في الرابع عشر من غشت 1979، سطر المغرب فصلا جديدا في ملحمة استكمال استقلاله ووحدته الترابية، حين استرجع إقليم وادي الذهب، آخر معاقل الاستعمار الإسباني في الصحراء المغربية. فهذا الحدث لم يكن مجرد استعادة جغرافية، بل كان تجسيدا لإرادة شعبية راسخة وبيعة تاريخية أكدت ارتباط الصحراء بالوطن الأم.
ومنذ القرون الأولى للدولة المغربية، كانت الصحراء جزءا لا يتجزأ من المملكة المغربية.ففي عهد الأدارسة، أسسوا مدينة تمدولت على مشارف بلاد السودان، مرورا بالمرابطين الذين اتخذوا الصحراء منطلقًا لدعوتهم، وصولا إلى السعديين الذين أرسلوا القائد محمد بن سالم لتمهيد درعة والساقية الحمراء.
وفي عهد الدولة العلوية، ازداد اهتمام المغرب بصحرائه، حيث أولى السلاطين العلويون المولى إسماعيل، سيدي محمد بن عبد الله، المولى الحسن الأول، المولى عبد العزيز، والمولى عبد الحفيظ بالغ الأهمية لهذا القطر، وتشهد وثائق رسائل سلطانية وظهائر على هذا الارتباط الوثيق.
اتفاق مدريد 1975.. تقسيم مؤقت
في 14 نونبر 1975، تم توقيع اتفاق مدريد بين المغرب، موريتانيا، وإسبانيا، يقضي بتقسيم الصحراء المغربية بين المغرب وموريتانيا، حيثحصل المغرب بموجبه على إقليم الساقية الحمراء، بينما حظيت موريتانيا بإقليم وادي الذهب.
لكن هذا الاتفاق لم يرضِ الأطراف المعنية، خاصة بعد الضغوطات المتوالية من طرف الجزائر، التي غيرت جذريا موقفها من مؤيد لحق المغرب في استرجاع أراضيه إلى موقف معاد، وشجعت الانفصال، مما دفع موريتانيا للتخلي عن إقليم وادي الذهب لصالح الانفصاليين.
وفي 14 غشت 1979، وفدت على عاصمة المملكة الرباط وفود علماء ووجهاء وأعيان وشيوخ سائر قبائل وادي الذهب لتجديد وتأكيد بيعتهم لأمير المؤمنين، جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، معبرين عن تعلقهم المكين بالعرش العلوي المجيد وولائهم وإخلاصهم للجالس عليه على هدي آبائهم وأجدادهم، واصلين الماضي بالحاضر، ومؤكدين تمسكهم بمغربيتهم وتشبثهم بالانتماء الوطني وبوحدة التراب المقدس من طنجة إلى الكويرة، مفوتين ومحبطين مخططات ومناورات خصوم الوحدة الترابية والمتربصين بالحقوق المشروعة للمملكة.
أجابهم الراحل الحسن الثاني قائلا: “رعايانا الأوفياء سكان إقليم وادي الذهب، إننا قد تلقينا منكم اليوم البيعة، وسوف نرعاها ونحتضنها كأثمن وأغلى وديعة، منذ اليوم بيعتنا في أعناقكم، ومنذ اليوم من واجبنا الدود عن سلامتكم والحفاظ على أمنكم والسعي دوما في إسعادكم، فمرحبا بكم يا أبنائي في حظيرة وطنكم”، حيث كانت هذه الكلمات بمثابة إعلان رسمي بعودة الإقليم إلى حضن الوطن، وتأكيد على التلاحم بين العرش والشعب.
استرجاع السيادة
بعد البيعة، دخلت القوات المسلحة الملكية إلى إقليم وادي الذهب، وطردت العناصر الانفصالية، مما مهد الطريق لاسترجاع السيادة المغربية على الإقليم.وفي 4 مارس 1980، قام الملك الحسن الثاني بزيارة ملكية رسمية لمدينة الداخلة، حاضرة وادي الذهب، حيث ترأس هناك مراسيم تجديد البيعة والولاء من طرف ممثلي سكان المملكة، وأعاد الكرة في شهر مارس 1985، حيث قام بزيارة ثانية للأقاليم الصحراوية.
وتجسد هذه الذكرى محطة بارزة في مسار استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة للمملكة، وذلك في أجواء الحماس الوطني الفياض والتعبئة الوطنية الشاملة والمستمرة، حيث يمثل استرجاع إقليم وادي الذهب يوم 14 غشت 1979 محطة تاريخية عظيمة في ملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ويجسد التلاحم الوثيق بين العرش والشعب في الدفاع عن وحدة الوطن واستكمال سيادته على كافة أراضيه.
اترك تعليقاً