وجهة نظر

تشديد الخناق على التحكم.. في الحاجة لمزيد من الوضوح

عرفت الايام الثمانية الماضية أحداثا وتصريحات، يمكن تصنيفها كمؤشرات دالة على تحرك ايجابي داخل المشهد السياسي، في اتجاه مزيد من الفرز بين القوى الحريصة على المضي قدما في المسار الديمقراطي، وإن بخلفيات قد يتداخل فيها الدفاع عن المصلحة الوطنية والمصلحة الحزبية، وبين الحالمين باستعادة المبادرة من جديد وجر “حليمة” لممارساتها القديمة، بعد عملية توبة غير مكتملة.

الحدث الأول كان عبارة عن حوار صحفي لنبيل بن عبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، مع إحدى اليوميات بتاريخ 11/12 يونيو 2016، رسّم فيه مواقف حزبه وقراءاته للحظة وللمرحلة، وكشف فيه بلغة سياسية لا يُجيدها الكثير ممن وجدوا أنفسهم زعماء أحزاب وقيادات حزبية، عن بعض أعطاب السياسة في البلاد، ووضع النقط على الحروف في العلاقة مع استكمال مسار الدمقرطة، ونزاهة الانتخابات باعتبارها المَعبَر نحو المرحلة المقبلة، والمُعبّر عن توجهات الشعب واختياراته، وقال بن عبد الله بشكل صريح أن التحكم يُعيق التقدم الديمقراطي، ويُغيب المنافسة الشريفة بين الاحزاب السياسية، وحمل المسؤولية لأيادي تشتغل في الخفاء، لم تعد على كل حال مجهولة، بل بات المتتبعون وعموم المواطنين يعرفون أصحابها بالأسماء والصفات وبالمؤسسات أيضا.

الحدث الثاني كان في ظاهره، أمسية رمضانية نظمتها مؤسسة المشروع للتفكير والتكوين، مساء يوم 11 يونيو 2016، استضافت خلالها رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الاله بنكيران، لكنه في العمق حدث سياسي بامتياز، بالنظر الى الانتماء الفكري والسياسي للجهة المنظمة، ورمزية الضيف الاسم والمنصب والحزب.

استضافة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يقينا لم تكن قرارا تنظيميا خاصا بمؤسسة المشروع، التي علينا ألا نُسقط من الحساب كونها هيأة شبه موازية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أشرف على تأسيسها بالمقر التاريخي للحزب كاتبه الأول ادريس لشگر في فبراير من السنة الماضية، ويسهر على تسييرها مثقفون وسياسيون منهم أعضاء في المكتب السياسي للحزب، وذوو ميولات تتقاطع مع مرجعية الحزب الفكرية والسياسية.

هذه إذن إشارة ينبغي التقاطها، خاصة مع عدم تردد بنكيران في المشاركة والحضور رفقة خمسة قياديين في حزبه، والعمل على اشاعة الايجابي فيها، والمتعلق بحتمية فتح مجالات وفضاءات للحوار بين مختلف التيارات على أرضية موحده، تفرزها التحديات المشتركة مهما بلغت شدة الخصومة السياسية وقوة الاشتباك اللفظي في أحيان كثيرة، وربما عكست أو ترجمت مؤسسة المشروع الاتحادية، جزء من هذا المعطى ولو بصيغة ما تزال تبدو جنينية ومن الصعب اعتبارها نهائية وحاسمة في هذا الاتجاه، لكن الخطوة تبقى ذات معاني من المفيد الانتباه لها ووضعها في سياق مطلب تقريب وجهات النظر حول تشخيص الداء والعطب، والدفع بما يمكّن من الوصول الى التقارب في استراتيجية العلاج سواء قبل انتخابات 7 أكتوبر أو بعدها.

الحدث الثالث كان هو رزنامة ردود الفعل التي اختار حزب الاستقلال أن يعبر من خلالها على يقظته، وحرصه على موقعه الانتخابي وعلى منتخبيه، حيث أصدر بيانا يوم 13 يونيو 2016 تضمن مواقف مباشرة من التحكم وممن يعتقد الحزب أنه يوظف وزارة الداخلية لصالحه، في التنافس الانتخابي والصراع الحزبي، كما بعث برسائل غير ودية إلى حزب الأصالة والمعاصرة، سواء في تدخلات أعضائه بمجلس النواب في الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة ليوم الثلاثاء 14 يونيو والذي تفاعل معها من جانبه ايجابيا، أو في الندوة الصحافية التي عقدتها قيادته في اليوم نفسه، رسائل تقترب من مواقفه الأولى من “البام” سنة 2010 و 2011.

هذه أحداث ثلاث تبدو على قدر من الأهمية، في سياق فهم ماذا يجري وما المطلوب في الوقت ذاته، من مهمات قبيل موعد الانتخابات، ولما لا التوجه نحو تشكيل جبهة ديمقراطية لعزل “الأصالة والمعاصرة” واجهة التحكم السياسي، وأداة التنفيذ المصنوعة تحت أعين من اختاروا معاكسة الاختيار الديمقراطي، المتموقعون في مساحات يكون التماس فيها محسوبا ودقيقا.

لكن ثمة حاجة ملحة إلى مزيد من الوضوح ومزيد من الجرأة أيضا، من قِبل الأحزاب الوطنية المعول عليها في عملية تشديد الخناق على هذا المكون الحزبي، المكلف بمهمة إفساد وإعطاب الانتقال الديمقراطي، وعزله سياسيا في أفق تكريس وترسيخ عزلته شعبيا خلال الانتخابات المقبلة.