“عبودية المنصات الرقمية”.. غضب عمال التوصيل يطوق مقرات شركة “غلوفو” بالبيضاء

دفعت الاحتجاجات التي نظمها عمال التوصيل عبر الدراجات النارية المنتمون لشركة “غلوفو”، السلطات الأمنية بمدينة الدار البيضاء، إلى فرض إجراءات مشددة لتأمين المنطقة المحيطة بالقطب المالي، حيث تقع مقرات كبرى الشركات ومقر الشركة الإسبانية.
جاء هذا التصعيد في سياق الإضراب الوطني الذي أعلنت عنه نقابة عمال التوصيل “كلوفو” المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، والذي يشمل يومي 1و2 من شتنبر الجاري.
ومنذ صباح اليوم الإثنين، شهدت المنطقة استنفارا أمنيا مكثفا، حيث تم تعزيز النقاط الأمنية بحواجز مشددة ونشر عناصر من الأمن الوطني والقوات المساعدة.
وفي ظل هذه الإجراءات، طوقت السلطات المدخل الرئيسي لمقر شركة “غلوفو”، ما دفع العمال المحتجين إلى تحويل وقفتهم الاحتجاجية خلف المقر.
رغم هذه الضوابط الأمنية، استمر المحتجون في رفع شعارات قوية تندد بما وصفوه بـ”الاستغلال الممنهج” من قبل الشركة الإسبانية، مطالبين السلطات العمومية بالتدخل العاجل لفرض احترام القوانين الوطنية المتعلقة بحقوق العمال.
وأكد عمال التوصيل أن الشركة تفرض عليهم شروط عمل مجحفة، تفتقر إلى أبسط مظاهر الحماية الاجتماعية والحقوق الشغلية، بما يشمل غياب التأمين الصحي، والتقاعد، والتغطية ضد حوادث الشغل.
وأوضح المحتجون أن ظروف العمل القاسية التي يعيشونها تترافق مع ضغط زمني كبير، وحوادث سير متكررة، وتكاليف تشغيلية يتحملونها بالكامل دون أي دعم من الشركة.
وشدد المحتجون على ضرورة وضع حد لما وصفوه بـ”عبودية المنصات الرقمية”، مطالبين بتمكينهم من حماية قانونية فعالة، وتحسين ظروف العمل بما يضمن العيش الكريم، وتحديد أجور عادلة تتناسب مع حجم المخاطر اليومية التي يواجهونها أثناء أداء مهامهم.
كما أعرب المحتجون عن رفضهم للنظام القانوني الذي تدفعهم الشركة لاعتماده تحت مسمى “المقاول الذاتي”، وهو النظام الذي يسمح للشركة بالتنصل من مسؤولياتها القانونية والاجتماعية تجاههم.
وأوضح عمال التوصيل الغاضبين من سياسة شركة “كلوفو” أن هذا الإطار القانوني لا يعكس طبيعة العلاقة الحقيقية بينهم وبين الشركة، والتي تقوم على التبعية الاقتصادية والتنظيمية، مما يستوجب -حسب تعبيرهم- معاملتهم كأجراء لهم كامل الحقوق المنصوص عليها في مدونة الشغل المغربية.
ودعا العمال إلى رفع التسعيرة الأساسية للتوصيل بشكل فوري لمواجهة تكاليف الحياة اليومية، مع اعتماد تسعيرة ليلية مضاعفة نظرا للمخاطر المرتبطة بالعمل في الظلام، وكذا تسعيرة مضاعفة خلال الأعياد الوطنية والدينية تعويضا عن حرمانهم من أوقات العائلة.
كما شددوا على ضرورة تمكينهم من تسعيرة كاملة عن كل توصيلة، حتى في حال إلغائها من طرف الزبون، ووقف العمل بما يسمى “الطلبيات المجمعة” التي تزيد من الضغط والمخاطر.
وطالب المحتجون بضرورة إخضاع الخوارزميات المستعملة من طرف التطبيق للمراقبة، بما يحترم قانون السير ومعايير الصحة والسلامة المهنية، مع ضمان الشفافية في ما يتعلق بتسعير الطلبات، وآليات التحفيز، ومساطر التأديب.
وندد العمال بما وصفوه بـ”الحظر التعسفي” للحسابات، مطالبين بإرجاع جميع الحسابات الموقوفة، ومنع توقيف أي عامل دون استفسار مسبق وجلسة استماع وتحقيق عادل يضمن حقوق الدفاع.
وأكدت لائحة المطالب على ضرورة صون كرامة عمال التوصيل من أي معاملة مهينة داخل المكاتب الإدارية للشركة، وضمان حماية بياناتهم الشخصية من أي تلاعب محتمل، مطالبين بإعادة فتح منطقتي بوسكورة ودار بوعزة أمام نشاط التوصيل، بعد أن جرى إقصاؤهما سابقا.
وهدد عمال التوصيل بالتصعيد في حال استمرار ما يصفونه بـ”تماطل الشركة وتجاهل حقوقهم الأساسية”، مؤكدين أنهم مستمرون في خطواتهم الاحتجاجية إلى حين تحقيق الاستجابة لمطالبهم.
وأكد عادل بوهوش، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية لعمال المنصات الرقمية، أن الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها النقابة جاءت تتويجا لسلسلة من الخطوات التصعيدية التي باشرها عمال التوصيل، وذلك في إطار إضراب وطني امتد ليومين متتاليين.
وأشار إلى أن هذه المبادرة الاحتجاجية لم تأت من فراغ، بل كانت نتيجة تراكم طويل من التجاهل والصمت غير المبرر من طرف الشركة المشغلة، التي لم تبد أي استعداد حقيقي للحوار أو التفاعل مع المطالب العادلة والمشروعة للعمال.
وفي تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أوضح بوهوش أن الشركة المعنية، بدلا من فتح قنوات للتواصل مع ممثلي العمال والانخراط في مفاوضات بناءة تضمن حقوق الطرفين، لجأت إلى أساليب ملتوية هدفها ضرب وحدة الصف العمالي، ومحاولة إفشال هذه التعبئة الشعبية من الداخل.
وأضاف أن هذه المحاولات تمثلت أساسا في إغراء بعض العمال بعروض ظرفية ومؤقتة، أملا في تفكيك صفوف المضربين وثنيهم عن مواصلة نضالهم، وهو ما وصفه بـ”محاولة الاصطياد في الماء العكر”.
رغم كل تلك الضغوطات، يشدد بوهوش على أن عمال التوصيل أبانوا عن مستوى عال من الوعي والمسؤولية، حيث رفضوا كل أشكال الابتزاز والإغراء، وفضلوا الاصطفاف إلى جانب زملائهم دفاعا عن كرامتهم وحقوقهم المهنية.
واعتبر أن هذا الالتزام الجماعي يعكس نضج الحركة العمالية داخل هذا القطاع الرقمي الجديد، والذي ظل لسنوات يعيش في فراغ قانوني وتهميش ممنهج.
وفي سياق متصل، انتقد بوهوش بشدة ممارسات شركة “Glovo”، مؤكدا أنها أصبحت تركز بشكل واضح على التضييق على الحريات النقابية ومحاربة أي محاولة لتنظيم العمال بشكل جماعي.
وأضاف أن سلوك الشركة بات يفضح نيتها في منع أي صوت عمالي منظم، وفرض واقع الهيمنة والانفراد باتخاذ القرارات دون إشراك العاملين، ضاربة عرض الحائط بمقتضيات الدستور المغربي الذي يكفل الحق في الانخراط النقابي لكل عامل أو موظف.
وختم بوهوش تصريحه بالتأكيد على أن النقابة الوطنية لعمال المنصات الرقمية ستواصل معركتها النضالية بكل السبل المشروعة، ولن تتراجع عن الدفاع عن حقوق عمال التوصيل، مطالبا الجهات الحكومية بالتدخل العاجل من أجل حماية حقوق هذه الفئة المتنامية داخل سوق الشغل المغربي، وضمان احترام الحريات النقابية داخل هذا القطاع الحيوي.
اترك تعليقاً