مليارات تهدر ومشاريع بلا أثر.. تقرير يكشف هشاشة الاقتصاد الاستثماري بالمغرب

كشف تقرير تحليلي لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي أن المجهودات الكبيرة التي بذلتها الدولة المغربية لتشجيع الاستثمار لا تتناسب مع مردوديتها الاقتصادية، مبرزا أن المغرب يستهلك استثمارات ضخمة لتحقيق نمو محدود، في ظل منظومة استثمارية تواجه إشكالات بنيوية عميقة، مما يفرغ الفعل الاستثماري من أثره التنموي الحقيقي.
وسجل التقرير الذي اطلعت عليه “العمق”، أن العلاقة بين حجم الاستثمار والنمو في المغرب تعد ضعيفة نسبيا، فوفقا لمعطيات رسمية، يتطلب تحقيق نقطة نمو واحدة في الناتج الداخلي الخام استثمارا يعادل 7 إلى 9 وحدات. هذا المعدل، المعروف بـ ICOR، بلغ 9.4 خلال السنوات الأخيرة، وهي نسبة مقلقة للغاية عند مقارنتها بدول مثل فيتنام وتركيا التي تحقق نفس نقطة النمو بـ3 إلى 4 وحدات فقط من الاستثمار.
ووفقا للتقرير، فإن هذا المؤشر يعني أن الاقتصاد المغربي يستهلك استثمارات كثيرة لتحقيق نمو محدود، في ظل ضعف تحويل هذه الاستثمارات إلى قيمة مضافة حقيقية أو إلى فرص شغل مستدامة. كما لفت إلى أن المعضلة الأكبر تتجلى في محدودية أثر الاستثمار على التشغيل، إذ رغم تزايد حجم الاستثمارات، لا يزال معدل البطالة مرتفعا، حيث بلغ 13.3% على المستوى الوطني في عام 2024، وتجاوز 33% في صفوف الشباب الحضري.
وعزا التقرير ذلك إلى أن المشاريع الكبرى تركز على التقنيات الحديثة والأنشطة الرأسمالية بدلا من اليد العاملة، مما ينتج “نموا غير دامج”، مضيفا أن كلفة خلق منصب شغل واحد في المغرب تتجاوز 500 ألف درهم، وهو رقم مرتفع جدا يعكس ضعف استهداف القطاعات ذات الكثافة الشغلية العالية، وغياب التقاطع بين سياسات الاستثمار والتكوين المهني.
ولم يقتصر التقرير على تحليل المردودية فقط، بل سلط الضوء على مجموعة من الإشكالات البنيوية التي تعيق الاستثمار، بدءا من التعقيد الإداري. فالمستثمرون يعانون من تعدد المتدخلين، وغموض المساطر، وبطء المعالجة، حيث يؤكد التقرير أن ما يقارب 65% من المقاولات المغربية تعتبر تعقيد المساطر الإدارية أكبر عائق أمام الاستثمار.
كما أن البطء القضائي، يضيف مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي يشكل عائقا آخر، إذ يشكو أكثر من 60% من المستثمرين من طول الإجراءات القضائية، خاصة في النزاعات العقارية والتجارية، ما يضعف الثقة ويؤثر على الأمن القانوني.
أما على المستوى الترابي والمالي، يظهر التقرير تفاوتات صارخة في البنيات التحتية والخدمات بين الجهات، حيث يتركز أكثر من 70% من المناطق الصناعية في ثلاث جهات فقط، فيما تعاني جهات أخرى من غياب بنى تحتية مجهزة. هذا التفاوت يجعل جذب الاستثمار أمرا صعبا، خاصة مع هشاشة الولوج إلى العقار الاقتصادي وارتفاع كلفته.
كما أن التمويل يظل التحدي الأبرز، فوفقاً للتقرير، فإن نسبة ولوج المقاولات الصغيرة جدا إلى القروض الاستثمارية لا تتجاوز 12%، مقابل 45% في الدول الصاعدة، ما يؤكد وجود فجوة تمويلية هيكلية تعيق المبادرة الحرة.
وخلص التقرير إلى أن هذه الإشكالات البنيوية، سواء كانت قانونية أو مؤسساتية أو مالية أو مجالية، تفرز بيئة غير مستقرة للمستثمر، مما يفوت على البلاد فرصاً ثمينة لتعزيز موقعها كقطب إقليمي للاستثمار. ويدعو التقرير إلى تفعيل “جيل جديد من الإصلاحات العميقة” لمواجهة هذه التحديات.
اترك تعليقاً