وجهة نظر

الخطاب السياسي وسؤال المصداقية

يهدف الخطاب السياسي إلى تعزيز وبناء منظومة الثقة بين المرسل والمرسل إلية، ولن يتحقق هذا إلا بالاستقلالية والشجاعة واحترام قواعد الاختيار الديمقراطي. أهمها الشفافية والاحترام المتبادل وعدم تبخيس رأي الآخر كما جاء في الأثر عند الشافعي فيما معناه رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. إذن فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. كل هذا يشجع على تنمية الاختيار الديمقراطي والتعايش الإنساني واحترام العمران.

نظرا لأهمية الخطاب السياسي فإن الاجتهاد الديمقراطي يدعو دوما إلى تشكيل مراكز خاصة بهذا الموضوع، وتحيينه بناء على تقويم موضوعي يركز على العقلانية والدراسات الأنتروبولوجية والنفسية والسوسيولوجية والسياسية والتاريخية، مستحضرين الموقف من السلطة على مستوى الخطاب والفعل باعتبارها توزيعا عادلا للقيم الديمقراطية.

لا يمكن فصل الخطاب السياسي عن السلوك والممارسة، والتواصل، لذلك من الواجب استحضار منظومة شمولية تخضع تارة للتفكيك وإعادة التركيب حسب السياق، خاصة عندما يكون صادرا عن مؤسسة لها أفق ورهان وسيادة محترمة، ومن الآليات المساعدة الحوار واستحضار الكفاءة. يمكن وضع عناوين كبيرة للحفاظ على المستوى الراقي للخطاب السياسي والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

-التجديد الدائم في الخطاب وطرق التواصل.

-الجرأة والشجاعة.

-الشعور بالمسؤولية واستحضار البعد التفاؤلي واجتناب اليأس لأنه قتال.

-تجديد البنية السياسية المنبثق منها الحطاب السياسي والمنتجة له مع استحضار قولة الكاتب بارت الإنسان هو الأسلوب حفاظا على التوازن، لأن المؤسسة الحاضنة لها دور فعال في التقييم والتقويم والتطوير.

-استيعاب الخطاب السياسي للكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية.

-مراعاة خصوصية المتلقي والفئات المستهدفة واحترام ذكائها.

-اعتماد روح التماسك والتخليق مع استحضار السياق والوظائف والاختصاصات والإقناع والحجاج والأثر المحمود.

-التواصل الدائم من أجل التوضيح وشرح المشاريع الإصلاحية، وتحيينها حسب المقام.

-تجاوز الخطابات التعبوية السلبية الفاقدة لمنظومة التوازن بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

-مراعاة منهجية ومهنية الخطاب السياسي وتجاوز العشوائية واللاأدرية.

-استحضار الفعالية السياسية من خلال التوازن بين الخطاب الداخلي والخارجي.

-إتقان الخطاب السياسي لجدلية الحقيقة والمجاز من خلال: استخراج المعنى من اللامعنى، والاستعانة بمنظومة فكرية ومعرفية وثقافية، والتنافس الشريف، ونفخ روح التحديث والتجديد حتى يتناغم الخطاب السياسي والمشروع السياسي.

إن مصداقية الخطاب السياسي تعاقد بين المرسل والمرسل إليه عن طريق سنن سيميائية تحمل رسائل واضحة، وانخراط واضح في المجال المعرفي خاصة الرقمي منه. لأنه في العمق خطاب حقوقي يلامس الحريات العامة والمواطنة بمفهومها التلازمي بين الحق والواجب خاصة على مستوى المساواة بين المرآة والرجل في كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية في أفق الكرامة الإنسانية، وتكافؤ الفرص بين الجميع، وتشجيع المبادرات الخاصة الجادة والعادلة وربط الأعمال بالقانون، مع تقرير قواعد الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة فرديا وجماعيا.

نخلص من هذا كله أن الخطاب السياسي الجاد هو الذي ينشد ما ذكر في إطار الحفاظ على الاستقرار السياسي، وتبني جيل جديد من المضامين في افق إحداث نقلة حقيقية في التأهيل والتكوين والمساهمة في البناء الأفقي والعمودي، مع الاحترام التام للمقتضيات الدستورية والقانونية، والتمكين للإعلام وحرية التعبير.

لقد ورد في خطاب ملكي صادر ب 2011.06.17 ما يلي “إن أي دستورمهما بلغ من الكمال، فإنه ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لقيام مؤسسات ديمقراطية، تتطلب إصلاحات وتأهيلا سياسيا ينهض بهما كل الفاعلين لتحقيق طموحنا الجماعي، ألا وهو النهوض بالتنمية وتوفير أسباب العيش الكريم”. إذن هل يرقى خطابنا السياسي لتحقيق طموحنا الجماعي باعتباره جزءا مهما من المؤسسات الديمقراطية؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *