وجهة نظر

جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب بين نصوص التأثيث ومظاهر التهميش

على غرار السنوات السابقة وقبيل انطلاق الموسم الدراسي لهذه السنة، استقبل وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة، يوم الإثنين 25 غشت 2025، بمقر الوزارة في الرباط، ممثلي الهيئات الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، في لقاء تواصلي خصص لمناقشة مستجدات الدخول المدرسي 2025/2026، وتقييم حصيلة الموسم الدراسي المنصرم.

وخلال هذا اللقاء، أشاد الوزير الذي تم تعيينه خلال التعديل الحكومي الأخير، بالدور الحيوي الذي تضطلع به هذه الجمعيات في تعزيز التواصل بين الأسر والمؤسسات التعليمية، وفي دعم الإصلاحات التربوية الهادفة إلى النهوض بجودة التعليم، مؤكدا على أهمية الشراكة الفعلية مع الأسر ومكونات المجتمع المدني لإنجاح المشاريع التربوية الكبرى، وعلى رأسها تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، التي تسعى إلى إرساء مدرسة منصفة، دامجة وذات جودة للجميع.

وبالتالي، فقد عكس هذا الاستقبال الرسمي، وعلى غرار باقي الاستقبالات السابقة، وضع هذه الجمعيات البروتوكولي والثانوي في العملية التعليمية والتربوية بالمملكة، على الرغم من كل النصوص القانونية والتنظيمية المؤسسة لهذه الجمعيات وتمثيلياتها الوطنية.

1- جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ: نصف قرن من النصوص والمذكرات

عملت الدولة بعيد الاستقلال على محاولة تأطير العلاقة بين الأسرة والمدرسة من خلال آلية جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وذلك بضمان مساهمة الأسرة في تحسين مردودية المدرسة وإشراكها في عمليات إصلاح المنظومة التعليمية التي عانت عبر أكثر من ستة عقود من أزمات تعليمية وتربوية بنيوية.

حيث يمكن أن نحقب لهذه العلاقة عبر مرحلتين أساسيتين: مرحلة تعميم تأسيس هذه الجمعيات ومرحلة تكريسها.

– جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بين التأسيس والتعميم (1960 _1999)

سارعت الدولة ممثلة في وزارة التربية الوطنية إلى إصدار المنشور رقم 4325 بتاريخ 6 أبريل 1960 الذي دعت فيه إلى تأسيس جمعيات الآباء بالمدن والقرى في مختلف الأسلاك التعليمية.

وقد جاءت هذه الدعوة بعد عامين فقط من صدور الظهير الشريف المتعلق بتأسيس الجمعيات بالمغرب في 27 فبراير 1958، والذي سيتم تأسيس هذه الجمعيات في إطاره على غرار باقي الجمعيات. لينطلق مسلسل تأسيس هذه الجمعيات كإطارات ينتظم فيها آباء وأمهات وأولياء التلاميذ.

إلا أنه يبدو أن مسلسل التأسيس والتعميم قد طال أمده في ظل غياب تعاون مثمر ما بين الأسرة والمدرسة، الأمر الذي دعا الوزارة الوصية إلى إصدار مذكرة وزارية بتاريخ 9 ماي 1991 موقعة من طرف الوزير الطيب الشكيلي يدعو فيها إلى “تثمين التعاون ما بين الأسرة والمدرسة”، هذا التعاون الذي لن يتأتى إلا بإنهاء مسلسل تعميم جمعيات الآباء على كل المؤسسات التعليمية.

لذا حثت الوزارة الوصية مرة أخرى على تأسيس جمعيات الآباء في إطار قانون تأسيس الجمعيات للتواصل مع المدرسة المغربية من خلال مذكرة أخرى بتاريخ 18 فبراير 1992. لتكرر نفس الدعوة بتاريخ 17 مارس 1995 بإصدار المذكرة الموقعة من طرف الوزير عبد الإله المصدق التي حث فيها على تأسيس جمعيات الآباء مستحضرا أهميتها في إنجاح الحملات المنجزة من أجل الرفع من نسبة التمدرس.

– جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بين التجويد والتكريس (2000_2015)

ركزت وزارة التربية الوطنية في المرحلة الأولى على تحقيق تغطية عددية واسعة لجمعيات الآباء دون إيجاد ظروف مشجعة على ذلك، خاصة فيما يخص توفير وسائل العمل وشروط نجاح هذه الجمعيات في مهامها، وفي توفير آليات حقيقية لإشراكها في الفعل التربوي.

فقد غابت طيلة الفترة الأولى النصوص التنظيمية التي تؤطر عمل هذه الجمعيات باستثناء المذكرة الصادرة بتاريخ 17 مارس 1995 التي شكلت الاستثناء دون أن تجد مضامينها الطريق نحو التنزيل.

وبالتالي فقد شكل تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة 1999 بداية مرحلة جديدة، حاسمة ومهمة في تاريخ جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ.

إذ أعقبه صدور ترسانة مهمة من النصوص التنظيمية عززت من موقع هذه الجمعيات، ومن تلك النصوص والمذكرات الوزارية: المذكرة رقم 56 بتاريخ 2 ماي 2002، المذكرة رقم 80 بتاريخ 24 يونيو 2003، والمذكرة رقم 3 بتاريخ 4 يناير 2006، التي يمكن اعتبارها من أهم المذكرات المرجعية المؤطرة للعلاقة بين جمعية الآباء والمدرسة، حيث لامست جوانب عديدة في هذه العلاقة من خلال التذكير بدور جمعيات الآباء كمحاور وشريك في تدبير شؤون المدرسة، وإقرار تمثيلية هذه الجمعيات في المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية، والمشاركة المباشرة في تسيير المدرسة من خلال العضوية في مجالس التدبير، وتوسيع دورها في تعبئة الأسر ودعم المشاريع التربوية.

2- جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ وواقع التهميش داخل المنظومة التعليمية والتربوية

على الرغم من التراكم المتواصل للنصوص التشريعية والتنظيمية المؤطرة لجمعيات الآباء وأولياء التلاميذ، فإنها ما زالت لا تحتل إلا موقعا هامشيا وهلاميا ضمن مكونات المنظومة التعليمية سواء في آليات بلورتها أو في آليات اشتغالها، اللهم إلا إذا استثنينا فترة حكومة التناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي.

فقد بادرت هذه الحكومة إلى منح هذه الجمعيات صلاحيات المشاركة في المنظومة التربوية من خلال إدماجها في العديد من المحطات التشاورية والتنظيمية، حيث أشرف وزير التربية الوطنية آنذاك عبد الله الساعف بنفسه على رئاسة العديد من المنتديات والملتقيات الوطنية لجمعيات الآباء والأولياء، وتأسست في ولايته العديد من الفيدراليات والرابطات، وانفتحت الأكاديميات الجهوية والنيابات في وجهها.

كما تمت الدعوة خلال عهد هذه الحكومة إلى أن ينصب اهتمام هذه الجمعيات على تعزيز العمل التربوي عبر المحاور الأساسية التالية:

  • المساهمة في انفتاح المؤسسة على محيطها الخارجي
  • تعزيز التواصل بين المؤسسة والأسر عبر توعية الآباء بدور الأسرة في التنشئة التربوية للأبناء
  • الاعتناء بمشاكل المتعلمين والمساهمة في البحث عن حلول ناجعة لها
  • المشاركة في تطوير وإنجاح مشاريع المؤسسة وفق التوجهات الوطنية
  • المساهمة في إنجاح الأنشطة التربوية والثقافية والرياضية

لكن يبدو أن مضامين هذه المذكرة لم تلق تجاوبا من طرف أصحاب المؤسسات التعليمية الخصوصية، إذ لم تستجب لهذا الطلب إلا مؤسسات قليلة على صعيد المملكة.

أما مساهمة جمعيات الآباء في القطاع التعليمي العمومي فتبقى باهتة نظرا لعدة عوامل من أهمها ضعف وعي أولياء الأمور بأهمية هذه الجمعيات، ضعف الانخراط، تحكم بعض الإدارات في عملها، غياب التمثيلية الكافية للمرأة، الافتقار للتكوين، واستغلال بعضها لأغراض شخصية بدل أداء دورها التربوي والاجتماعي.

وعموما، فقطاع التربية والتعليم الذي يعتبر قضية مصيرية لدى مختلف مكونات المجتمع المغربي، عادة ما لا يشرك ممثلو الأسر في المؤسسات التي تسهر على إصلاح وتأطير هذا القطاع.

فالدستور لم ينص على مجلس أعلى خاص بجمعيات الآباء، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين يخلو من تمثيليتها، والوزارة الوصية لا تتوفر على إطار قار لها ضمن أجهزتها.

من هنا ضرورة بلورة وإصدار إطار قانوني جديد يراعي خصوصية هذه الجمعيات ويضمن استقلاليتها، مع تخصيص موارد مالية من ميزانية الدولة لدعمها، بدل الاعتماد فقط على مساهمات الأسر.

كما ينبغي تكريس دورها الحقيقي كشريك في إصلاح المنظومة التربوية، بعيدا عن الاقتصار على دور لوجستيكي أو خيري، وذلك في إطار مقاربة تشاركية جديدة تقوم على الموازنة بين أدوار الدولة، القطاع الخاص، وجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *