وجهة نظر

الصديقي يكشف توجهات مذكرة “مالية 2026”: سيادة استراتيجية وتماسك مجالي برؤية ملكية

اعتبر عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الأسبق، أن مذكرة مشروع قانون مالية 2026 تعكس بوضوح التوجهات الملكية التي تضع السيادة الاستراتيجية والتماسك المجالي في صلب أولويات المملكة.

وأوضح الصديقي أن المذكرة تميزت بتحول جوهري في منهج إعداد قانون المالية، حيث تم تجاوز التركيز التقليدي على البرامج الحكومية لصالح رؤية طويلة الأمد ترتكز على الدولة ومؤسساتها، بما يضمن استمرارية التنمية وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب.

ويرى الوزير السابق في مقال له، توصلت به جريدة “العمق”، أن مشروع قانون مالية 2026 يمثل نقطة تحول استراتيجية تستهدف تسريع الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز التنمية المندمجة على المستوى المجالي، مع تأكيد على الاستقلالية الاقتصادية والسياسية للمغرب.

وشدد على أن الأولويات الأربع التي تحددها المذكرة، من التوطيد الاقتصادي إلى ترسيخ العدالة المجالية والاجتماعية، تشكل رؤية شاملة لتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة عبر جميع ربوع المملكة.

وفيما يلي نص المقال كاملا:

كما ذكرنا في مقالنا الأخير “أطروحات يوليوز”، يجب أن يتكيف الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية مع الأولويات والتوجيهات الملكية الجديدة كما تمُ الإعلان عنها في خطاب العرش. وذلكً ما حصل بالفعل. وهكذا . تختلف المذكرةً التوجيهية لمشروع قانون المالية لعام 2026، التي نُشرت في 8 غشت، اختلافًا جوهريًا عن المذكرات السابقة.هناك فرق في الشكل والمضمون.

من حيث الشكل، نلاحظ معطى جوهري مليء بالمعنى ويمكن قراءته وتأويله بطرق مختلفة. في الواقع، في المذكرات السابقة، يظهر مصطلح “الحكومة” والإشارة إلى “البرنامج الحكومي” في جميع الفقرات: الحكومة تخطط لهذا، الحكومة تعلن عن هذا، الحكومة تلتزم بـ… في مذكرة الإطار الحالية، لا توجد إشارة إلى البرنامج الحكومي الذي أصبح الآن من الماضي، ولا توجد إشارة إلى الحكومة باستثناء مرة واحدة فقط في الصفحة 8، ربما عن طريق الخطأ! بدلاً من كلمة “حكومة”، تُستخدم مصطلحات مثل “مملكة”، “إدارة”، “دولة”، مع الإشارة إلى الخطابات الملكية، وخاصة خطاب العرش الأخير. لن نقول أكثر من ذلك، تاركين مهمة تحليل وتفسير واستخلاص الدروس من مثل هذا الوضع للمختصين في القانون الدستوري والمحللين السياسيين، الذين يستهويهم هذا النوع من القضايا

الحكومات تمر والدولةً تبقى

من حيث المضمون، يتضح التوجه منذ الفقرة الأولى. نلاحظ تغييراً في المنهج وانعطافا في الأولويات. وهكذا، يتعلق الأمر بالتوازن بين تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وملائمةً الطموحات مع الإمكانيات. النص مبني ليس على أساس ظرفي بل على أساس دينامية طويلة الأمد بدأت منذ تولي جلالة الملك العرش. لا يتعلق الأمر بالتباهي بما تحقق خلال فترة الأربع سنوات لإظهار إنجازات حكومة “على وشك انتهاء خدمتها”، بل برسم مسار تطور البلاد الذي يتجاوز مختلف الولايات التشريعية. هذا لكي يفهم من يريد أن يفهم أن الحكومات تمر لكن الأمة وأسسها تبقى. لذلك، لا يمكن النظر إلى عام 2026 على أنه عام انتخابي فحسب، بل وأيضًا، وقبل كل شيء، كما تم التأكيد عليه جيدًا في المذكرة التوجيهية، “نقطة تحول استراتيجي”. وبناءً على هذا المعطى يتم إعداد قانون المالية لعام 2026. مع أو بدون انتخابات! ومن هنا جاء “تغييب” الحكومة حتى لا تُتاح لها الفرصة لسحب الغطاء نحوها لكسب أرباح انتخابية بالإضافة إلى الارباح بالمعنى الضيق للكلمة

التحول الكبير !

تضع سنة 2026 الأساس لمرحلة جديدة: مرحلة تسريع التحول الاقتصادي للبلاد، بالمعنى الذي قصده كارل بولاني في كتابه “التحول الكبير”. تتطلب هذه المرحلة الجديدة “النمو الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية، والعدالة المجالية والسيادة الاستراتيجية” بالإضافة إلى تعزيز مكانة بلدنا على الساحة العالمية كقوة اقتصادية صاعدة . عن هذا الهدف تنبثق أربع أولويات:

– توطيد المكتسبات الاقتصادية من أجل تعزيز مكانة بلادنا ضمن الدول الصاعدة؛

– التأهيل الشامل للمجالات الترابية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية وفق مقاربةً للتنمية المجالية المندمجةً ؛

– مواصلة تكريس ركائز الدولة الاجتماعية؛

– مواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى والحفاظ على توازنات المالية العمومية .

هذه الأولويات الأربع تمً تفصيلها تباعًا في شكل إجراءات ستدمجً في مشروع قانون المالية القادم. إنها تكمل بعضهما البعض وتشكل وحدة لا تنفصل. بدون تنمية اقتصادية مندمجة، لا توجد تنمية اجتماعية. على العكس من ذلك، بدون تنمية اجتماعية وتحسين مستوى معيشة السكان، لا فائدة في النمو الاقتصادي سوىً إثراء حفنة من المستفيدين. كما أن الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكلية، وفي المقام الأول توازنات المالية العمومية، يحدد إلى حد كبير سيادتنا ويمنح بلادنا حرية عمل كافية مع الاستفادة من ثقة شركائنا الدوليين كدولة ذات مصداقية وجادة. الاعتماد على مواردنا الذاتيةً أولاً هو أفضل طريقة لحماية سيادتنا. في كل مرة يكون فيه “البيت المغربي”سليما ونقيا ، يصبح البلد جذابًا.

بينما نواصل تجهيز البلاد لاستقبال الأحداث الرياضية القارية والعالمية في ظروف أفضل، لن يتوقف الجهد على المستوى الاجتماعي وإدماج المجالات الترابية. من المتوقع تخصيص مبالغ كبيرة للسير بمشروع تعميم الحماية الاجتماعية الملكي إلى نهايته، وتحسين جودة التعليم والتكوين من خلال زيادة ميزانية القطاع بنسبة 12%، مع إعطاء الأولوية للمناطق المحرومة، وإنشاء برامج برامج تكوين جهوية مرتبطة بسوق الشغل المحلي.كل التفاصيل ستكون موجودة في مشروع قانون المالية القادم

إسراع وتيرة الإصلاحات 

التحول الاقتصادي يتطلب، بطبيعة الحال، مواصلة الإصلاحات الهيكلية: يجب أن يتجاوز دمج القطاع غير المهيكل مستوى إعلان النوايا والمرور إلى التنفيذ؛ الإصلاح المستمر للمحفظة العمومية وترشيدها يتقدم ولكن بوتيرة بطيئة؛ إصلاح مدونة الأسرة متوقف لأسباب غير معلنة وغير مفهومة. لقد حان الوقت للإفراج عن هذا الملف الذي لا تقدر فوائده بثمن، سواء على المجتمع المغربي أو على صورة البلاد على المستوى الدولي؛ وبشكل عام، يجب على البلاد تسريع وتيرة العمل، بما في ذلك على مستوى الإنتاج التشريعي. يجب عليه إعادة النظر في علاقته بالوقت وتعديل توقيته بالشكل الذي يتوافق مع التزاماته حتى لا يفوت مواعيد استراتيجية ومصيرية مع التاريخ. في النهاية، لدينا كل الأسباب لنعرب عن تفاؤلنا بمستقبل بلادنا، بشرط أن يتعبأ جميع المغاربة لتحقيق هذا الحلم الجماعي: مغرب ديموقراطي حقا، ومحترم للحقوق الأساسية،ومزدهر حيث يحلو فيه العيش للجميع.

* وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الأسبق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *