بن غفير يعيد “أيقونة الأسرى” البرغوثي للواجهة.. صمود يتخطى 5 مؤبدات و23 عاما من الأسر (بروفايل)

أعاد مشهد اقتحام زنزانة الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، من طرف وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، وتهديده المباشر بالقول “لن تنتصروا، وسنمحوا كل من يعبث مع إسرائيل”، (أعاد) إلى الأضواء قضية أحد أبرز رموز الكفاح الفلسطيني وأيقونة الأسرى، في ظل صدمة عائلته من ملامحه الضعيفة والمخاوف على مصيره.
مقطع الفيديو الذي نشرته وسائل الإعلام العبرية، وهو الأول الذي يظهر فيه البرغوثي منذ أكثر من عقد، كشف عن حالة صحية متدهورة للأسير الذي يقضي 23 عاما متواصلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتقاله في رام الله عام 2002، على خلفية دوره في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وقيادة مجموعات مقاومة استهدفت مواقع إسرائيلية، وأسفرت إلى مقتل وإصابة عدة إسرائيليين.
وأظهر الفيديو لحظة اقتحام بن غفير زنزانة البرغوثي في سجن “ريمون”، موجها إليه تهديدات مباشرة، قائلا: “لن تنتصروا، ومن يعبث بدولة إسرائيل، ومن يقتل أطفالنا ونساءنا، سنقضي عليه”، حيث ظهر البرغوثي في حالة صحية متدهورة بعدما بدا هزيلا وشاحب الوجه، ما أثار صدمة واسعة داخل عائلته ومخاوف على حياته.
ويقضي البرغوثي (67 عاما) حكما بخمس مؤبدات وأربعين عاما أخرى سجنا، لكنه ظل رمزا للصمود، يتحدى الاحتلال بعزيمته وكرامته، وهو الذي كسر غطرسة الكيان الصهيوني بمشاهد رفعه شارة النصر بيديه المقيدتين في مختلف جلسات المحاكمة التي وثقتها الكاميرات، ما جعله أيقونة للأسرى الفلسطينيين وشخصية مقاوِمة تجتمع عليها مختلف الفصائل الفلسطينية.
وأعادت معركة “طوفان الأقصى” وما تلاها من مفاوضات صفقات تبادل المحتجزين، اسم مروان البرغوثي إلى الواجهة، بعدما وضعت حركة “حماس” البرغوثي في مقدمة الأسرى الراغبة في الإفراج عنهم، حيث توالت التوقعات من أن يمهد إطلاق سراحه، في حال نجاح إحدى صفقات التبادل، الطريق أمام انتخابه لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية.
وخلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، شددت سلطات الاحتلال من مضايقاتها بحق البرغوثي، وقامت شهر فبراير 2024 بنقله من سجن “عوفر” العسكري إلى العزل الانفرادي في سجن آخر، بدعوى وجود معلومات عن انتفاضة مخطط لها في الضفة الغربية، فيما عبر الوزير الإسرائيلي المتطرف، بن غفير، حينها، عن سعادته بهذا التنقيل.
مسار نضالي ممتد
ولد مروان البرغوثى عام 1958 فى قرية كوبر قضاء مدينة رام الله بالضفة الغربية، حيث انخرط مبكرا فى حركة “فتح” عندما كان فى سن الخامسة عشرة، وفي عام 1976 اعتقله الجيش الإسرائيلي وسنه لا يتجاوز الثامنة عشرة، وبعد خروجه من السجن التحق بقسم التاريخ والعلوم السياسية فى جامعة بيرزيت، وترأس مجلس طلبتها وحصل منها على الماجستير في العلاقات الدولية.
تعرض للاعتقال من طرف الجيش الإسرائيلي عدة مرات قبل عملية اعتقاله الأخيرة عام 2002، حيث سُجن عام 1984 لعدة أسابيع، واعتقل سنة 1985 لنحو شهرين، وفرضت عليه الإقامة الجبرية فى العام نفسه، ليسجن إداريا بعد ذلك ويطلق سراحه عام 1986، إلى أن تم إبعاده خارج فلسطين خلال الانتفاضة الأولى بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك إسحق رابين، حيث مكث في الأردن 7 سنوات.
عاد البرغوتي إلى الضفة الغربية عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو، حيث حصل سنتين بعد ذلك على مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) خلال الانتخابات التشريعية الفلسطينية التى أجريت عام 1996، كما احتفظ بمقعده فى الانتخابات التى أجريت عام 2006، كم تم تعيينه أمين سر حركة فتح فى الضفة الغربية، وعضوا باللجنة المركزية للحركة بعد ذلك.
البرغوثي الذي يعد مؤسسا لمنظمة الشبيبة الفتحاوية التابعة لحركة “فتح” التى لعبت دورا رئيسيا في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، حاولت إسرائيل تصفيته جسديا دون أن تتمكن من ذلك، وفى عام 2016 أطلقت مؤسسات فلسطينية رسمية وأهلية حملة لدعم ترشيح البرغوثى لجائزة “نوبل” للسلام.
ورغم تواجده في الأسر، إلا أن البرغوثي قاد عدة حملات تنظيمية لتوحيد صفوف الحركة الأسيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته تجاه الأسرى، حيث قاد إضراب الحرية والكرامة عام 2017 والذي شارك فيه أكثر من ألف أسير فلسطيني طيلة 42 يوما.
وترفض إسرائيل بشكل متكرر دعوات الإفراج عن البرغوثي، كما رفضت الإفراج عنه فى صفقة تبادل الأسرى مع حركة “حماس” عام 2011، ورغم الأسر داخل زنزانته بسجون الاحتلال الصهيوني، ألف البرغوتي عدة كتب، من بينها كتب “الوعد” و”مقاومة الاعتقال”، و”ألف يوم في زنزانة العزل الإنفرادي”.
والبرغوتي متزوج من المحامية الفلسطينية فدوى البرغوثي التي تعمل منذ سنوات طويلة في المجال الاجتماعي وفي مجال المنظمات النسائية، إلا أنها برزت كوجه سياسي وإعلامي بعد اعتقال زوجها، حيث ظلت تدافع عن زوجها وتحمل رسالته في مختلف الدول وفي وسائل الإعلام، وقد زارت أزيد من 20 بلدا متحدثة عن الانتفاضة والمقاومة ممثلة بذلك صوت زوجها، فيما ينشط أبناؤهما الأربعة في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وعمل البرغوتي قبل اعتقاله محاضرا في جامعة القدس في أبو ديس، وفي العام 2010 حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية بعنوان “الأداء التشريعي والسياسي للمجلس التشريعي الفلسطيني ومساهمته في العملية الديمقراطية في فلسطين من 1996 إلي 2006”.
موجة غضب
أثار اقتحام الوزير اليميني المتطرف، بن غفير، زنزانة مروان البرغوثي، موجة غضب عارم داخل فلسطين وخارجها، خاصة أنه جاء تزامنا مع مصادقة رئيس أركان الجيش، إيال زامير، على الفكرة المركزية لخطة إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، بما في ذلك مهاجمة منطقة الزيتون بمدينة غزة.
وقالت القناة السابعة الإسرائيلية الخاصة، إن الوزير بن غفير اقتحم قسم العزل الفردي الذي يقبع فيه الأسير البرغوثي، وقال له “من يقتل أطفالنا أو نساءنا فسنمحوه، أنتم لن تنتصروا علينا”، حيث نشرت القناة مقطعا للواقعة، مشيرة إلى أن زيارة بن غفير للسجن كانت لمتابعة تشديد ظروف احتجاز الأسرى الفلسطينيين.
وشهدت أوضاع الأسرى الفلسطينيين تدهورا ملحوظا منذ تولي بن غفير مهامه وزيرا للأمن نهاية 2022، علما أنه صرح في 17 يوليوز الماضي، بتفاخره بتجويع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وذلك عندما وصل إلى المحكمة العليا لحضور جلسة استماع بشأن التماس جمعية حقوق المواطن، حول ظروف معيشة واحتجاز الأسرى الفلسطينيين.
في هذا الصدد، عبرت فدوى البرغوثي، زوجة مروان البرغوثي، عن صدمتها من الفيديو الجديد لزوجها، قائلة: “ربما جزء مني لا يريد الاعتراف بكل ما يعبر عنه وجهك وجسدك، وما عانيته أنت وسائر الأسرى”.
وأردفت بالقول: “ما زالوا يا مروان يطاردونك ويلاحقونك حتى في زنزانتك الانفرادية التي عشت فيها لمدة عامين. الاحتلال وأعوانه ما زالوا في صراع معك، والأغلال ما زالت في يديك، لكنني أعرف روحك وعزيمتك، وأعلم أنك ستبقى حرا، حرا، حرا”.
وفي ردود الفعل الرسمية، اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية الاقتحام “استفزازا غير مسبوق وإرهاب دولة منظم”، محملة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن حياة البرغوثي وجميع الأسرى، مطالبة بتدخل دولي عاجل لحمايتهم والإفراج عنهم.
وأدان نائب رئيس السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، الفيديو ووصفه بأنه “قمة الإرهاب النفسي والأخلاقي والجسدي ضد الأسرى”، مشددا على أن ما حدث يمثل “تصعيدا غير مسبوق في سياسة الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين، ما يستدعي تدخلا فوريا من المنظمات والمؤسسات الدولية لحمايتهم”.
واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أن اقتحام بن غفير زنزانة البرغوثي وتهديده “يكشف فاشية الاحتلال”، مشيرة إلى أن الحادث يعد امتدادا لجرائم الحرب في معتقل سديه تيمان الذي شهد انتهاكات مروعة بحق الأسرى، لافتة إلى أن الاقتحام سيزيد البرغوثي إصرارا على مواصلة نضاله المشروع من أجل حرية شعبه وكرامته.
بدورها، حملت حركة فتح حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن حياة مروان البرغوثي، معتبرة أن تهديدات الاحتلال لن تنال من عزيمته وصموده وإرادته، وأن الاقتحام “يأتي ضمن إجراءات قمعية ممنهجة تمارسها منظومة الاحتلال الاستعمارية بحق أسرانا وأسيراتنا في المعتقلات، بقيادة وزير متطرف موصوم دوليا بالفاشية والإجرام”.
وكان أزيد من مائة مفكر وفيلسوف غربي قد وقعوا في وقت سابق بيانا يطالب بالإفراج عن البرغوثي، معتبرين أن الخطوة ضرورية لإحياء حل الدولتين، وأنه الأسير الأهم في فلسطين من منظور إنساني واستراتيجي، ويجب إعادة دوره الطبيعي في الساحة الفلسطينية.
ويبقى مروان البرغوثي رمزا استراتيجيا في الساحة الفلسطينية، إذ يتجاوز دوره كأحد قادة الانتفاضات ليصبح محورا في أي نقاش حول مستقبل القيادة والمفاوضات السياسية، إذ أن سنوات سجنه الطويلة لم تُضعف من تأثيره على الحركة الوطنية، بل عززت من مكانته كقوة ضاغطة على الاحتلال ومفتاحا لأي صفقة تبادل محتمل.
اترك تعليقاً