خارج الحدود

دانا إرحيم .. موزعة الابتسامات على أطفال غزة

كانت دانا تسير على ساحل شاطئ غزة الصغير والذي يعد المتنفس الوحيد لأهل غزة، فوجدت الطفل الذي بعقده الأول أو تجاوزه بقليل جالس ويبكي، حاولت أن تقترب منه لتسأله عن سبب بكائه، بعد محاولات منها أجابها محمود.

أتمنى أن أصير طفلاً كباقي الأطفال الصغار، يعمل صاحب الوجه البرئ الذي لم يرأف به الحصار ولا ظروف الحياة من الساعة 8 صباحاً وحتى 11 مساءً، مهمته الشاي والقهوة لصاحب بسطة صغيرة على شاطئ بحر غزة، تلقاء مبلغ زهيد من الشواكل يومياً .. الشيكل تقريبا (0.3$).

دانا ارحيم 17 عاماً من مدينة غزة والتي بحكم العرف الدولي لا زالت طفلة، والتي وصل متابعيها على مواقع التواصل بالمئات لم تجعل من حياتها نظاماً عادياً كباقي الفتيات لو صح التعبير، بل كرستها لتوزيع الابتسامات ومشغولاتها اليدوية من الورود على الأطفال.

لم تمنعها دراستها بمدرسة أحمد شوقي ودخولها العام المقبل بصف التوجيهي من ممارسة مهنة الإنسان بعيد الحروب المتكررة على القطاع المحاصر، تجلس إرحيم على جهازها الخلوي لتنشر صورها بصحبة الأطفال في أزقة غزة.

تذهب دانا من حيث تقيم بشارع فلسطين وسط مدينة غزة إلى شرق المدينة حيث حي الشجاعية الذي نال نصيب الأسد في المدينة أثناء الحرب من قصف ودمار طال البشر والحجر، تذهب لتجلس مع الأطفال دون أي ملل أو تحفيز من أحد.

ترى إرحيم أن ذلك ينبع من انسانيتها الخالصة، وتقول حتى يشعروا بأن هناك أحداً بجانبهم وأنهم ما زالوا أطفالاً ويحق لهم أن يمارسوا طفولتهم، وأتمنى أن أقيم لهم مخيم صيفي صغير، لأدخل البهجة إلى قلوبهم بعد أن أقيم معرض مشغولاتي اليدوية بعيد رمضان.

“أحاول أن أجلس معهم لأسمع منهم ما يدور في بالهم وما هي أحلامهم أيضا أحاول أن أجعلهم يفضفضوا إلي ما بداخلهم، صحيح أنه بالبداية ساورهم الاستغراب مجرد جلوسي معهم ولم يصدقوا ذلك وأصبحوا يتشاجروا على الجلوس بجانبي”.

“وجدوا صدق مشاعري معهم ووجدوني حضناً دافئاً لهم يستمع لهم، فبعد الحرب انشغلت المؤسسات بالبيوت المدمرة وبنية غزة التحتية، فلا يوجد أي جهة تذهب إليهم أو تقيم لهم مخيمات دعم نفسي أو ما شابه”.

“أستخدم الفيس بوك في تغطية نشاطي معهم ولدي المئات من المتابعين الذي يتفاعلوا مع كل صورة أنشرها مع الأطفال وأرى أنني صاحبة واجب في توزيع الابتسامات على الأطفال الذين شاخوا ولا زالوا يشيخون مع كل حرب تشنها إسرائيل على غزة المحاصرة”.

“أقرأ في عيون الأطفال الشقاء والبؤس وأجد أنهم محرومين من حنان طفولتهم وليسوا كباقي أطفال العالم، ذهبت لمناطق عدة في غزة غير الشجاعية لأحاول أن أجلس مع الأطفال، أحياناً كثيرة أجد نفسي مسؤولة عن سعادة الأطفال ولست باحثة عن شهرة وإنما هدفي إسعاد الأطفال”.

“مواقف مؤثرة .. بمشفى الوفاء كنت أتحدث مع طفلة من عائلة غبن فقدت نصف عائلتها بالحرب، وكأن حياتها انتهت، رغد ذات السبع سنوات، تتمنى أن يعود أفراد أسرتها للحياة لتتمكن من اللعب معهم. تقول دانا ما زلت أبحث عنها لأجلس معها وأكون صدرا حنونا عليها وأحاول ألا أذكرها بما حدث معها من جديد”.

تحاول دانا أن توازن بين حياتها مع أسرتها وذهابها للأطفال، تقول انقطعت عنهم لشهرين ولم أذهب، وعند جلوسي معه أحاول أن أعرفهم على وأجعلهم إخوة، لكن أشعر أن بعض الأطفال غير قابلين للاندماج بسبب ما ألم بهم من نكد بالحياة وفقدان للأهل. أما الآخرين فقد صرت واحدة منهم وجزء من حياتهم.

ما إن أصل إلى الشجاعية وأقطع الأزقة وأصل إلى حيث سكناهم ويراني أحدهم، حتى ينادي سريعاً على الآخرين واحداً تلو الآخر حتى يصل عددهم إلى أكثر من ثلاثين طفلاً. وقد انتشرت صور دانا مع الأطفال على ركام المنازل وهي تتحدث معهم وينصتون إليها وتوزع عليهم الورود وتضع التيجان على رؤسهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

بدورها تواصلت معها مؤسسة تركية تدعى “أطفال فلسطين” لتوصل لهم أخبار الأطفال ونشاطاتها معهم، والانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء الحرب. أما عن هدف الفتاة ابنة 17 عاماً فتقول أتمنى أن آتي بخمسة أطفال من العاملين بالشوارع وأدمجهم بالمجتمع، وأغير لهم أسلوب حياتهم بشكل كامل.

فإيواء مثل هؤلاء هي مسؤولية الأهل أنفسهم ثم الحكومة، لكنهم يضطرون للبيع ليوفروا لأهلهم لقمة العيش، أما اسرائيل تستهداف الأطفال بالحرب لأنها تعرف أنهم الجيل القادم سيما أنهم يعرفوا ثقافة بلدهم جيداً، إرحيم والمقبلة العام القدم على نيل شهادة الثانوية العامة فعبرت عن بالغ ألمها لأنها ستترك الأطفال الذين عايشتهم وجعلتهم يبتسموا رغم الألم بسبب دراستها.

تؤكد أنها نظرت لكل مواثيق الأطفال فوجدت أن أطفال غزة لا يوجد لهم أي حق من حقوق أطفال العالم الطبيعية مثل “حق اللعب وحق الحنان وحق العيش في أسرة كاملة وحق التعليم” وحق وجود كهرباء تنير لهم منازلهم حتى سلب منهم فأصبح كل حديث الأطفال يدور عن الحروب فهم محللون سياسيون صغار.

أما هي فتجلس والأطفال شرق الشجاعية ليشاهدوا معاً آليات الإحتلال على الخط الفاصل وتستغرب من جرأتهم على فعل ذلك فهي نفسها تخاف من ذلك، فيكون جوابهم “لقد اعتدنا”، أما معرض دانا لمنتوجاتها فتستخدم جزءً من أرباحه في نشاطها مع الأطفال.
وتتمنى أن يكتفي الأطفال بما لاقوه في حياتهم من حروب وقتل ودمار، وأن يعيش القادمون بحياة أفضل لأن الأحياء شاخوا، وتخشى دانا أن يشيخ القادمون مثل السابقين.