سياسة

تحليل إخباري..البديل الديمقراطي: إضافة نوعية أم عطب آخر في الجسم اليساري؟

في كل إضافة كمية، حزبية، يحق لنا أن نتساءل عن الجديد الذي يحمله المشروع الحزبي الجديد، بأي مضمون سياسي وفكري، (حتى لا نقول إيديولوجي)، باعتبارهما البوصلة التي تقود قاطرة الإطار الحزبي.

شهدت نهاية الأسبوع الذي ودعناه، استقبال المشهد الحزبي المغربي لوليد حزبي جديد، هو “البديل الديمقراطي”، القادم من مطرودي ومنسحبي الاتحاد الاشتراكي على عهد إدريس لشكر، والمناسبة عقده لمؤتمره التأسيسي في مدينة المحمدية.

ووفق ما جاء في بيانه الختامي، فإن الحزب الجديد يتأسس فكريا ضمن خانة “الاشتراكية الديمقراطية”، ويعتبر نفسه امتدادا للخط الاشتراكي التقدمي، أما من حيث المطالب السياسية، فإنه حدد كأسمى هدف له، مطلب “الملكية البرلمانية” التي بها تتأسس عليها “الديمقراطية الأصيلة”.

أما من حيث مشاركته السياسية، فقد نص البيان الختامي للحزب على بقاء الحزب في المعارضة “الطويلة النفس”، إلى حين تمكن اليسار المغربي من إعادة إنضاج قواه المجتمعية ليتمكن من تشكيل حكومة يقودها اليسار ببرنامج مستقل، وتتملك كامل الصلاحيات التنفيذية والدستورية، مع أغلبية برلمانية ودعم شعبي.

حتى حدود اللحظة، هذه هي الصورة العامة، التي يمكن أن نرى بها هذا الوليد الحزبي الجديد الذي يكمل رقم 35 حزبا سياسيا المتواجد (حتى لا نقول الناشط) في المغرب السياسي الراهن، على إيقاع، حزب لكل مليون نسمة… !!

باختصار، يطرح الحزب الجديد، قضية وحدة اليسار، إلا أنه لا يبدو أنه مهتما بالعمل من أجلها، والكيفية التي يتم بها هذا التوحيد، على الأقل، لم يرد في بيانه الختامي ما يوحي بذلك، بقدر ما بقي مرتهنا للانتظار حتى “تمكن اليسار المغربي من إعادة إنضاج قواه المجتمعية ليتمكن من تشكيل حكومة يقودها اليسار ببرنامج مستقل، وتتملك كامل الصلاحيات التنفيذية والدستورية، مع أغلبية برلمانية ودعم شعبي”، إلى متى؟ علم ذلك عند الله… !!

هذه المعطيات ممكن أن تمنحنا بعضا من مفاتيح فهم هذا “التجرؤ” الجديد على تأسيس حزب جديد، يقول مؤسسوه إنهم ينحازون إلى صف اليسار.

ثمة، في قراءة تجربة اليسار المغربي، تعريف متداول بشكل كبير بين المناضلين والأطر اليسارية، وهم يقرؤون تجاربهم طيلة ما يزيد عن الخمسة عقود الماضية، فإنهم يخلصون إلى أن “تاريخ اليسار المغربي، عبارة عن سياقات محفوفة بالانشقاقات”، في رحلة سيزيفية شاقة، إذ كلما تضافرت فيها شروط توحد اليسار، كلما “اغتنت” رغبات الانشقاق داخله، وعودة سريعة إلى تاريخه، تبين بجلاء حقيقة هذا المعطى.

والملاحظ أنه في ظاهر بعض الخطوط العريضة للخط السياسي لحزب البديل الديمقراطي، تلتقي جوهريا، من حيث صياغتها، مع ما كان قد طرحه، مثلا، الحزب الاشتراكي الموحد، منذ مؤتمره الوطني الثالث الذي انعقد قبل حوالي أربع سنوات حين حمل شعار “الملكية البرلمانية الآن”. هذا الأخير جاء نتاج تكتل لعدة تيارات يسارية، ولا يزال مستمرا وفيا لطموحاته الوحدوية ومجهوداته ضمن فيدرالية اليسار الديمقراطي التي تنتظم داخلها ثلاثة أحزاب يسارية، هي: الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي، وحزب المؤتمر الاتحادي الاشتراكي.

دستوريا، لا يمكن لأحد في أن يجادل في مسألة الحق في تأسيس أحزاب، كما أنه ليس من حق أي أحد أن يمنع ذلك، لكن يبقى سؤال محير ومستفز، باستحضار كل المعطيات التي أوردناها، وربما أغفلنا أخرى، هو أية روح هذه التي تصر على التفريخ الحزبي التي تقضي على روح التوحد في إطار حزبي يتقاسم نفس هذه الرؤية على الأقل؟ وهذا ما يمكن إدراجه ضمن أعطاب اليسار.

يأتي السؤال مشروعا، لأنه ينبثق من التخوف من أن لا تكون التجربة الجديدة تحمل فعلا قيم ومبادئ ونضالية اليسار، بقدر ما أنها تأتي كرقم إضافي، ضمن أجندة خاصة، وليس من التنوع الذي يحفل به اليسار.

ولعل التخوف الأكبر، هو أن تكون هذه التجربة، اجترارا لتجارب أحزاب أخرى، من خارج اليسار، جعلت من تاريخ العائلة رصيدا للريع السياسي.