وجهة نظر

كيف يقرأ الدستور: مبدأ روح الدستور

لم يعد القانون الدستوري اليوم مرتبطا بالتفسير السطحي للنصوص الدستورية، بل امتدت دراسته لتشمل قضايا أخرى كالحياة السياسية، و الأحزاب السياسية، و الجماعات الضاغطة، و الرأي العام، و الأسس الاقتصادية للنظام و تركيبته الاجتماعية…. الأمر الذي جعل معه القراءة الدستورية الحديثة تتجاوز التنظيم التقني لأبواب الدستور، و الترتيب الفني لمواده و فصوله، بل تعتبر أكثر من ذلك، مرتبطة عضويا بالفلسفة الناظمة للوثيقة الدستورية، و بالتالي تصبح القراءة السليمة للوثيقة الدستورية هي تلك القراءة الناظمة التي تتجاوز حد المنطوق لتفحص الغايات الكلية لوحدة النص شكلا و مضمونا، أو بمعنى آخر روح النص و جوهره.

ويفهم من مبدأ روح الدستور أن للنص الدستوري، بالإضافة إلى منطوقه الصريح، أهداف و غايات و مقاصد و أبعاد دستورية التي تروم المشرع ترسيمها في الدستور لتصبح بذلك قواعد ثابتة و مستقرة لتنظيم السلطة و توزيع ممارستها بين مختلف المؤسسات. و هو ما يطلق عليه، أيضا، في اجتهادات القضاء الدستوري بمبدأ ” تطابق القواعد القانونية مع الهدف المتوخى منها ”، مما يقتضي معه، سن تدابير تكون في طبيعتها و شروطها و الأثر المتوخى منها، كفيلة بتحقيق الأهداف الدستورية التي منها تستمد أصلا مبرر وجودها، ولا تتجاوز في ذلك حدود الضرورة…(قراره رقم 817-2011 الصادر في 15 من ذي القعدة 1432 ).

وإذا كان الاعتماد على منطوق النص الدستوري يعد من البديهيات، فهو المنطلق و هو القاعدة المرجعية التي يقاس على أساسها مدى الالتزام بالمجال المحدد، إلا أن القاضي الدستوري يلجأ إلى تفسير واسع ليشمل قواعد أخرى. و فيما يلي نموذج عن بعض قراءات المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية )، التي أسست لضرورة الأخذ بروح الدستور.

بتاريخ 22 غشت 2013، أكد المجلس الدستوري في قراره رقم 924 على أن ”… توطيد و تقوية مؤسسات دولة حديثة يعد غاية دستورية….. الأمر الذي يستدعي أن تتمتع المؤسسات و الهيئات الواردة في الدستور باستقلال يسمح لها بالنهوض بالمهام والصلاحيات التي حددها لها الدستور نفسه…”، و في قراره رقم 937 بتاريخ 29 مايو 2014، اعتبر أن ”…. مراقبة دستورية القوانين، شكلا و جوهرا، تستلزم استحضار المقاصد التي ابتغاها الدستور…”، و في قراره رقم 943 بتاريخ 25 يوليوز 2014 حين جعل أن ” … تحقيق الأهداف الواردة في الدستور يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية…”

في نفس السياق، ومن أجل تيسسير المشاركة الفعلية في الحياة السياسية لفئات واسعة من المجتمع، نذكر بالمادة الأولى والمواد 5 و23 و 85 من القانون التنظيمي11-27 المتعلق بمجلس النواب، حيث تم إحداث دائرة انتخابية وطنية على صعيد تراب المملكة ينتخب في نطاقها 90 عضوا من الأعضاء ال 395 الذين يتألف منهم مجلس النواب. وتعليقا على هذه الإجراءات، ومن منطلق روح الدستور، اعتبر المجلس الدستوري في قراره رقم 817-2011 الصادر في ( 13 أكتوبر 2011)، أن”…إحداث دائرة انتخابية وطنية يروم تحقيق أهداف خاصة مكملة لتلك التي ترمي إليها الدوائر المحلية تتمثل في النهوض بتمثيلية متوازنة للمواطنات والمواطنين…” ، وفي نفس قراره أضاف القاضي الدستوري أن تخويل النساء وضعا خاصا، حيث خصص لهن المشرع 60 مقعدا ضمن الوطنية دون إخضاعهن لحد السن بواسطة الدائرة الانتخابية الوطنية، يهدف بالأساس إلى ” … تمتيع المترشحات الإناث بأحكام خاصة من شأنها تحقيق غاية دستورية…”، وبالتالي ”…إدراك هدف آخر مقرر بدوره في الدستور…” في إشارة منه للفصل 19 الذي ينص على مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، باعتباره هدفا تسعى الدولة إلى بلوغه ( قرار المجلس الدستوري رقم 821 بتاريخ نونبر 2011).