وجهة نظر

20 غشت: ذاكرة التضحية ووعد المستقبل

معهد الآثار الأمريكي يدعو لدعم تجديد الاتفاقيات الثقافية لحماية تراث المغرب من التهريب

ليست الأعياد الوطنية لحظاتٍ تُطوى في تقويم الزمن، ولا أيّامًا تُقضى في عطلة عابرة، بل هي محطات مجيدة تُستعاد فيها صور البطولات وتُتلى فيها دروس التضحية والوفاء. إنها الشاهد الحي على أن الحرية لم تُمنح هبةً، بل انتُزعت بدماء زكية وصمود لا يلين. وفي طليعة هذه المحطات تشرق ذكرى ثورة الملك والشعب، كملحمة خالدة خطّت بمداد العزة تلاحمًا استثنائيًا بين العرش والشعب، وأثبتت أن مؤامرات الاستعمار لا تقوى على إرادة أمة آمنت بملكها ووطنها، وراهنت على التضحية في سبيل السيادة والكرامة.

الشرارة الأولى

حين امتدت يد الاستعمار الفرنسي لتغتال الشرعية بنفي السلطان محمد الخامس وتنصيب دمية فاقدة للمشروعية، نهض الشعب المغربي في لحظة فارقة، معلنًا أن الملك رمز للوطن وأن العرش لا ينفصل عن الشعب. فكانت المظاهرات الحاشدة والإضرابات الواسعة، وسالت الدماء في الشوارع، وارتفعت صيحات الغضب من الشمال إلى الجنوب، لتقول للعالم إن المغرب لا يُقهر، وإن شرعية محمد الخامس أسمى من أن تطمسها مؤامرة.

مدرسة التضحية

لم تكن ثورة الملك والشعب مجرد انفجار غضب، بل مدرسة متكاملة في الوطنية. رجال ونساء، شباب وشيوخ، كلٌّ أدى دوره بصدق وإيمان: من حمل السلاح، ومن وزع المنشورات، ومن ضحّى بالحرية في السجون، ومن آوى المقاومين في البيوت. وقد جسدت هذه الملحمة أن التضحية لا تُقاس بحجمها بل بصدقها، وأن الحرية وليدة الوحدة والوفاء.

من التحرير إلى البناء

بعد أن استعاد المغرب استقلاله، بدأت معركة البناء والتنمية. ومع عهد الملك محمد السادس، تحوّلت روح 20 غشت إلى قوة دافعة نحو إصلاحات دستورية عميقة سنة 2011، وإلى إطلاق أوراش كبرى: ميناء طنجة المتوسط، القطار فائق السرعة، محطات الطاقات المتجددة، مشاريع تحلية مياه البحر، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية. وهكذا، استمر المعنى العميق للثورة: تحرير الوطن أولًا، ثم تحرير المواطن من قيود الحاجة والتهميش ثانيًا.

العدالة المجالية واستمرارية الرسالة

غير أن مسيرة التنمية لا تستقيم إلا بعدالة شاملة. ولأجل ذلك جاء الخطاب الملكي السامي ليؤكد أن «المغرب لا يمكن أن يسير بسرعتين: مغرب مُدن متقدمة وآخر متأخر، بل مغرب واحد موحّد بالعدالة المجالية». إنها وصية تذكّر أن جوهر ثورة الملك والشعب لم يكن فقط طرد الاستعمار، بل بناء وطن متوازن لا يُقصى فيه أحد، ولا تُترك فيه منطقة وراء الركب.

البعد المغاربي والدولي

لقد وعى المقاومون الأوائل أن الحرية لا تتجزأ، فآزروا الثورة الجزائرية، مؤمنين أن مصير المغرب الكبير واحد. واليوم، يواصل المغرب نفس النهج، مدافعًا عن وحدته الترابية، رافعًا لواء مبادرة الحكم الذاتي، ومجسدًا موقعه كجسر تواصل بين الشمال والجنوب، وكقوة استقرار في محيط إقليمي ودولي لا يعرف الثبات.

إن ذكرى ثورة الملك والشعب ليست عودة إلى الماضي فحسب، بل دعوة إلى الحاضر والمستقبل: دعوة لحمل مشعل الوفاء كما حمله الأسلاف، ولكن بأدوات العصر. فإذا كان جيل الأمس قد واجه المستعمر بالسلاح والإيمان، فإن جيل اليوم مدعو إلى مواجهة التحديات بالعلم والعمل والالتزام. وهنا يظل السؤال معلقًا في ضمير كل مغربي: هل نحن أوفياء لرسالة من ضحّوا من أجلنا؟ وهل سنجعل من وحدتنا وتلاحمنا جسرًا نحو مغرب العزة والكرامة والعدالة الاجتماعية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *