“القرارات تتخذ من فوق”: انتقادات مدنية لسير تدبير الشأن المحلي بسيدي البرنوصي

يشهد مقطع سيدي البرنوصي بالدار البيضاء حالة من التوتر الصامت بين عدد من الفاعلين الجمعويين والجهات المسؤولة عن تدبير الشأن المحلي، بعد أن ارتفعت أصوات جمعوية مدنية تندد بما وصفته بـ”الإقصاء الممنهج” و”تهميش أدوار المجتمع المدني” في صياغة القرارات العمومية التي تهم الساكنة بشكل مباشر.
وأشار نشطاء المجتمع المدني بالبرنوصي إلى أن هذا الإقصاء يتجلى في غياب دعوات الجمعيات لحضور جلسات التشاور، وعدم إشراكها في تحديد أولويات التنمية المحلية أو اقتراح الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها المنطقة، وعلى رأسها البطالة، ضعف الخدمات الصحية، والنقص الحاد في البنية التحتية الثقافية والرياضية.
كما نبه هؤلاء إلى أن التهميش المتواصل للجمعيات قد يفرغ مضامين الدستور المغربي لسنة 2011 من روحها، باعتبارها نصت بوضوح على أهمية الديمقراطية التشاركية وإعطاء دور فعال للمجتمع المدني في مراقبة وتتبع السياسات العمومية.
وفي هذا السياق، اعتبر بعض الفاعلين أن “إقصاء الجمعيات من صناعة القرار المحلي يحرم الساكنة من صوتها الحقيقي، لأن الجمعيات غالبا ما تكون الأقرب إلى الميدان والأكثر التصاقاً بالهموم اليومية للمواطنين”.
وطالب ممثلو الجمعيات بضرورة تنظيم لقاءات تشاورية دورية بين السلطات والجمعيات، واعتماد مقاربة تشاركية شفافة تقوم على الإصغاء والاعتراف بدور المجتمع المدني كقوة اقتراحية ورقابية.
ويخشى الفاعلون أن يؤدي استمرار هذا الإقصاء إلى اتساع فجوة الثقة بين المواطنين والسلطات المحلية، مما قد يفتح الباب أمام أشكال جديدة من الاحتقان الاجتماعي.
وأكد زين العابدين شاجدين، رئيس جمعية كازا ألوان للتنمية المستدامة والكاتب العام للفيدرالية المغربية لشباب جمعيات المجتمع المدني، أن غياب اللقاءات التواصلية والتشاركية في تدبير الشأن المحلي بمقاطعة سيدي البرنوصي بات يشكل مصدر قلق بالغ لدى الفاعلين المدنيين، معتبرا أن هذا الوضع “لا يضعف فقط ثقة الساكنة في المؤسسات المنتخبة، بل يعمق أيضا الهوة بين تطلعات المواطنين والقرارات التي يتم اتخاذها من فوق بشكل أحادي”.
وأوضح شاجدين، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن دستور 2011 نص بوضوح على مبدأ الديمقراطية التشاركية، وإشراك المجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية وتتبعها وتقييمها، غير أن الممارسة على المستوى المحلي تكشف ــ في نظره ــ عن قصور كبير في تفعيل هذه المقتضيات، حيث يجد المجتمع المدني نفسه مهمشا، “وكأنه مجرد متفرج على قرارات تمس حياته اليومية، في حين أن دوره الطبيعي هو المساهمة في صناعة الحلول والترافع عن انتظارات الساكنة”.
وشدد المتحدث ذاته على أن التنمية المحلية لا يمكن أن تُبنى دون إشراك حقيقي للساكنة، مشيراً إلى مجموعة من الأولويات التي ينبغي الالتفات إليها بشكل استعجالي، وعلى رأسها إعادة الاعتبار للحدائق والمساحات الخضراء التي تعاني في كثير من الأحيان من الإهمال.
واقترح في هذا السياق إطلاق حملات تشجير موسعة بمقاربة تشاركية تضم الساكنة والجمعيات والمدارس، بما يرسخ ثقافة الحفاظ على البيئة لدى الأجيال الناشئة.
كما دعا شاجدين إلى إطلاق برامج عملية لفرز وتدبير النفايات من المصدر، بما ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، فضلا عن دعم مبادرات الفن في الفضاءات العمومية، سواء عبر تنظيم معارض مفتوحة أو تشجيع الجداريات التي ــ حسب قوله ــ “ساهمت في السنوات الماضية في تجميل المنطقة وبث روح الانتماء لدى الشباب”، مبرزا أن مشروع فن الجداريات الذي توقّف منذ أزيد من أربع سنوات ينبغي استئنافه لما له من أثر إيجابي على الصورة الجمالية والاجتماعية للحي.
وفي الجانب المتعلق بالبنية التحتية، شدد الفاعل الجمعوي على أهمية تحسين شبكة النقل العمومي الداخلي بسيدي البرنوصي، باعتبارها رافعة أساسية لضمان تنقل لائق وميسر للمواطنين، إلى جانب ضرورة معالجة ضعف الإنارة العمومية في العديد من الأزقة والشوارع، وهو مشكل يؤثر بشكل مباشر على الإحساس بالأمن وجودة الحياة في المنطقة.
وختم شاجدين تصريحه بالتأكيد على أن “التنمية الحقيقية في سيدي البرنوصي لن تتحقق عبر قرارات فوقية، بل من خلال حوار جاد ومسؤول يجمع المنتخبين والسلطات المحلية والمجتمع المدني”، معتبرا أن الرهان اليوم هو صياغة رؤية مشتركة قوامها الشفافية، المشاركة، والمحاسبة، حتى تكون القرارات العمومية معبّرة بالفعل عن حاجيات وانتظارات الساكنة.
اترك تعليقاً