وجهة نظر

بنعباد يكتب: القانوني والسياسي في مذكرة “الأميرة”

بعد قراءة ما وصف إعلاميا بـ”مذكرة الأميرة”، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، لابد من إبداء بعض الملاحظات السريعة عليها:

أولا: لا يتعلق الأمر بـ”مذكرة”، بل بـ”رأي” و”مرافعة” هكذا أسمت الوثيقة نفسها.

ثانيا: أنها “غير موقعة” وهي بالتالي لا تحمل صفة “الرسمية”، فهي لا تحدد الجهة التي نشرتها باسم المرصد، كما لا تكشف لنا هل “رئاسة” المرصد من أرسلتها؟، أم “المؤتمر الوطني” أم “الإدارة التنفيذية”، أم “لجنة الأخلاقيات” أم “لجنة التتبع”؟ أم طرف داخل المرصد لكنه لا يملك الجرأة على التعبير عن مواقفه بشكل معلن وصريح؟.

وبالتالي يطرح السؤال ما الغاية من إدخال “الأميرة/أخت الملك” في نقاش سياسي؟ من المستفيد من هذا؟ولماذا؟

ثالثا: الوثيقة غير “مؤرخة”، فهي مجهولة التاريخ، ومعلوم لدى العموم أن رسالة بلا تاريخ = رسالة بلا قيمة.

رابعا: غير محددة الوجهة، فرغم أنها قالت في إحدى فقراتها، أنها “مذكرة مرفوعة إلى مجلس النواب”، فإنها لم تحدد الجهة المرسلة إليها، لا رئيس المجلس، ولا رئيس لجنة، ولا رؤساء الفرق البرلمانية، لماذا إذن لم تحدد الجهة المعنية؟.

خامسا: في ختام “الرأي” أصدر المرصد “توصيات”، وهي غير ذات قيمة، من الناحية القانونية والمؤسساتية، لإنها بمثابة “مناشدة” أو “طلب” لا يحمل صفة “الإلزام” فهو حتى وإن استوفى كل شروط السلامة القانونية فإنه يظل رأيا “غير ملزم” لأحد، من مؤسسة لا تحمل الصفة، وبالتالي ما الهدف من إثارتها؟

إضافة لهذا فـ”الرأي” الذي أبداه المرصد يدخل في إطار الأهداف الرئيسية المسندة إليه، والتي من بينها على المستوى الإجرائي “الترافع في الملفات الخاصة بتعزيز حقوق الطفل على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية”.

وهذا يحيلنا إلى مساءلة مهام “المرصد الوطني لحقوق الطفل”، خاصة وأنه مؤسسة غير “دستورية”، فيقول المرصد عن اختصاصاته “يعهد للمرصد الوطني لحقوق الطفل مهمة تتبع تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل، لتعزيز حماية الطفل بشكل دائم، في كافة المجالات المتعلقة بالصحة، بالتعليم، بالتشريع، بالترفيه وبالثقافة، وذلك في أبعادها المادية والمعنوية والروحية” حسب الفصل 3 من النظام الأساسي للمهمة الأساسية للمرصد الوطني لحقوق الطفل.

بعد هذه الإطلالة الخاطفة على “المذكرة”، وقيمتها القانونية، يبقى كثير من الأسئلة أعلاه عالقا، ولا أحد يجزم بالقدرة على امتلاك الإجابة، لكن لابد من إثارة بعض زوايا القضية، خاصة ذات الارتباط السياسي بهذه النازلة السياسية في عمقها حتى مع محاولات إلباسها جُبَّةً حقوقية.

غير خاف على أحد أن الطرف السياسي الذي يملك القدرة على التماهي مع الدولة، هو مركب التحكم والسلطوية، الذي تم تطعيمه بيسار قادم من عالم الإنصاف والمصالحة، يعيش في بنية الدولة لا يمكنه أن يعبر عنها بإرادة المؤسسات الدستورية المنتخبة، بل ويوظف تموقعه داخل البنية للتشويش وربما فرملة المشاريع والقوانين.

وهذا ما تكشفه محاضر جلسات مجلس المستشارين، أن أعضاء المجلس وافقوا بأغلبية 14 مقابل “امتناع” 12 عن التصويت على مقترح قانون 19ـ12 في جلسة عامة بتاريخ 27 يناير 2015.

كيف لمن لم يرفض القانون ووافق ضمنا على مروره، ورفض التصويت ضده في اللجنة ثم في الجلسة العامة، أن ينتبه قبيل الانتخابات إلى الجرائم بحق الطفولة التي يحملها هذا القانون أو ذلك، ويجد من يوظف اسم “الأميرة” في هذه الحملة؟

الناظر في مسار النقاش السياسي اليوم، والحمى التي تعتري الفاعلين لن يجد صعوبة في فهم سياق وخلفيات “الحملة” كما وصفها محمد نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب التقدم والاشتراكية، الذي قدم وزير التشغيل المحسوب عليه هذا النص الجديد/القديم، عليه أن ينتبه إلى موضوعين حاسمين في الفهم.

أولا موقف التقدم والاشتراكية من التحالف الاستراتيجي مع العدالة والتنمية، وفي المقابل رفض التقارب مع الأصالة والمعاصرة، بل وصفه بأنه حزب يريد “التحكم” في الأحزاب والحياة السياسية برمتها، وأكبر منها وصف إلياس العماري بـ:”السفه القادم من أقصى اليسار إلى أقصى العفن”.

هذه اللغة غير المسبوقة من بنعبد الله الذي يعد من أكثر السياسيين المغاربة حرصا على كلامه ومواقفه، دليل على أن حزب الكتاب أحس بأن “البام” يحاول حشره في الزاوية، لذلك لم يجد أفضل من أن يخرج أظافره للدفاع عن نفسه في مواجهة المفروضة عليه.

ثانيا هو عمليات الترويض الجارية قبيل الانتخابات، والتي تهدف المساس “الأنيق” بنزاهة عملية التصويت من خلال تغيير القوانين بما يمنع تحالف “الإخوان الشيوعيين والرفاق الإسلاميين” من الاستمرار في الحكومة في نسختها المقبلة.

لذلك فكل الأسلحة تستعمل في هذا الصراع، بما فيه استغلال القرب من الملك أو من الأسرة الملكية، وصولا إلى “التلصاق” في الملك أو في أحد أفراد أسرته لتوجيه الرأي العام، بما يمهد للانقلاب الشفاف على قوانين الانتخابية لـ2011، التي لم تكن “العتبة” إلا نقطة البداية لها.