اقتصاد

سيارات فارهة وفنادق فاخرة.. وكالة الاستثمارات تصرف الملايين على معارض بالخارج

المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE)، علي صدقي

أطلقت الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE)، خلال شهر يوليوز الجاري، ثلاث صفقات دولية لتأطير مشاركتها في معارض وملتقيات بالخارج بكلفة تتجاوز 19 مليون درهم، وسط غياب نقاش عمومي حقيقي حول مردودية هذه التظاهرات على الاقتصاد الوطني.

وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها جريدة “العمق”، فإن الصفقة الأولى، والتي تبلغ كلفتها التقديرية 8.209.680 درهم (820 مليون سنتيم)، تروم تنظيم مشاركة الوكالة في ثلاث معارض بكل من باريس وشيكاغو ودبي، حيث تم التركيز بشكل كبير على الجانب “التجميلي”: تصميم “يعكس دينامية الوكالة” و”رؤية قوية للمغرب”، أثاث حديث، إضاءة LED، ركن VIP، مكاتب بشعارات مضاءة، إضافة إلى التزامات دقيقة تشمل سلوك السائقين وتأمين المياه المعبأة داخل السيارات.

ورغم أن الهدف المعلن هو الترويج للمملكة وجذب الاستثمارات، إلا أن تركيز الموارد المالية بهذا الشكل على التهيئة والزينة يطرح تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية الفعلية، خصوصا في ظل غياب مؤشرات واضحة حول حجم العقود أو الاستثمارات التي تسفر عنها هذه المشاركات.

أما الصفقة الثانية، فتتعلق بتنظيم مشاركة 11 شركة مغربية في معرض للألبسة بنيويورك، بكلفة تقدر بـ 6.082.320 درهم (608 ملايين سنتيم). وتشمل بنود الصفقة حجز 11 جناحا للشركات، نقل الوفد المغربي بسيارات فاخرة مكيفة، إقامة ثلاثة أشخاص لمدة 65 ليلة في فنادق 4 نجوم، إلى جانب خدمات مدير مشروع مخصص لمرافقة الوفد وإدارة كل صغيرة وكبيرة، من تسليم الشارات إلى مراقبة الإضاءة.

ورغم أن دعم التصدير والمقاولات المغربية الناشئة يبقى ضرورة، إلا أن حجم الإنفاق المقترح في هذه الصفقة يثير الشكوك بشأن ترشيد المال العام، خاصة وأن عدد المستفيدين المباشرين لا يتجاوز 11 شركة و3 ممثلين رسميين.

وبخصوص الصفقة الثالثة، والتي لا تقل تكلفة عن سابقاتها، تقترح صرف 4.815.600 درهم لتنظيم منتدى اقتصادي متنقل بين خمس مدن ألمانية (هامبورغ، فولفسبورغ، برلين، شتوتغارت وميونيخ). وتشمل المهام المطلوبة توفير مضيفات محترفات، تنظيم بوفيهات فاخرة، شاشات رقمية، مصورين محترفين، وتوزيع الشارات باسم الشركات المغربية.

وقدم المجلس الأعلى للحسابات في وقت سابق قراءة صادمة لوضعية الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات، التي لطالما رُوّج لها كرافعة أساسية لجلب الاستثمارات وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني. لكن الحقيقة التي يكشفها التقرير هي عكس ذلك تماما، حيث تظهر الوكالة كمؤسسة تعاني من غياب واضح للرؤية والاستراتيجية، وضعف حاد في الحكامة والتنظيم، ما يحولها إلى أداة غير فعالة وسط تنافس عالمي مرير على الاستثمار.

ويرى مراقبون أن الغياب التام لأي معايير لقياس الأثر الاقتصادي أو التجاري لهذه التظاهرات يفتح المجال أمام تساؤلات مشروعة: كم عدد الاتفاقيات التي تُوقّع فعلا؟ ما حجم الاستثمارات التي يجري جذبها؟ هل يتم اختيار الشركات المستفيدة على أسس تنافسية وشفافة.

ورغم أن الهدف المعلن هو تعزيز حضور المغرب في الأسواق الخارجية وجذب الاستثمارات، فإن مراقبين ومتتبعين يشككون في فعالية هذه المبادرات مقارنة بحجم الصفقة والتكاليف المصاحبة لها.

أول الثغرات تكمن في اعتماد الصفقة على نموذج “الثمن الإجمالي الثابت” الذي لا يسمح بمراجعة الأسعار إلا في حالات ضيقة جدا (تعديل ضريبة القيمة المضافة فقط). هذا الأمر يحد من مرونة الوكالة في التعامل مع التغيرات المفاجئة في السوق، مثل ارتفاع تكاليف التنقل، الإقامة، أو الرسوم التنظيمية للمعارض، ما قد يؤدي إلى تقليل جودة الخدمات المقدمة أو التنازل عن بعض العناصر الأساسية للمشاركة.

علاوة على ذلك، لم يوضح دفتر التحملاتآليات تقييم نتائج المشاركة، أو وجود مؤشرات دقيقة تقيس مدى تأثير هذه المعارض على زيادة حجم الاستثمارات أو الصادرات المغربية. هذا الغياب يعرض الصفقة إلى خطر تحويل المشاركة إلى مجرد نزهات بروتوكولية تستهلك موارد مالية كبيرة دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

في ظل الأرقام غير المعلنة عن قيمة الصفقة بدقة، يثير حجم الميزانية المخصصة للمشاركة تساؤلات حول مدى توازن النفقات مع الفوائد المكتسبة. هل تصرف مبالغ معتبرة على المشاركة في معارض قد تفتقر إلى تنظيم احترافي أو صلة فعلية بفرص استثمارية حقيقية؟ وهل تعود هذه المشاركة بأثر إيجابي يكفي لتبرير نفقات النقل، التهيئة، الترويج، والتواجد المستمر؟

ويرى مراقبون، أنه إذا استمرت هذه المشاركات في الشكل الحالي، فقد يتحول الإنفاق إلى نوع من “الهدر الاستراتيجي”، يعطل دينامية تنموية كانت تنتظر تدخلا نوعيا وفعالا، خصوصا مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها المغرب من تضخم، نقص فرص الشغل، وتأثر الصادرات بالتقلبات العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *