن يُخبر بذلك، مجرّد الإخبار، ودون تعليق أو إضافات، كما يفعل دائمًا مع كلّ خبر إيجابي موضوعه المغرب، ما يؤكد أن الموقف المُسبق من المغرب راسخٌ لدى المسؤولين في الجزائر.
المغرب متألّقٌ لكونه منشغلًا بصَون حقّه الوطني؛ حقّه في وحدته الوطنية، ترابًا وشعبًا، وحقّه في إنجاز المشروع التنموي الحداثي الذي يقوده الملك محمد السادس. حقّان مُترابطان ومتفاعلان يستأثران بكلّ الجُهد المغربي، ولا يُبقيان له، في مشاغله، أن يُعادي الجزائر، وبالأحرى أن يُجاريها في مشاغباتها.
المغرب مُنهمكٌ في ما يُفيد الجزائر نفسها، ويَفتح لها آفاقًا تنموية رحبة ودائمة. وجود جارٍ للجزائر قويّ بوحدته وتقدّمه واستقراره، يُوفّر لها امتدادًا جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، تنتفع معه حين تسعى إلى تحرير اقتصادها من هيمنة ريع الطاقة، فضلًا عن كون ذلك يُوفّر على الجزائر إضاعة مبالغ ضخمة وأعباء دبلوماسية ثقيلة في تحمّل حركة انفصالية، على مدى نصف قرن، تحمل في جيناتها عوامل اندثارها.
على مدى هذا النصف قرن، العديد من الحركات الانفصالية في أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا وضعت سلاحها وتحوّلت إلى أحزاب سياسية في الحياة الداخلية لشعوبها. آخرها “حزب العمال الكردي” في تركيا.
أكثر من 125 دولة صرّحت بأنها مع صَون وحدة التراب المغربي، وترى في مقترح الحكم الذاتي حلًّا سلميًّا وجديًّا وواقعيًّا ودائمًا للمنازعة الجزائرية في الصحراء المغربية. وضمن تلك الدول ثلاث من مالكي حقّ الفيتو في مجلس الأمن الأممي، وكلّ الدول العربية (عدا الجزائر)، وعشرات الدول الأفريقية… والجزائر تردد: لا بدّ من الاستفتاء.
الإعلام الجزائري، وكما عوّدنا على ذلك، لن يُخبر جمهوره بأن عدالة القضية المغربية تكسب المقتنعين بها بشكل شبه يومي، وها قد اقتحمت قلعة السند الرئيسي للجزائر، الداخل السياسي لجنوب أفريقيا، حيث تبنّى “حزب رمح الأمة” في وثائقه السياسية والبرنامجية مقترح الحكم الذاتي، وصرّح بدعمه لوحدة التراب الوطني المغربي، وضمنها الصحراء المغربية. الحزب يرأسه جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، وهو ثالث حزب وزنًا سياسيًّا في برلمان جنوب أفريقيا، ومرشّح لأن يكون في موقع رئاسة الحكومة المقبلة، المنبثقة عن الانتخابات التشريعية بعد أقل من ثلاث سنوات.
ذلك الخبر لن يكون له موقع في الإعلام الجزائري، لأن ما وراءه صادمٌ؛ وراءه أن الدبلوماسية المغربية نجحت في أن تفتح ممرّات للقناعة المغربية إلى الحياة الداخلية للعمل السياسي في جنوب أفريقيا، وأن الحملة الانتخابية المقبلة سيكون فيها حضورٌ للصحراء المغربية أقوى من “صحراء بوليساريو”. والأهم، أن زوما أول من التقاه في المغرب هو وزير الخارجية ناصر بوريطة. زعيم حزب جنوب أفريقي يستقبله وزير الخارجية المغربي، لا يتم ذلك إلا بضوء أخضر، ضمنيًا، من حكومة جنوب أفريقيا، ما يعني أنها تمارس عمليات إحماء لضخّ مضمون نوعي في علاقات جنوب أفريقيا مع المغرب، عبر بوابة الصحراء المغربية.
قيادة جنوب أفريقيا صاحية في قراءتها لمجريات التحولات الجيوسياسية في شمال أفريقيا، وللموقع المركزي الذي يحوزه المغرب فيها. وهو الموقع الذي من مؤشراته الميل الدولي الصارم لحلّ نزاع الصحراء المغربية على قاعدة مقترح الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية. وربح المغرب أكثر فائدة للمجتمع الدولي من مجاراة الجزائر في موقفها المعاكس لاتجاه الوقائع في المنطقة، خاصة وأن المغرب لا يُطعِم أطراف علاقاته وجبات من شعارات. المغرب يُقدِم على مبادرات واقعية ومنتِجة لتبادل الثروات والمنافع بينه وبين أطراف علاقاته، مثل المبادرة الأطلسية الواعدة بحركية اقتصادية كثيفة ومفيدة لدول الساحل والمُشاطِئة للمحيط الأطلسي، وهي المبادرة الماضية في التحقق. وأيضًا أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، والذي تجتهد لجانٌ عملياتية في تدقيق إنجازه، كما يدلّ على ذلك الاجتماع الأخير لإحدى اللجان في المغرب خلال الأيام القليلة الماضية.
الحقيقة أن المغرب يتقدّم، بخطوات ثابتة، نحو الانتصار لحقّه الوطني الوحدوي، وحقّه التنموي الاجتماعي. ذلك يُزعج الجزائر، فتوجّه إعلامها ضد المغرب، وتشغل نفسها بتفاصيل غير مفيدة، منها تلك المتصلة بمنافسات كأس أفريقيا لكرة القدم النسائية، والبحث عن أشخاص هنا وهناك لترديد شعاراتها، مثل جون بولتون، وهو المتقاعد في السياسة الأميركية. بولتون، لمّا كان في الخدمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رئاسته الأولى، كان مدافعًا شرسًا عن إسرائيل. وهو اليوم يُناصر، متحمِّسًا، بوليساريو، ويخرج هنا وهناك ليدافع عن “حقّ تقرير المصير للشعب الصحراوي.” وهو كلام في الوقت بدل الضائع، وعلى هامش وضد القناعة الدولية، وضمنها القناعة الأميركية… كلامه لا تسمعه إلا الجزائر. لكنه أفادني بأنه وافقني في إحدى التصريحات بأن بوليساريو ليست حركة يسارية ماركسية ولا جهادية. وأنا معه أنها حركة بلا قضية جدية، وبلا هوية أيديولوجية. مؤسسوها الأصليون كانوا وطنيين، وزعيمهم مصطفى الوالي كان وحدويًّا بعثيًّا. بعيد التأسيس عاد الوطنيون إلى وطنهم المغرب، ووظّفت الجزائر وليبيا حماسة مصطفى الوالي لحساباتهما المختلفة، إلى أن أضحت اليوم مجرد جهاز انفصالي، وتحتاج إلى عملية تحديد هوية العاملين فيها وأفراد ميليشياتها.
الجزائر، التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية، قد تستفيد من الانخراط في تعاون إقليمي مع المغرب بدلًا من استمرار التوترات. إعادة فتح الحدود وتعزيز التبادل الاقتصادي يمكن أن يُخفف من الضغوط الاقتصادية، ويفتح آفاقًا للتنمية المستدامة. التركيز على الحوار والتعاون، بدلًا من المواجهة أو الممارسات غير البنّاءة، سيخدم مصالح الشعبين الجزائري والمغربي.
في النهاية، يظل المغرب ملتزمًا بتعزيز وحدته الوطنية ومشاريعه التنموية، بينما تواجه الجزائر خيارًا بين مواصلة سياسات قد تعزز عزلتها أو الانفتاح على تعاون إقليمي يعزز الاستقرار والازدهار. الحل يكمن في تجاوز الخلافات التاريخية والتركيز على المصالح المشتركة، لضمان مستقبل أفضل للمنطقة بأسرها.
اترك تعليقاً