وجهة نظر

هذا ما يجب الانتباه له من حزب العدالة والتنمية وزعيمها عند انتقادهم

قد لا نختلف على أن حملة الانتقاد التي يتعرض لها عبد الإله بنكيران وحزبه في الآونة الأخيرة لم يتعرض لها أي حزب سياسي من قبل، أو أي منظمة أخرى في المغرب، حسب ما يبدو من خلال تصفح المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمكن وصفها بأكثر من حملة عابرة، ولكم أن تظنوا ما شئتم؛ لذلك، لم يكن من السهل تجاوز هذا، بل تحتم علينا جميعا التوقف عندها، لمحاولة فهمها وتفسيرها، ولما لا حتى تأويل ما وراءها من أسرار، لأن هذه الحملة ليست كباقي الحملات التي تقاد ضد الأحزاب الأخرى.

وعليه، قبل البدء في المساهمة تفسيرا وتحليلا لهذه الظاهرة العجيبة، لابد من تذكير الزعيم عبد الإله بنكيران وأعضاء حزبه الإسلامي بأن ما يقع لهم لا يجب فهمه من طرفهم خارج إطاره السياسي المحض، وتحذيرهم من أن يربطوه بما جاء في الآية القرآنية الكريمة في سورة آل عمران: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”؛ لكن إن كان ولابد من محاولتهم ربط حالهم بما جاء في القرآن الكريم، فلا نجد أفضل من دعوتهم إلى امتثال ما جاء في هذه الآيات الكريمة بداية سورة العنكبوت: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ؛ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ؛ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ؛ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ؛”؛ فلنتأمل جميعا هذه الآيات دون إغفال إسلامية الحزب الذي تقلب حاله بين معارضة راديكالية في بداية تأسيس لبنته الأولى آواخر السبعينات إلى ما صار عليه اليوم من تصالح تام مع النظام السياسي المغربي.

من المؤكد أن الكثير منا سيتساءل ما علاقة هذه الآيات الكريمة بحال الحزب الإسلامي؛ لهذا نرى ضرورة التنبيه إلى أن المعتقد بتبنيه المرجعية الإسلامية يستحضر، شاء أم أبى، هذه الآيات الكريمة وهو يمر بأزمات، وغالبا ما يتقلب حاله بين ظنه مستهدفا وهو يستحضر ما جاء في سورة آل عمران، أو مبتلى وهو يتأمل الآيات التي وردت في سورة العنكبوت؛ ووفق ذلك، فإن الدخول في مواجهة من يأخذ إحدى الوضعين يختلف؛ حيث الأول تكون مواجهته إياه أصعب مما يتخيل المرء، كما أنه يندر تسجيل التنازل من قبله إلا في الحالات الحرجة جدا، ما يعني أن التراجع في أسلوب تعامله لا يزداد إلا تجذرا، ولا يقبل النقاش مطلقا ما عدا إن كان في إطار بحثه عما ينسف الآراء المخالفة حتى إن كانت على نفس مرجعيته؛ أما من اتخذ الوضع الثاني، فإنه يتيح لنفسه أولا مراجعتها وإعادة النظر في كل فعل يأتيه حتى لا يصاب بالفتنة في دينه ويقترف ما يزيل عنه الصدق، كما أنه خلال مواجهة الأزمات التي يمر منها غالبا ما يُرجع أسبابها إلى تقصيره أساسا، ما يجعله دائما في اجتهاد وجهاد للنفس، حتى يحقق الإيمان الحقيقي بالله؛ ولعل هناك الكثير ما يقال، لكن نكتفي بالإشارة.

وبالعودة إلى الحملة المنتقدة لحزب العدالة والتنمية وزعيمها المثير للجدل دائما السيد عبد الإله بنكيران، فإننا نجد ضمنها مختلف مكونات المجتمع المغربي وأطيافهم، ولربما حتى أطياف من خارج البلاد؛ وعليه، قد يصعب تصنيف كل هؤلاء أنهم خصوم سياسيون لحزب العدالة والتنمية وزعيمها، كما ينبغي تجنب “مريدي” الحزب اعتبار كل هؤلاء خصوما سياسيين، لأن فيهم عدد ممن دافع فيما مضى عن الحزب وصوت له في الانتخابات ما قبل سنة 2021؛ كما وجب التفطن إلى أن هذا الاهتمام القوي بحزب العدالة والتنمية علامة قوة يجب استثمارها، سواء من طرف الحزب المعني، وكذلك من خصومه السياسيين.

وفي نفس السياق، قد يتساءل الواحد منا لما كل هذا الاهتمام والانتقاد الدائم لهذا الحزب دون غيره، حتى بعد سقوطه في انتخابات 2021، واحتلاله المرتبة الثامنة، فيما يقتضي المنطق انتقاد أحزاب الأغلبية الحكومية التي تحملت المسؤولية والتي لم تفلح في تحقيق الشيء اليسير للمغاربة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بالأحرى ما يهم المستوى السياسي؛ وهذا يجعل كل متتبع للشأن السياسي يعيد النظر في حساباته وطريقة قراءته للواقع السياسي المغربي، بعدما تأكد أنه رغم كل الإخفاقات التي تحققت في ولاية أخنوش ما زالت الأنظار تتجه لحزب العدالة والتنمية بالانتقاد، لاسيما زعيمها بنكيران، وكأنه المسؤول الرئيسي لما آلت إليه الأوضاع.

لذلك، وفي محاولة تفكيك هذا الوضع وتفسيره، يمكن تصنيف منتقدي الحزب وزعيمه إلى صنفين رئيسيين: الصنف الأول يمثله كل خصومه السياسيين التقليديين من أحزاب سواء في الأغلبية أو المعارضة؛ ولا يخلوا حال هؤلاء كلهم من التنافس والصراع السياسي على كسب أكبر عدد من الأصوات الانتخابية، خاصة أن من بين هذه الأحزاب السياسية يوجد من لا يختلف كثيرا عن العدالة والتنمية، ويشترك معه في المرجعية والمبادئ العامة كحزب الاستقلال وحزب الحركة الشعبية وغيره، والتي ترى في الحزب منافسا لهم، بل مزاحما لهم على الكتلة الناخبة؛ فيما الأحزاب الأخرى التي ترى نفسها تقدمية وحداثية فمن الطبيعي منافسة الحزب المحافظ ذي المرجعية الإسلامية؛ وهكذا يمكن النظر إلى الصراع والتنافس القائم بين الأحزاب عموما، والذي لا يخلوا من بلد ديموقراطي وغير ديموقراطي.

وأما الصنف الثاني، ففيه يمكن اكتشاف السبب الحقيقي للحملة غير الطبيعية في انتقاد الحزب، لأنه يتضمن بين صفوفه مختلف التناقضات؛ فتجد بينهم المحافظين بكل أنواعهم، والحداثيين بمختلف توجهاتهم، والمثقفين والعاميين، بل الغريب في الأمر تجد حتى المواطنين الذين لا يبالون بكل هذه التصنيفات والتوجهات…

وعليه، فعند محاولة استخراج ما يجمع كل هؤلاء لانتقاد هذا الحزب وزعيمه، رغم اختلافهم في المرجعيات والمشاريع، بل حتى الأهداف السياسية، نكاد ادعاء قضية في غاية الأهمية، وهي: أن قيادة الحكومة لولايتين متتابعتين من طرف حزب العدالة والتنمية وما صاحبه من قرارات مصيرية للأمة، كان لها التأثير السلبي المباشر على الجانب السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، جعل الكل يفقد الثقة في هذا الحزب الإسلامي الجديد الذي رأوا فيه الأمل عند اعتماد دستور جديد، بعدما فقدوها فيمن سبقهم، وعلى رأسهم حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاد حكومة التناوب؛ بل للأسف، ما يجدد الانتقاد لدى كل هؤلاء لهذا الحزب هو استمراره في خطابه السياسي بالمظلومية بعد انتخابات 2021، فضلا تسويقه لنفسه على أنه البديل الأمثل رغم فشله السياسي عند توليه رئاسة الحكومة لولايتين، ومحاولة إقناعه الجميع أنه لا يتحمل المسؤولية السياسية للقرارات التي اتخذت في عهده، ورغم ذلك يترجى الناخبين إعطاء الفرصة الثالثة له حتى يحارب الفساد الذي مكن له خلال عشر السنوات الماضية.

وفي المقابل، وبالعودة لسنة 2011 وما كان عليه الوضع السياسي في بلادنا وغيرها، نجد أنفسنا في محاولة لفهم نفسية المنتقدين كأنهم يقولون لبنكيران وحزبه: كفى تباكيا في خطابك السياسي ورفعا للشعارات البراقة، فإن المغرب لم يصل إلى هذا الوضع السياسي المخجل إلا بسوء تدبيرك وتمكينك لمن قيل لهم في 20 فبراير 2011 “ارحلوا”؛ بل سنزيد من القول وندعي أن منتقدي الحزب وزعيمه يرون فيهم السياسي الفاشل لشدة سذاجتهم عندما تحالفوا مع أحزاب لُطخت أيديهم بالفساد وسرقة المال العام، وإنما دافع عنهم بكل قوة طيلة عشر سنوات رغم ما بدا لهم من سوء التدبير والتسيير؛ وهذا إن أخذنا بمن يحسن الظن به، وإلا فهناك من ينظر إليه أنه شريك أساسي للمفسدين، لأن السياسية والتحالفات لا تبنى على حسن الظن وإنما على سوئها، ومن لا يرى نفسه أهلا للتعامل مع مكر السياسيين و”تحريماتهم وقوالبهم” لا ينبغي تقديم نفسه بديلا، وبالأحرى منقذا.

وفي نفس السياق، فإن الأمر الذي لا يراد استيعابه من طرف هذا الحزب وزعيمه هو أنهم في سنة 2011 تم تقديم أنفسهم الحزب الذي سيحارب الفساد والمفسدين، وهو وعد صعب التحقق لمن خبر العمل السياسي، إلا أن هذا منح المترقبين التغيير في 20 فبراير، التي عرفت انتفاضة شعبية، أملا سياسيا، وخاب ظنهم في كل المحطات التي أعطيت لهذا الحزب، ما جعل منه الحزب الأكثر انتقادا رغم وجود أحزاب أكثر سوءا، علما أن غالبية الشعب، حسب ما يبدو، يأسوا من هذه الأحزاب، بمعنى لا خير يرجى منهم، والأمل الوحيد لديهم بقي في هذا الحزب الإسلامي الذي ملئ الدنيا شعارات ومواعظ سياسية.

وعلى سبيل الختم، نقول: إن حزب العدالة والتنمية، رغم كل ما قيل عن إنشائه وتطوره، إلا أن تجربته تبقى صاحبة الاهتمام الأكبر من قبل القاصي والداني، والعدو والصديق، لأنها شكلت أملا خاصا للمغاربة بعدما استفذوا حظهم مع باقي الأحزاب الوطنية والإدارية؛ ولعل هذا الأمل الذي لم يتحقق معه خلال عشر السنوات الماضية عند قيادة الحكومة، انقلب إلى ضده، فأصبح يشكل كابوسا يصعب نسيانه، لاسيما أن فترتهم تزامنت مع ما أطلق عليه الربيع العربي؛ لذلك، لن نستغرب تجاهل فساد باقي الأحزاب لأن انتظار الإصلاح منها أمسى ميؤوسا منه؛ بل في كثير من الأحيان نجد من يفضلها على الحزب الإسلامي بعدما صاروا ينتهجون المنهج البرغماتي المصلحي؛ وإلا المقاطعة الشاملة من أطراف أخرى حتى لا يشجعوا منح الشرعية للفساد والمفسدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *