وجهة نظر

PJD و PPS.. درس النضج السياسي

يبدو أن حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية يتجهان نحو شراكة استراتيجية، تزكي صمود تحالفهما خلال هذه الولاية الحكومية، وتجاوزه لكل اللحظات الحرجة التي مرت بها الحكومة بنجاح كبير أثار اهتمام الباحثين، وفتح شهيتهم للتعليق والتحليل، إذ كيف “للشيوعي” و”الإسلامي” أن يقدما هذا النموذج الرائع في التحالف السياسي الحقيقي؟ وكيف للإيديولوجيا أن تتوارى وتحل محلها قيم المعقول والوفاء في العلاقة بين شريكين يتغذى أحدهما من مرجعية يسارية حداثية، بينما يعد الثاني وليد الحركة الإسلامية المغربية المعتدلة الموسومة “بالمحافظة”.

والحقيقة أنه لا غرابة في هذا التحالف، بل إنه بمنطق السياسة والتاريخ تحالف طبيعي جدا، ففي لحظات الانتقال الديموقراطي وبناء المؤسسات لن يكون العامل الإيديولوجي إذا ما تم تضخيمه سوى عامل هدم وليس عامل بناء، وسيكون معيقا حقيقيا أمام هذا الانتقال وهذا التحول.

إن الفساد السياسي والريع الاقتصادي والبيروقراطية الإدارية… قد شكلوا وخلال عقود ما بعد الاستقلال جبهة فاسدة قوية ومتجذرة، تتقاطع فيها المصالح وتدعمها لوبيات تتحرك في خفاء، وتتحكم في منابع السياسة والاقتصاد بشكل غير مباشر، هذه الجبهة هي التي اصطلح عليها “الدولة العميقة”، وهي التي عبر عنها بن كيران “بالتماسيح والعفاريت”، لأنها زئبقية وهلامية كلما اعتقدت أنك أمسكت ببعض خيوطها اختفت من بين يديك فيما يشبه السحر..

ومواجهة هذه الجبهة والسعي الحقيقي إلى تفكيكها لا يحتاج إلى الإيديولوجي بقدر حاجته إلى التعاون والتكاثف بين دعاة الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية… على اختلاف مشاربهم لدحر هذا الفساد المتجذر والقضاء التدريجي على ثقافته.

وقد شكل الربيع المغربي فرصة تاريخية لتكوين جبهة ديموقراطية تؤجل النقاش الإيديولوجي إلى حين “استعادة الوطن” من أيدي المفسدين وبناء سلطة المؤسسات واحترام القانون.. ولعل هذا ما عبر عنه بن كيران في بداية التجربة بقوله: “نقادوا التيران بعدا عاد نشوفوا اللعب”، وفي هذا الإطار أيضا تدخل دعوته لحزب لاتحاد الاشتراكي “بغيت نسخن بيكم كتافي”.

في هذا السياق الدقيق أبان حزب التقدم والاشتراكية على نضج سياسي كبير، واستيعاب عميق لحساسية اللحظة، وقام بواجبه الوطني والتاريخي في الاصطفاف إلى جانب قوى الإصلاح في مواجهة قوى التحكم. لقد اتخذ الحزب في نظرنا قرارا سياسيا صائبا وحكيما جعله ينال بجدارة واستحقاق احترام المغاربة الذين يصنفونه في خانة الأحزاب الوطنية الجادة.

واليوم عندما تجتمع قيادتا الحزبين في لقاء تشاوري لمدارسةقضايا الوطن ونحن على أبواب انتخابات تشريعية حاسمة، فإنهما تقدمان إشارة سياسية قوية بأن المعركة السياسية هي بين معسكرين واضحين: معسكر مواصلة الإصلاح والبناء الديموقراطي، ومعسكر الفساد والتحكم والردة، وإن افتعال أي معارك إيديولوجية هامشية اليوم لن يكون إلا انحرافا بالسكة عن مسارها الصحيح. إن هذا اللقاء يوجه رسالة سياسية جديرة بالقراءة والتأمل لكل من أراد أن يساهم في مسيرة الإصلاح من الأحزاب الوطنية بأن الوقت لم يفت بعد وأن الوطن في حاجةلكل أبنائه المخلصين.

“الحاصول” إن PPS وPJD يقدمان للأحزاب المغربية درسا سياسيا بليغا عنوانه: النضج السياسي والوعي الكبير بحساسية المرحلة.

ـــــــــــ

أستاذ الثانوي التأهيلي / عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتمية