وجهة نظر

“جيل Z” بين المطالب الاجتماعية المشروعة والرد الأمني

يعرف جيل Z بأنه الفئة التي ولدت ما بين أواخر التسعينات وبداية الألفية الثالثة، أي الجيل الذي نشأ في ظل ثورة التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. يتميز هذا الجيل بانفتاحه على العالم، وقدرته على متابعة ما يحدث لحظة بلحظة، ومقارنته الدائمة بين أوضاعه المحلية وظروف أقرانه في بلدان أخرى. وهو ما يجعله أكثر وعيا بالحقوق الفردية والجماعية، وأكثر جرأة في التعبير عن رفض التفاوتات الاجتماعية وغياب تكافؤ الفرص.

جيل Z في المغرب ليس فقط شريحة عمرية، بل هو حامل لوعي جديد ورؤية مختلفة للعلاقة بين الدولة والمجتمع.

خرج شباب هذا الجيل في احتجاجات سلمية يومي 27 و28 شتنبر بعدد من مدن المملكة، رافعين مطالب اجتماعية محضة تتعلق بإصلاح منظومتي الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد. اللافت أن الشباب المشاركين حرصوا منذ البداية على التأكيد أنهم لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، ولا يسعون وراء مناصب أو مكاسب، وأن احتجاجهم بعيد عن أي حسابات سياسية ضيقة. كانوا يرددون شعارات بسيطة لكنها قوية، تنطلق من جوهر الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وهي شعارات لم تدع إلى إسقاط النظام أو المطالبة بملكية برلمانية، بل إلى تحسين أوضاع الحياة اليومية للمواطنين.

المثير أن هذه المطالب جاءت منسجمة مع ما ورد في عدد من خطب جلالة الملك محمد السادس، الذي تحدث غير ما مرة عن ضرورة إصلاح التعليم والصحة، وإرساء العدالة الاجتماعية والمجالية، وتصحيح الاختلالات التنموية التي تجعل المغرب يسير بسرعتين. غير أن الغريب في الأمر أن هذه الاحتجاجات، رغم سلميتها، قوبلت بأسلوب قمعي واعتقالات طالت عددا من المتظاهرين، في مشاهد وثقتها عدسات الصحفيين ووسائل الإعلام، وانتشرت على نطاق واسع لتخدش مرة أخرى صورة “المغرب الحقوقي” التي تسعى الدولة إلى تسويقها في الخارج.

لقد كان الأجدر أن يتغلب منطق العقل والحكمة، وأن يتم فتح قنوات الحوار مع هذه الفئة الاجتماعية من الشباب التي تحمل مطالب مشروعة. لكن ما حدث هو تكرار للمقاربة الأمنية، التي أثبت التاريخ أنها لم تكن في يوم من الأيام مجدية، بل ولدت مزيدا من التوتر بين المجتمع والسلطة. ولا نحتاج إلى العودة بعيدا في الماضي، فالمغرب عاش تجربة مريرة مع القمع والاعتقالات، انتهت إلى مرحلة “الإنصاف والمصالحة”، التي اعتبرت حينها محطة جديدة للقطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. واليوم، عودة الدولة إلى الخيار الأمني يهدد بتقويض ذلك المسار.

من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أزمة الوساطة السياسية في المغرب. فالأحزاب، التي يفترض أن تكون قنوات طبيعية للتعبير عن المطالب والاحتجاج، تحولت إلى ما يشبه “دكاكين انتخابية” تنشط فقط خلال مواسم الانتخابات، وتركز على اقتسام المناصب والامتيازات بدل القيام بدورها التمثيلي الحقيقي. لقد فقدت غالبية الأحزاب مصداقيتها لدى المواطنين، ولم تعد قادرة على لعب دورها في تأطير الشباب أو الدفاع عن قضاياهم. ولذلك، فإن هؤلاء المحتجين لم يجدوا أمامهم سوى الشارع وسيلة لإيصال صوتهم.

أما الفساد، فهو العدو الحقيقي الذي ينخر جسد الدولة والمجتمع. فقد تحول إلى بنية قائمة الذات، يعيق التنمية ويقوض أسس الديمقراطية، ويحرم المغرب من فرص تاريخية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي. والتقارير الوطنية والدولية تكشف بوضوح حجم هذا الفساد، الذي عم قطاعات عدة وجعل المغرب يحتل مراتب متدنية في مؤشرات الحكامة والشفافية. وإذا كان من الواجب البحث عن المسؤولين الحقيقيين عن تدهور الأوضاع، فهم ليسوا هؤلاء الشباب الذين خرجوا بشكل سلمي يطالبون بحقوق مشروعة، بل أولئك الذين ينهبون المال العام ويسيئون إلى صورة الوطن ومصالحه الحيوية.

إن محاربة الفساد، والاستجابة لمطالب الشباب، ليست تهديدا للاستقرار، بل ضمانة له. فجيل Z ليس عدوا للدولة، وإنما صرخة يجب الإصغاء إليها بجدية، والتفاعل معها إيجابيا، بدل التعامل معها بمنطق الترهيب.
الشباب يريدون دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في توزيع ثرواتها، شفافة في تدبيرها، ومنفتحة على الحوار مع مواطنيها. واللحظة الراهنة تضع الدولة أمام امتحان صعب: إما أن تنصت وتبادر إلى الإصلاح، أو أن تواصل سياسة الإنكار والقمع بما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وهذا السيناريو الأخير لا يريده المغاربة لبلادهم، خصوصا في ظل صعوبة المحيط الإقليمي والتحديات الدولية المتسارعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *