وجهة نظر

البعد الاجتماعي في الخطاب الملكي

وجه جلالة الملك خطابا ساميا إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد يوم الثلاثاء 29 يوليوز 2025، وقد تناول الخطاب السامي مواضيع متعددة واعتبر مرجعا للإنجازات السابقة والنقائص طارحا جلالته خريطة طريق لبناء رؤية تنموية أساسها التضامن والتعاون والتوازن والاندماج والاستدامة.

نؤكد ابتداء أن كل القطاعات متداخلة ومتكاملة. لكن من باب منهجي سنؤكد في هذا المقال على الرؤية الملكية للجانب الاجتماعي الذي يشكل لبنة مركزية من أحوال الأمة، التي تحتاج دوما إلى تجديد المشاريع نظرا لتناسل التحديات. مشاريع أرا دها جلالة الملك أن تلامس الواقع والمستقبل بكل ثقة وأمل، لأنها من أسس بناء مغرب متقدم موحد ومتضامن يعزز مكانته ضمن الدول الصاعدة.

تستهدف هذه الرؤية الملكية المتبصرة التنمية الكبرى والأمن والاستقرار الذي ينعم به المغرب، انطلاقا من النموذج التنموي الجديد والمتجدد. لقد تميز الخطاب الملكي بالوضوح والطموح، خاصة عندما قال جلالته (لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات الاجتماعية وفي جميع المناطق والجهات). هذه رسالة ملكية واضحة تعيد الاعتبار للعدالة البشرية والمجالية والترابية. كما تؤكد على التوازن بين الاقتصادي والاجتماعي، لأن الأمر متعلق بأحوال الأمة وتصحيح مفهوم التنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة. مما يؤصل للاختيارات التنموية الكبرى.

لقد فتح جلالته أوراشا اجتماعية نحو التنمية البشرية وتعميم الحماية الاجتماعية وتقديم الدعم المباشر للأسر، لكن الملاحظ أن هذه الأوراش عرفت اختلالات أثناء التنزيل مما عطل تحقيق الأهداف السامية المتوخاة من المشاريع المطروحة. إضافة إلى ما ذكر أمر جلالته باستحضار التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية التي شكلت مخرجات نتائج الإحصاء العام للسكان 2024 أثناء إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.

غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لا سيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة كما نص على ذلك الخطاب الملكي. “وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية” كما أكد الخطاب الملكي. خلاصة هذا الكلام الكلمة المنارية والمفتاح المتضمنة في الخطاب الملكي (فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين).

فهل نحن جميعا مستعدون للتجاوب مع النداء الملكي الداعي صراحة إلى “إحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية”؟ هل نحن مستعدون “إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة”؟

هل الحكومة قادرة “لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية”؟ جوابا على كل ما سبق من إشكالات كما طرحت في الخطاب الملكي، تقترح الخطة الملكية خريطة طريق تركز على: تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، والتكامل، والتضامن، وتوحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس تهم: دعم التشغيل، تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية.

تضيف الرؤية الملكية إلى ما ذكر اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المالية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ، ثم إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد. الغاية من كل هذا حسب الرِؤية الملكية “أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء”.

إن أي خريطة عمل لا يمكن أن تحقق الأهداف المتوخاة منها إلى باحترام الاختيار الديمقراطي، وهذا ما أشار إليه الخطاب الملكي من خلال: إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، في موعدها الدستوري والقانوني العادي: كما أكد جلالته على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية.

كما أكد جلالته على الإعداد الجيد، للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.

أخيرا وليس آخرا يمكن اعتبار هذا الخطاب الملكي التاريخي مرجعا استراتيجيا سواء على مستوى البناء المستقبلي والتقويم حسب مؤشراته للمكاسب والمشاريع والتحديات والتوجه نحو المستقبل بكل ثقة وتفاؤل حسب المنطوق الملكي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *